وجهة نظر

 العالم يتجه نحو أزمة غذائية حادة  

يعد الحق في الغداء أحد حقوق الإنسان الأساسية التي تم الإقرار بها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فهو التزام بموجب القانون الدولي، مما يجعل المؤسسات الدولية أمام مسؤولية كبرى خصوصا في ظل انعدام الأمن الغذائي وأزمة الجوع المرتقبة التي أصبحت تهدد العالم و قد تكون أخطر أزمة سيشهدها التاريخ الحديث والمعاصر.

فقد شهد العالم تغييرا متسارعا وأحداثا كونية منذ تفشي  وباء كورونا وتداعياتها الاقتصادية والتي تزامنت مع اضطرابات سياسية على الصعيد الدولي باندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتغيير المناخ، مما رافق ذلك قلق عالمي حول توفير الموارد الغذائية الأساسية واستقرار أسعارها وضمان الإمدادات الغذائية على المستوى العربي والدولي.

أدت عدة دوافع أساسية الى انحراف العالم من مسار وضع حد لأزمات غذائية، الأمر الذي سيجبر المؤسسات الدولية على التكاثف وظفر الجهود لمعالجة أزمة الأمن الغذائي المرتقبة.

ماهي العوامل والدوافع التي أدت الى تفاقم الأزمة بشكل مباشر؟ ماهي التدابير والإجراءات التي سيتخذها المجتمع الدولي والمنظمات العالمية لمحاربة الجوع وحل أزمة انعدام الأمن الغذائي وهل ستنجح في التخفيف من تفاقمها في الوقت الحالي؟

يمكن اعتبار الأزمة الغذائية العالمية المرتقبة صيحة انذار تدعو المجتمع الدولي لبذل الجهود في القيام بالتزامات سياسية وشراكات قوية لمواجهة الأزمة ومعالجة أسبابها واتخاد إجراءات عاجلة لتجنب انهيار سبل العيش والمجاعة، فالأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد يحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة منقدة للحياة، فقد أصدرت  منظمة الأغدية والزراعة للأمم المتحدة تقريرا عالميا ركزت فيه على البلدان التي ستتجاوز فيه حجم الأزمة الغذائية حدتها كدول جنوب وشمال افريقيا ودول الشرق الأوسط ودعت إلى ضرورة التحول نحو استراتيجيات أفضل في كيفية التعامل معها على الصعيد العالمي1.

فالأزمة الغذائية الحالية نتيجة لعديد من الدوافع والعوامل المؤثرة فمن الصراع والحروب و الأزمات المناخية والأزمات الاقتصادية الى ازمات صحية واجتماعية مصحوبة بالفقر والجوع تضافرت الأسباب لتدق ناقوس الخطر فالعالم يشرف على أزمة غذائية حادة وقد أكد على ذلك مدير برنامج الأغدية العالمي ديفيد بيزلي بقوله إن الجوع الحاد يرتفع الى مستويات غير مسبوقة والوضع العالمي يزداد سوءا بسبب الصراع وأزمة المناخ وفيروس كوفيد 19 وارتفاع تكاليف الغداء والوقود في حدوث عاصفة كبرى2، فالعالم لم يتعافى بعد من الصدمة الإقتصادية التي خلفتها جائحة كوفيد والتي حلت محل الأحداث المناخية باعتبارها الدافع الثاني للإنعدام الحاد في الأمن الغذائي من حيث عدد الأشخاص والبلدان المتأثرة التي تعاني أصلا من تفاقم الفقر والجوع ولا يحصل فيها إلا واحد من أصل كل عشرة أشخاص على ما يكفي من الغداء 3، فجاء الصراع في اوكرانيا وروسيا وفاقم التحديات، فالحرب الأوكرانية الروسية هي الدافع الرئيسي وراء ارتفاع مستوى انعدام الأمن الغذائي الحاد التي بدأت بوادره تلوح في الأفق، فقد كشفت عن مدى هشاشة النظام الغذائي العالمي خصوصا في البلدان الفقيرة والمديونة لاعتمادها الشديد على واردات الأغدية والمدخلات الزراعية وتعرضها لصدمات أسعار الغداء العالمية فالحرب أدت الى تعطيل سلاسل التوريد العالمية ودفعت بأسعار الغداء والوقود إلى مستويات مرتفعة فروسيا قيدت صادراتها من الحبوب منذ اندلاع الحرب مما ساعد بشكل كبير في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في السوق العالمية كما أن القيود التي فرضتها الحرب على صادرات أوكرانيا من الزيوت والحبوب أدت لنفس النتيجة أيضا ولم يتوقف الأمر فقط على الأطراف المنازعة بل قررت أطرافا أخرى فاعلة في إنتاج وتجارة الغداء حظر صادراتها بغية خلخلة معادلة الأمن الغذائي العالمي، ويظهر التاريخ أن القيود من هذا النوع تحدث نتائج عكسية بأكثر الطرق مأساوية فأزمات الغداء أمر سيئ للجميع لكنها مدمرة للفئات الأشد فقرا واحتياجا لأنها أكثر البلدان استيرادا للمواد الغذائية والتي تمثل ما لا يقل عن نصف اجمالي نفقات الأسر، فهذه الأزمة تشكل أكبر مهددات النظام الاقتصادي العالمي التي ستؤدي لا محالة إلى تصاعد الثورات الاجتماعية من جديد وزعزعة الاستقرار السياسي مرة أخرى في البلدان العربية أكثر من غيرها، ويمكن القول أنه بعد سياسة إنتاج اللقاحات سيدخل العالم مرحلة سياسة تأمين الغذاء، فالسياسة حسب قول البروفيسور براون ستلعب دورا حاسما في مستقبل الغداء العالمي. وفي هذا الصدد يقول بول كنواي وهو أحد مسؤولي أكبر شركة أمريكية في توزيع السلع الغذائية في العالم أن الأمن الغذائي له علاقة بالاستقرار السياسي  في الأسواق الناشئة إنه بند سياسي عال جدا، لأن الحقيقة هي أنه إذا كان لديك سكان فقراء نسبيا وتتضاعف عندك أسعار الغداء مرتين او ثلاث، فان ذلك يمكن أن يتسبب في زعزعة الوضع السياسي4.

امام هذا الوضع يمكن أن نتساءل عما إذا كان بالإمكان نزع فتيل الأزمة والتصدي لها  فانعدام الأمن الغذائي مشكل كوني عام وشامل سيصيب المجتمع الدولي بأسره ويتوقف مستقبله، فعلى المؤسسات السياسية الدولية أن تضع حدا لهذه الأزمة التي ربما ستتفاقم في غضون الأشهر القادمة إذ لم تتوقف الحرب الروسية الأوكرانية.

مما يستدعي ضرورة تعزيز التحالف العالمي واتخاد اجراءات وتدابير على نهج متكامل بشكل مكثف وجماعي لبناء عالم مستديم يمكن فيه للجميع الحصول بانتظام على ما يكفي من حقه في الغداء، اذ يتعين على صانع السياسات بدء حوار استراتيجي بناء حول الحفاظ على استمرار التدفقات العالمية للمواد الغذائية وتقديم المساعدات الإنسانية وتنفيد المشاريع الإنمائية وحفظ السلام وضمان تجنب تأجيج الصراع وايقاف الحروب مما سيساهم في بناء القدرة على الصمود والتعافي، ولن يتأتى ذلك بجهود منعزلة متفرقة لبلدان معينة بل بتظافر جهود دول العالم من حكومات وشركات ومنظمات وافراد وجماعات، فالعالم بأمس الحاجة الى التسريع في ايجاد خطة لتحقيق حماية الأمن الغذائي ومن الواضح انه لا يمكن حل الأزمة الا بمعالجة الأسباب التي كانت وراءها.

1 تقرير منظمة الفاو نقلا عن الموقع الالكتروني لمنظمة الاغدية والزراعة التابعة للامم المتحدةwww .fao.org

2  تقرير برنامج الأغدية العالم WFP نقلا عن الموقع .wfp.org

3زيدون علي الكناني الازمة الاوكرانية ومباعث القلق حول الامن الغدائي في الشرق الاوسط نقلا عن الموقع الاكتروني www.qf.org.qa

4 محمد دياب المشكلة الغذائية في العالم جوهرها واسبابها الحقيقية نقلا عن الموقع الالكتروني lebarmy.gov.lb

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *