منوعات

خبراء يحذرون: هوس الشهرة وجمع الأموال في مواقع التواصل له تداعيات مجتمعية كارثية

تعرف مواقع التواصل الاجتماعي ديناميكية تواصلية قوية ومتنامية، توسع باستمرار قاعدها من النشطاء والمستعملين، كما توسع شبكة المنصات التي تنشط في هذا المجال.

وتساهم عدة عوامل في تنامي مواقع التواصل الاجتماعي وتوسعها المستمر، منها ما يتعلق بانتشار تكنولوجيا الاتصال الحديثة، وانتشار شبكة الأنترنيت، ومنها ما يتعلق بطبيعة المضامين المتداولة في هذه المنصات، والتي تجلب المزيد من المعجبين بشكل متزايد.

ولظاهرة مواقع التواصل الاجتماعي وجه مشرق يتعلق بالتواصل الاجتماعي نفسه، لكن وجهها الأسود أثار انتباه خبراء مؤخرا ليحذروا من تداعياته على المجتمعات الإنسانية.

وتوسعت ظواهر غريبة تقوم أعداد متنامية خلالها بفبركة فيديوهات وتوزيع منشورات زائفة، ونشر أخبار مختلقة، في موضوعات مبتذلة ومخلة، لحصد “الإعجابات والمشاهدات والمتابعات”، وهو ما يرجعه خبراء، حسب قناة الحرة، إلى “تراجع القيم الإنسانية أمام البحث عن مكاسب مالية” وتعلقا بـ”هوس التريند” وتصدر مؤشرات البحث، محذرين من تسبب ذلك في تداعيات مجتمعية مستقبلية كارثية.

الإبداع في صناعة الفبركة المخلة

في الأردن، ألقت الأجهزة الأمنية، الثلاثاء، القبض على والد فتاة قام بتصويرها في مقبرة ونشر فيديوهات مفبركة، بهدف حصد مشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقام والد الطفلة بتصوير مقاطع فيديو تظهر فيها الطفلة “صورة محزنة وتشكو من سوء المعاملة بعد وفاة والدتها”، وهو ما تداوله نشطاء عبر مواقع التواصل على نطاق واسع.

ورصدت الجهات الأمنية الأردنية المختصة، الاثنين، مقطع الفيديو المتداول، وتم مباشرة التحقيق في”الواقعة”، ليتبين أن “الطفلة بصحة جيدة ووالدتها على قيد الحياة”.

وكشف والد الطفلة أنه “بتصويرها بتلك الحالة المحزنة والمفبركة لنشر المقطع عبر مواقع التواصل وحصد مشاهدات مرتفعة”.

وفي المغرب، أوقفت السطات الأمنية، مساء الجمعة، سيدة معروفة بنشرها مقاطع فيديو على موقع يوتيوب، تدعى “فتيحة روتيني اليومي” لإخلالها بالحياء بشكل علني”، كما تداولت ذلك مصادر إعلامية مختلفة.

وأعطيت هذه السيدة لقب “روتيني اليومي” نسبة لسلسلة “فيديوهات الروتين” التي غزت يوتيوب، بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وكانت فتيحة من أبرز ناشري تلك الفيديوهات.

و”روتيني اليومي” عبارة عن فيديوهات تنشرها سيدات لتصوير نشاطهن اليومي ببيوتهن، لكن أغلب تلك الفيديوهات تتضمن إيحاءات جنسية، ندد بها الكثير كونها تخل بالذوق العام.

وبحسب وسائل إعلام مغربية نقلت خبر اعتقال “فتيحة”، فإن توقيفها جاء على إثر نشرها مؤخرا “مقطع فيديو مقزز” حيث صورت نفسها داخل مرحاض بيتها وهي تقضي حاجتها.

وفي فيديوهات أخرى قام زوجها بضربها في بث مباشر، وصورت مقاطع أخرى وهي تحمم زوجها.

وفي 28 يونيو، كشفت الأجهزة الأمنية المصرية، حقيقة “فيديو مفبرك”، يظهر فيه سيدة منقبة تقوم بـ”اختطاف طفل” من الشارع، وفقا لموقع “مصراوي”

وتبين قيام 4 أشخاص مقيمين بمحافظة سوهاج (صعيد مصر) بفربكة الفيديو، وقام أحدهم  بإرتداء “النقاب” لإيهام مشاهدي مقطع الفيديو بأنه سيدة، لتحقيق مكاسب مادية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

هوس الترند

يتحدث استشاري الطب النفسي، الدكتور جمال فرويز، حسب قناة الحرة، عن تكرار تلك الوقائع على نطاق واسع في عدة دول نتيجة “اضطراب الهوية الثقافية” الذي تسبب في “انهيار مجتمعي وثقافي”.

ويشير في حديثه لموقع “الحرة”، إلى مشكلات اجتماعية متعددة بسبب “المسخ الثقافي” والبحث عن المكسب المادي ولو على حساب التنازل عن “القيم المجتمعية”.

وتسبب الهوس بتحقيق التريند والبحث عن المكاسب المادية السريعة في “انهيار قيمي” لدى البعض وأصبحت “المادة أهم من الإنسان” عند هؤلاء، وفقا لحديث فرويز.

ويرى استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، الدكتور علاء رجب، أن “هوس البحث عن التريند وتحقيق المكاسب السريعة”، من الأسباب الرئيسية لتكرار تلك الحوادث التي وصفها بـ”المضطربة نفسيا”.

وفي حديثه لموقع “الحرة”، يشير علاء رجب إلى “سعي البعض لخلق قصص مثيرة للجدل حتى لو كانت مفبركة” لتصدر مؤشرات البحث وبالتالي تحقيق مكاسب مادية.

ويسعى البعض لتقديم “محتوى هابط” بهدف تحقيق تلك المكاسب السهلة، ولا يتوقف الأمر حاليا على “فئة مجتمعية بعينها” فالجميع يبحث عن “هوس الشهرة”، وفقا لحديث علاء رجب.

ويتابع: “بعض هؤلاء يواجهون مشكلات تتعلق بعدم الاتزان النفسي وهي حالة مرضية تستوجب التدخل لمساعدتهم على تلقى العلاج اللازم”.

تراجع القيم الإنسانية

تلك الوقائع تطرح سؤالا مهما، ما الأسباب التي تدفع البعض إلى “السعي وراء التريند وتحقيق تلك المكاسب المادية على حساب التنازل على قيم إنسانية”؟

يشير جمال فرويز إلى تجرد بعض البشر من “إنسانتيهم وقيمهم الأخلاقية والمجتمعية”، لحصد المشاهدات التي تأتي بمكاسب مادية سريعة.

لكنه يؤكد في الوقت ذاته عدم اقتصار أسباب تكرار تلك الحوادث على “الأبعاد الاقتصادية”، متحدثا عن “أسباب اجتماعية تتعلق بغياب الوعي وعدم النضج والهوس بتقليد الآخرين”.

من جانبه يشير علاء رجب إلى أسباب اقتصادية لتكرار تلك الحوادث، في ظل البحث عن تحقيق مكاسب “سهلة وسريعة ودون جهد” من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

وبهدف حصد “الإعجابات والمشاهدات”، يتحرك الإنسان كأنه “أعمى ودون وعي” ويقوم البعض بـ”السباحة عكس التيار” حتى ينال “الشهرة بين المتابعين”، وفقا لعلاء رجب.

ويصف ذلك بأنه “مؤشرات على انحدار إنساني وتدهور أخلاقي مجتمعي”.

تداعيات كارثية

يحذر علاء رجب من تدعيات ذلك على المجتمع في حال “التعود على مثل تلك الحوادث”، ما ينذر بكارثة مجتمعية مستقبلية تتعلق بقبول “سلوكيات مشينة”.

ويتفق جمال فرويز مع الطرح السابق، محذرا من تدعيات تكرار تلك الحوادث واعتياد المجتمع عليها ما ينذر بـ” المزيد من التدهور الأخلاقي في المستقبل”.

ويشدد فرويز على أهمية “المواجهة المجتمعية لتلك الحوادث”، من خلال نشر الوعي بين الجماهير وإعلاء “القيم الإنسانية على المكاسب المادية”.

ويطالب علاء رجب بمواجهة تلك الحوادث من خلال “إعلاء القيم الأسرية النبيلة”، وتعليم الأبناء منذ الصغر أن “الإنسان أهم من المادة”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *