منوعات

غير وجه تاريخ يحاول “بوتن” استعادته.. من يكون الراحل ميخائيل غورباتشوف؟

إذا كان هناك أشخاص يمكن وصفهم بأنهم غيروا مجرى التاريخ فميخائيل غورباتشوف أحدهم بدون منازع، ولا يتعلق الأمر هنا بالشهادات التي أطلقها الزعماء السياسيون عبر العالم في حقه بعد وفاته، بل بما يشهد به التاريخ نفسه.

وإذا كانت أهم المحن التي مر منها العالم في تاريخه هي الثنائية القطبية المتصارعة حول النفود في العالم، والحرب الباردة التي لازمتها، فإن وصف غورباتشوف بآخر رئيس لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية يلخص الدور الذي قام به في محاولة إصلاح الاتحاد السوفياتي قبل انهياره بصفته القوة العالمية الكبرى بعد الولايات المتحدة الأمريكية، والتحولات الاستراتيجية في موازين القوى العالمية التي ارتبطت به.

وتأتي وفاة آخر رئيس للاتحاد السوفياتي في وقت يهدد فيه فلاديمير بوتن الاستقرار العالمي بمحاولة إحياء الاتحاد اليوم، والذي تعتبر الحرب على أكرانيا والأزمة العالمية المرتبطة بها إحدى تجليات تلك المحاولة.

فمن هو غورباتشوف؟ وكيف ساهم في التحولات الاستراتيجية في موازين القوى العالمية؟

التقرير التالي الذي أعدته جريدة العمق وفق مصار إعلامية (الجزيرة نت، اندبندنت عربية، …) يجيب عن الأسئلة المركزية السابقة ويقدم معلومات عن فترة تاريخية تغير فيها وجه العالم ليخرج من رمداء الحرب الباردة إلى نيران القطبية الأحادية.

نعي مقتضب من بوتن

توفي ميخائيل غورباتشوف آخر رئيس لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، مساء الثلاثاء 30 غشت عن 91 عامًا. وأثارت وفاته سيلا من الإشادات في الغرب لدوره الحاسم في إنهاء الحرب الباردة ومعركته من أجل السلام.

وحسب اندبندنت عربية يتناقض التأثر الواضح في ردود الفعل الغربية، مع النعي المقتضب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قال إن “ميخائيل غورباتشيف سياسي ورجل دولة كان له تأثير كبير على تطور تاريخ العالم”.

وقال بوتين في برقية تعزية نشرها الكرملين، حسب نفس المصدر، “ميخائيل غورباتشوف سياسي ورجل دولة كان له تأثير كبير على تطور تاريخ العالم”.

وأضاف أنه “قاد بلادنا خلال فترة من التغييرات المعقدة والمؤثرة وتحديات سياسية كبيرة خارجية واقتصادية واجتماعية”.

وأكد أن غورباتشيف “أدرك جيدا أن الإصلاحات ضرورية وجهد لاقتراح حلوله الخاصة للمشاكل الداهمة”.

وتوفي ميخائيل غورباتشوف، آخر زعيم للاتحاد السوفياتي في روسيا، الثلاثاء، بحسب ما نقلت وكالات الأنباء الروسية عن المستشفى حيث كان يعالج.

وقال “المستشفى المركزي العيادي” التابع للرئاسة الروسية في بيان أوردته وكالات “إنترفاكس” و”تاس” و”ريا نوفوستي”، إنه “مساء (الثلاثاء) وبعد صراع طويل مع مرض خطير، توفي ميخائيل سيرغي غورباتشوف”.

وأفادت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء أن جنازة ميخائيل غورباتشوف، ستقام يوم السبت الثالث من سبتمبر (أيلول).

وذكرت إنترفاكس نقلا عن ابنة جورباتشوف أن الجنازة ستقام في قاعة الأعمدة الشهيرة داخل مجلس نقابات موسكو، وهو نفس المكان الذي عُرض فيه جثمان جوزيف ستالين بعد وفاته في عام 1953.

وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف في وقت سابق إن الكرملين سيقرر خلال الأربعاء ما إذا كانت الدولة ستنظم جنازة رسمية لغورباتشوف

كما نقلت وكالة تاس للأنباء عن بيسكوف قوله إن الكرملين سيعلن لاحقا ما إذا كان الرئيس فلاديمير بوتين سيحضر الجنازة.

غورباتشوف والإصلاح والانهيار الكبير

وغورباتشوف الذي وصل إلى السلطة في 1985، أطلق موجة إصلاحات سياسية واقتصادية هدفت إلى تحديث الاتحاد السوفياتي الذي كان يعاني من أزمات حادة.

وكان غورباتشوف من أنصار التقارب مع الغرب وقد فاز في 1990 بجائزة نوبل للسلام.

وبين 1990 و1991 تولى غورباتشوف منصب رئيس الاتحاد السوفياتي قبل أن يضطر في النهاية إلى الاستقالة في 25 ديسمبر (كانون الأول)، في خطوة أدت لانهيار الاتحاد السوفياتي.

وكان الاتحاد السوفياتي هو القوة العظمى التي تتقاسم النفوذ السياسي والاقتصادي على العالم مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وأبرم غورباتشوف اتفاقات مع الولايات المتحدة للحد من الأسلحة وأقام شراكات مع القوى الغربية لإزالة الستار الحديدي الذي قسم أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

وعندما اجتاحت الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية دول الكتلة السوفياتية في أوروبا الشرقية الشيوعية في عام 1989، أحجم عن استخدام القوة، على عكس قادة الكرملين السابقين الذين أرسلوا الدبابات لسحق الانتفاضات في المجر عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا في عام 1968.

لكن الاحتجاجات غذت التطلعات بالحكم الذاتي في 15 جمهورية من الاتحاد السوفياتي الذي تفكك خلال العامين التاليين بطريقة عمتها الفوضى. وحاول غورباتشوف الحيلولة دون هذا الانهيار لكن جهوده باءت بالفشل.

قضى غورباتشوف القسم الأكبر من العقدين الماضيين على هامش الحياة السياسية في روسيا، وقد دعا، بشكل متقطع، كلاً من الكرملين والبيت الأبيض إلى إصلاح العلاقات بين واشنطن وموسكو مع تصاعد التوترات بينهما إلى المستوى الذي كانت عليه خلال الحرب الباردة منذ ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في 2014 ثم هجومها على أوكرانيا في فبراير (شباط) الماضي.

وأمضى سني حياته الأخيرة بين المستشفى والمنزل، إذ تردت صحته كثيراً كما أنه فرض على نفسه الحجر الصحي الوقائي خلال فترة جائحة “كوفيد-19”.

كيف نعى قادة الغرب “غوربي”؟

توالت ردود الفعل الدولية بعد الإعلان عن وفاة غورباتشوف، وتلخص شهادات قادة العالم كيف يراه الغرب من خلال التحولات العالمية التي لعب دورا حاسما فيها.

وكان غورباتشوف موضع تقدير كبير في الغرب الذي كان يسمّيه تحبباً “غوربي”.
وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن “حزنه العميق” لوفاة غورباتشوف، مشيراً إلى أن آخر زعيم للاتحاد السوفياتي السابق كان “رجل دولة فريداً غير مسار التاريخ”. وقال في بيان، إن غورباتشوف “فعل أكثر من أي شخص آخر لإنهاء الحرب الباردة سلمياً”، معتبراً أنه برحيله “خسر العالم زعيماً عالمياً عظيماً، التزم التعددية، ودافع بلا كلل عن السلام”.

وأعرب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عن أسفه وكتب في تغريدة على “تويتر”، “لقد أحزنني نبأ وفاة غورباتشوف، لطالما أعجبت بالشجاعة والنزاهة اللتين برهن عنهما لإنهاء الحرب الباردة”.

بدورها، أعربت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين عن تعازيها لوفاة غورباتشوف، معتبرة أن آخر زعيم للاتحاد السوفياتي كان “قائداً جديراً بالثقة مهد الطريق أمام أوروبا حرة”. وكتبت فون دير لايين في تغريدة على “تويتر”، إن الراحل “أدى دوراً حاسماً في إنهاء الحرب البادرة وإسقاط الستار الحديدي، لقد مهد الطريق أمام أوروبا حرة، هذا إرث لن ننساه أبداً، ارقد بسلام يا ميخائيل غورباتشوف”.

من جانبه نوه ماكرون بغورباتشوف ووصفه بـ”رجل سلام” التزم “السلام في أوروبا”. وقال في تغريدة على “تويتر”، إن الراحل كان “رجل سلام مهدت خياراته الطريق أمام الحرية للروس، إن التزامه السلام في أوروبا غير تاريخنا المشترك”.

وأعرب الرئيس الأميركي جو بايدن عن أسفه لوفاة غورباتشوف منوهاً بـ”قائد نادر” أسهم في “جعل العالم أكثر أماناً”. وقال بايدن في بيان، إن غورباتشوف “بصفته زعيماً لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية عمل مع الرئيس (الأميركي رونالد) ريغان للحد من الترسانتين النوويتين لبلدينا، مما أراح الناس في جميع أنحاء العالم الذين كانوا يصلون من أجل إنهاء سباق التسلح النووي”.

وأضاف، أن الراحل “بعد عقود من القمع السياسي الوحشي، اعتمد إصلاحات ديمقراطية” خلال قيادته الاتحاد السوفياتي، معتبراً أن هذه “كانت تصرفات قائد نادر، قائد لديه من الخيال ما يكفي ليرى أن مستقبلاً مختلفاً ممكن، ومن الشجاعة ما يكفي للمخاطرة بحياته المهنية كلها لتحقيق ذلك”. وأضاف، أن “النتيجة كانت عالماً أكثر أماناً وأكثر حرية لملايين

حين دعاه الخميني إلى دراسة الإسلام

قبل عامين على تفكك الاتحاد السوفياتي وسقوط النظام الشيوعي، دعا آية الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ميخائيل غورباتشوف لدراسة الإسلام والتعلم منه، وذلك في الرسالة الوحيدة التي أرسلها الخميني لزعيم أجنبي، حسب الجزيرة نت.

وفي يناير 1989، زار وفد إيراني موسكو لنقل رسالة الخميني إلى غورباتشوف، بينما كان النظام الشيوعي في تراجع والاتحاد السوفياتي على عتبة تفكك بات واقعا في 26 ديسمبر 1991.

وكتب الخميني في الرسالة المنشورة على الموقع الإلكتروني لحفظ آثاره “من الواضح للجميع أنه من الآن فصاعداً يجب البحث عن الماركسية في متاحف التاريخ السياسي في العالم”.

وعلّل ذلك بالقول إن “الشيوعية لم تلبِّ أية حاجة من الاحتياجات الواقعية للإنسانية، لأنها مذهب مادي وليس بوسع المادية إنقاذ البشرية من مأزق عدم الإيمان بالمعنويات، الذي يمثل أبرز الآلام التي تعاني منها المجتمعات البشرية في الغرب والشرق”.

وأشار الخميني في الرسالة إلى أنه قرر مخاطبة غورباتشوف “نظراً إلى أن تصديكم للقيادة قد أوجد شعوراً بأن فخامتكم يقف على أعتاب مرحلة جديدة من المراجعة والتغيير والتحول في تحليل الأحداث السياسية العالمية لا سيما بالنسبة لقضايا الاتحاد السوفياتي”، آملا في أن “تكون جرأتكم وشجاعتكم في التعامل مع الواقع منشأ تحول وسبباً في تغيير المعادلات الراهنة التي تسود العالم”.

وبيّن الخميني لغورباتشوف أنه “لا بد من مواجهة الحقيقة أن مشكلة بلدكم الرئيسة لا تكمن في قضايا الملكية والاقتصاد والحرية، وانما في عدم الإيمان الحقيقي بالله. وهي ذات المشكلة التي قادت الغرب وستقوده إلى الانحطاط والطريق المسدود”.

وأضاف “مشكلتكم الحقيقية تكمن في محاربتكم الطويلة والعقيمة لله ومبدأ الوجود والخلق”، متابعا “من الممكن أن لا تتخلى عن الماركسية على الصعيد النظري في بعض الجوانب، وتحرص من الآن فصاعداً على الأعراب عن إيمانكم الكامل بها، غير أنك شخصيا تعلم بأن الواقع غير ذلك”.

واعتبر الخميني في رسالته أن الحل لغورباتشوف يكمن في دراسة الإسلام، داعيا إياه للاطلاع على أعمال فلاسفة وعلماء من أمثال الفارابي وابن سينا ومحي الدين بن عربي.

وتوجه إليه قائلا “أطلب منكم أن تدرسوا بدقة وجدية الإسلام. لا لأن الإسلام والمسلمين بحاجة إليكم، وانما للقيم السامية والرؤية الشمولية التي يتسم بها، التي بوسعها أن تمثل أداة لإنقاذ الشعوب ورخائها، وإيجاد حلول للمشكلات الرئيسية التي تعاني منها البشرية”.

وسأله “هل الدين الذي جعل إيران تصمد أمام القوى العظمى كالجبل الشامخ، هو أفيون المجتمع؟ هل الدين الذي يدعو إلى تطبيق العدالة في العالم ويطالب بتحرير الإنسان من القيود المادية والمعنوية، هو أفيون المجتمع؟”.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *