المغرب العميق

“نفق تيشكا” .. أو عندما تتحول أحلام سكان الجنوب الشرقي إلى سراب

“منين عقلت على راسي وأنا كنسمع بنفق تيشكا…” بهذه الكلمات انتقد محمد ساجد الوزير السابق للسياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الإجتماعي، تأخر إنجاز نفق “تيزي نتيشكا”، على هامش لقاء دراسي نظم في نوفمبر 2017 بورزازات، خصص للتداول حول آفاق تنمية هوليوود إفريقيا.

منذ ذلك الوقت إلى الآن جرت مياه كثيرة تحت الجسر، لكن الصرخة التي أطلقها سكان الجنوب الشرقي، ما زال يتردد صداها بين جدران عدد من الإدارات الحكومية، دون أن يجد هذا المشروع طريقه إلى الوجود، بعد أن تحول إلى مجرد صيحة في واد سحيق، وأضحت معه محاولة القبض على هذا الحلم المؤجل كمن يطارد السراب في صحراء قاحلة.

عذاب يومي

تعد الطريق الوطنية 9 الرابطة بين ورزازات ومراكش، جحيما يوميا لعدد من مرتادي هذه الطريق، نظرا للوضعية الكارثية التي يعرفها هذا المقطع الطرقي، الذي ينذر بوقوع كوارث، في وقت مازالت فيه الأشغال متواصلة إلى حدود الساعة.

وتتحول الطريق الرابطة بين ورزازات ومراكش، وفق أشرطة فيديو كانت قد توصلت بها جريدة “العمق”، إلى اللون الأسود القاتم نتيجة انتشار الغبار والأتربة والرمال المتواجدة بالمكان سالف الذكر.

سعيد، سائق مهني، عبر لـ“العمق” عن تذمره واستياءه الشديدين من الحالة الكارثية التي آلت إليها هذه الطريق، التي أصبحت كابوسا يؤرق مستعمليها، بفعل بطء الأشغال، ووعورة التضاريس بالمنطقة، على حد قوله.

وأشار المتحدث أن التنقل عبر هذه الطريق أصبح محفوفا بمخاطر جمة، نتيجة وجود حفر كبيرة في وسطها، فضلا عن تطاير الغبار وتناثر الحجارة أثناء حركة السير، الشيء الذي قد يتسبب في عرقلة السير أو حوادث اصطدامات تلحق أضرارا بالعربات وبركابها.

وطالب المصدر ذاته، القائمين على الشأن المحلي بالمنطقة، بتسريع إنجاز نفق تيشكا، من أجل تسهيل تنقل المواطنين بين هووليوود المغرب والمدينة الحمراء مشيرا أن هذه الطريق علقت عليها ساكنة المنطقة، آمالا كبيرة لفك عزلتها، وانتشالها من دائرة التهميش والمعاناة التي لم تعد تطاق.

رأي المهنيين

يرى عدد من المهنيين، أن إخراج نفق تيشكا إلى حيز الوجود، سيكون له تأثيرات إيجابية على الجانب الإقتصادي للمنطقة، خصوصا ما يتعلق بالسياحة والطاقة  الشمسية والمعادن، سيساهم لامحالة في الرقي الإجتماعي وتنمية الجنوب الشرقي، على جميع الأصعدة.

الخبير السياحي الزوبير بوحوث، قال في تصريح لـ“العمق”، أن إنجاز مشروع النفق سيكون له آثار إيجابية على التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام على إقليم ورزازات والأقاليم المجاورة له زاكورة وتنغير وطاطا أساسا، بالنظر للارتباط الوثيق لورزازات والاقاليم المجاورة لها مع مراكش خصوصا في الميدان السياحي.

وأشار بوحوث، إلى أن حالة طريق تيشكا وبطء الأشغال بها ( 10 سنوات تقريبا) جعل مجموعة من وكالات الاسفار وشركات النقل السياحي تغير اتجاهات رحلاتها إلى وجهات أخرى. بل إن عمليات كبرى كانت مبرمجة بورزازات تم إلغاءها نظرا لحالة الطريق، آخرها الحدث الذي كان مبرمجا بين مراكش وورزازات ( أكثر من 300 مشارك في حدث فيه رحلة ب 200 سيارة من النوع الفاخر من مراكش إلى ورزازات).

وختم الخبير السياحي تصريحه بالقول، أن الشك بدأ يدخل إلى نفوسنا بخصوص إنجاز النفق، لأننا سمعنا تصريحات مند أكثر من 10 سنوات على أن بعض الدراسات منجزة وبعضها في طور الإنجاز ..إلخ وهي تصريحات للاستهلاك الإعلامي والسياسي لا أقل ولا أكثر.

حلم موقوف التنفيذ ..

تجمع عدد من الفعاليات المدنية بالجنوب الشرقي، أن تأخر إنجاز نفق تيشكا أمر غير مفهوم، وتسويف ممنهج لمصالح جهة لا تملك قوة ضاغطة ووازنة، بإعتبار أن جهات آخرى إستفادت من مشاريع عملاقة من قبيل الـ“تي جي في”، في وقت تسر الجهات الوصية على إقناع سكان درعة تافيلالت بمبررات واهية.

عزالدين تستيفت، رئيس النسيج الجمعوي بورزازات إعتبر ضمن تصريح لـ“العمق”، أن تأخر إنجاز نفق تيشكا، تأخر لتنمية جهة بكاملها، تأخر للحق في التنمية لأزيد من 2 مليون نسمة عاشت ويلات العزلة والعجز في البنيات التحتية، وتفويت فرص الإدماج على الساكنة خاصة الشباب من طلبة ومعطلين وغيرهم.

وأشار تستيفت، أن تأخر إنجاز النفق تعبير صريح على أن جهة درعة تافيلالت تحتل المراتب الدنيا في انشغالات القائمين على الشأن العام الوطني، وغياب إرادة سياسية حقيقية لإنجاز هذا المشروع الذي يعتبر حاجة تنموية حقيقية، عكس مشاريع أخرى كبرى أنجزت في ربوع الوطن لا ترقى لمستوى الحاجة الملحة و الضرورية لهذا النفق.

وأوضح المتحدث، أنهم ترافعوا كأنسجة الجنوب الشرقي على نفق تيشكا، من واقع إيمانهم بالضرورة التنموية لهذا النفق بما هو ربط بين المغرب العميق والمغرب المركزي، وبما هو مدخل للولوج الآمن للجنوب الشرقي، مع كل ما يعنيه ذلك من تشجيع للإستثمار وتنمية للقطاعات الأساسية به خاصة السياحة والسينما، وأيضا فرص التعدين والطاقات المتجددة، وذلك من خلال يوم دراسي وازن بتاريخ 22 شتنبر2012، على إثر فاجعة 4 شتنبر من نفس السنة والتي ذهب ضحيتها 44 راكبا.

وأبرز الفاعل المدني ذاته، أن هذا اليوم الدراسي، حضرته فعاليات علمية ومسؤولين بالوزارة الوصية وبشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الانسان والمجلس الجماعي لورزازات، وقد تلت ذلك اللقاء عدة بيانات ومراسلات لفعاليات المجتمع المدني وبعض البرلمانيين، لكن دون جدوى تذكر، حيث نجد نفس الأجوبة من المسؤولين المتعاقبين على الوزارة الوصية، آخرهم الوزير نزار بركة، الذي أعطى نفس المبررات التسويفية ، كتغيير السيناريو من الطريق الوطنية رقم 9 إلى سيناريو أوريكا، إضافة لأسطوانة التكلفة والدراسات بمختلف مجالاتها التي تنتهي ولا تنتهي..

وختم تستيفت تصريحه بالقول، أن الجنوب الشرقي يعاني، والعدالة المجالية تقتضي إرادة سياسية عليا لتمتيع المنطقة بمشاريع مهيكلة وعلى رأسها نفق تيشكا، للحيلولة دون كساد هذه الربوع التي سجلت وتسجل معدلات تنموية كارثية، حيث سجلت ورزازات على سبيل المثال إغلاق العديد الوحدات الفندقية ما يعني كارثة اجتماعية بفقدان المئات من مناصب الشغل ومعاناة أسر مع الفقر والحاجة، ومن أسباب هذا الوضع العزلة البرية والجوية..

حتى إشعار آخر ..

شكل تأخر إنجاز نفق تيشكا، موضوع سؤال كتابي أكثر من مرة، وسبق لعدد من النواب البرلمانيين والفرق البرلمانية، بمختلف تلويناتها السياسية، أن ساءلت الرجل الأول على رأس وزارة التجهيز والماء، بخصوص هذا الموضوع، دون أن تقدم الأخيرة، إجابات كافية وشافية.

في هذا السياق، وجّه عدي شجري، عن فريق التقدم والإشتراكية، الخميس 15 شتنبر الجاري، سؤالا كتابيا إلى نزار بركة، وزير التجهيز والماء، حول مآل إنجاز وتنفيذ مشروع نفق تيشكا.

وجاء في السؤال الكتابي الذي توصل “العمق” بنُسخة منه، أن “مصالح وزارة التجهيز والماء شرعت في أشغال الصيانة والتقوية للطريق الوطنية رقم 9 بالمقطع الرابط ما بين مراكش وورزازات، التي تعرف تعثرات كبيرة، وهو ما يعني تمديد معاناة ساكنة أقاليم جهة درعة تافيلالت، على الخصوص، ومستعملي هذا المحور الطرقي، من المواطنات والمواطنين، بشكل عام، في الوقت الذي كانت تراهن فيه ساكنة الجنوب الشرقي، على تحقيق حلم طال انتظاره ”.

وتابع: ”هذا الحلم المتعلق بإخراج مشروع “نفق تيشكا” إلى الوجود، جرى تعليق إنجازه إلى أجل غير مسمى، علما أن صيانة المحور الطرقي المشار إليه، لن تكفي، و لن تحد من مخاطر الطريق المترتبة عن انجرافات التربة والسيول وتساقط الثلوج وغيرها، مما يعرض سلامة مستعملي الطريق إلى جميع المخاطر المتعلقة بسلامة السير والجولان  ”.

وأورد أن، ”ساكنة الجهة المذكورة، تنتظر من وزارة التجهيز والماء والقطاعات الحكومية المعنية، التدخل العاجل لإخراج مشروع “نفق تيشكا” إلى الوجود في أقرب الآجال، لفك العزلة عنها على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياحية، لاسيما وأن الجهة تتمتع بمؤهلات طبيعية وبشرية، تؤهلها لاستقطاب المستثمرين، سواء على الصعيد الوطني أو الدولي  ”.

وساءل شجري، وزير التجهيز والماء، حول ” الإجراءات والتدابير التي ستتخذها الوزارة المذكورة للإسراع في أشغال الصيانة والتقوية التي تأخرت بشكل غير مقبول، وعن برنامج الوزارة لبرمجة وتنفيذ مشروع نفق تيشكا لإنهاء العزلة عن هذه المناطق  ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *