وجهة نظر

كيف نشأت الأحزاب السياسية في المغرب؟

المقصود من هذا البحث المتواضع هو رصد تطور مسار المشهد السياسي في المغرب منذ اعتماد التنظيم الحزبي السري والحركة الوطنية سنة 1934، وهو بحث يروم إلى التقاط الحدث الحزبي في المملكة من جهة ووضعه في سياقه السوسيو سياسي من جهة ثانية، انطلاقا من كون دراسة تطور مسار الأحزاب السياسية المغربية هو إطلاع و إدراك لتطور مسار الحياة السياسية في المغرب، وقبل رصد هذا المسار الذي يؤكد ويجدد العوامل والملابسات لظهور الأحزاب السياسية في المغرب و آليات اشتغالها إبان الحماية ومن بعدها، أي بعد حصول المغرب على الاستقلال منذ تأسيس أول حزب سياسي مغربي في عام 1934، وهو “كتلة العمل الديمقراطي”.

وبخلاف الأحزاب السياسية التي نشأت في الغرب الليبرالي في سياق “ديمقراطي” حيث كان تأسيسها مرتبطا إما بالعملية الانتخابية من جهة والمؤسسات التمثيلية من جهة أخرى، وان الأحزاب السياسية المغربية نشأت في سياق “وطني” لمواجهة سلطات الحماية، لذلك لم يقدم “الحزب السياسي المغربي” نفسه كمعبر عن فئة اجتماعية بل قدم نفسه كممثل للشعب المغربي بكامله، وهو واقع جعل “الآلة” الحزبية المغربية تشتغل وهي معتمدة على مبدأ “الإجماع” وهو النضال ضد الاستعمار، وعلى هذا المبدأ ربطت الأحزاب السياسية المغربية نفسها بفترة الحماية حيث ظلت تسمي نفسها بأحزاب الحركة الوطنية.

ورغم أن التجربة الحزبية في المغرب خلال فترة الحماية يمكن أن نقول انها تختلف عن فترة الاستقلال، غير ان الفاعل السياسي ظل محكوما بنفس المنطق، مواجهة السلطة السياسية وذك وفق طبيعة العلاقة وهو الذي جعل بعض القيادات الحزبية تتصرف باعتبارها “الطليعة” وليس “نخبة”.

وكما سبقت الإشارة إليه فالأحزاب السياسية نجدها نشأت في بادئ الأمر كرد فعل ضد سياسات سلطة الحماية، ولذلك شكلت الإطار التنظيمي للحركة الوطنية، الشيء الذي من شأنه حكم عليها موضوعيا وذاتيا بالدخول في مواجهة مفتوحة مع سلطات الاستعمار والتي عملت كل ما في وسعها من أجل تفكيك هذه الأحزاب والعمل على إيجاد بديل لقيادتها تجسيدا لوطنية رسمية ولتبرر الوجود الاستعماري من خلال القبول بمعادلته واختباراته الممنهجة.

وهكذا نجد أن أول حزب سياسي ظهر في المغرب ممثلا في “كتلة العمل الديمقراطي” سنة 1934، كرد فعل ضد إلحاق المغرب بوزارة المستعمرات الفرنسية حيث اعتبرت الحركة الوطنية ذلك القرار إخلالا بمقتضيات عقد الحماية الذي يجعل من المغرب دولة محمية تلتزم فرنسا كسلطة حامية بالقيام بعديد من الإصلاحات تروم تأهيله لاسترداد كامل سيادته، وهذا التصور المطالب بالإصلاح هو الذي حكم الاحزاب السياسية المغربية بين سنوات 1934-1942 سواء في ظل وحدة الحركة الوطنية أو في ظل انشقاقها.

وقبل هذا التاريخ لابد من الاشارة إلى أن أول بذرة للتنظيم الحزبي “السري” ظهرت في 23 غشت 1930 ولم تخرج الى العلن إلا في حدود سنة 1934، وتجسد التنظيم السري في “الزاوية” وهي تعتبر أعلى مستوى تنظيمي وهي أداة اتخاذ القرار “الطائفة” وهي المستوى الثاني من التنظيم، كانت يعرض عليها مقررات “الزاوية” ثم الخلايا، وهي قاعدة التنظيم الحزبي السري.

لقد شكل ميلاد كتلة العمل الديمقراطي عام 1934 أرضية لميلاد حزب الاستقلال 1943 إثر صياغة وإعلان وثيقة الاستقلال التي استمد الحزب اسمه منها والتي احتوت المطالب الأساسية للحركة الوطنية المغربية من أجل التحرر والاستقلال، ثم ولد حزب الشورى والاستقلال عام 1946، والذي خرج من رحم حزب الاستقلال في السنوات الأولى للاستقلال بعد عام 1956 أخذت الحركة السياسية المغربية تعيش ميلاد تنظيمات جديدة سواء التي أقيمت بمساعدة السلطات وهي التنظيمات التي سميت بأحزاب “الإدارة” أو التي أقيمت جراء انقسامات في صفوف حزب الاستقلال وتكرست تنظيمات منشقة عنه.

أما حزب التقدم والاشتراكية 1974، يرجع في أصله إلى الحزب الشيوعي المغربي والذي كان في الأساس عام 1943 عند تأسيسه فرعا للحزب الشيوعي الفرنسي.
بحثنا هذا المتواضع حول الأحزاب والقوى السياسية في المغرب تضمن أحزاب الحركة الاستقلالية وهي الأحزاب الرئيسية التي تعود في أصولها الى حزب الاستقلال، وهي حزب الاستقلال، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ثم مررنا على بعض الأحزاب التي سميت بأحزاب الإدارة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *