أما بعد

أما بعد.. قمة الجزائر والفرص الضائعة

الرئيس الجزائري

على عكس الدورات الأخيرة لجامعة الدول العربية المتسمة بالجمود، كان ينتظر أن تشكل قمة الجزائر محطة تاريخية لحلة جملة من مشاكل المنطقة وخلافات الدول الأعضاء، غير أن النظام الحاكم في بلاد الأمير عبد القادر أصر على تضييع الفرص وتأكيد فشل القمة قبل انطلاقها، مؤكدا للعالم أن “دار لقمان مازالت على حالها”، وأن قمم الجامعة “مجرد مناسبة لإلقاء الخطب” كما وصفها الملك محمد السادس لما اعتذر عن احتضان المغرب دورة أبريل 2016.

ونجمل هنا الفرص التي أضاعها النظام العسكري الحاكم على الأمة العربية وعلى بلاده قبل كل شيء، بفعل حقد دفين وضيق نظر، وزاد إهدار الفرص على إهدار الزمن الذي تسبب فيه تمسكه باحتضان القمة حضوريا وعدم موافقته على عقدها عن بعد بسبب ظروف الجائحة، مما أدى إلى تأجيلها 3 سنوات عن موعدها المحدد دون فائدة تذكر.

أولى الفرص الضائعة هي تحقيق المصالحة المغاربية بين الجارين المغرب والجزائر، وهي الفرصة التي بقيت مأمولا فيها إلى غاية نزول طائرة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بمطار الهواري بومدين، وظل المراقبون يأملون في أن تشكل الدورة 31 نقطة انعطاف حقيقة في مسار بناء الاتحاد المغاربي، ومحطة لإيجاد نقاط تقارب بين المغرب والجزائر وتذويب الجليد بين الطرفين، كما بقيت أنظار العالم العربي تترقب ردة فعل الجزائر إزاء المبادرة الخليجية للتصالح وهي المبادرة التي سبقتها دعوات عديدة للملك محمد السادس بطي صفحة الماضي والتعاون بين البلدين.

وبالرغم من مقاطعة الملك لقمم الجامعة العربية منذ 17 سنة، ترك الباب مفتوحا لإمكانية مشاركته في دورة الجزائر تعبيرا عن استعداده لتحقيق المصالحة خصوصا وأن آخر قمة حضرها كانت في الجزائر سنة 2005، وأكد وزير الخارجية في تصريح من أرض الجزائر أن الملك يتابع الوضع عن كثب وسيقرر ما يناسب بناء على المعطيات، غير أن النظام الجزائري لم يلتقط أيا من هذه الإشارات أو ربما رفض التقاطها، وأصر على خرق البروتوكول في حق الوفد المغربي ومواصلة استفزاز المغرب وبتر خريطته مما أدى إلى عدم مشاركة الملك بصفته الشخصية.

أما ثاني الفرص التي أضاعتها الجزائر فتتعلق بالملف الليبي الذي يقترب من الحل ويلعب فيه المغرب دور وساطة مهمة جدا، وهو الملف الذي يحتاج توافقا عربيا أولا قبل التوافق الداخلي، من أجل الحيلولة وضع ليبيا عرضة للأطماع الخارجية وإعطاء الدول غير العربية موطئ قدم في المنطقة.

ضاعت فرصة إصدار قرارات مهمة بخصوص أزمة اليمن ومواجهة التوغل الإيراني الذي تتهم الجزائر بالتورط فيه، والتصدي للأطماع التركية، وذلك بسبب عجزها عن توفير الأجواء الملائمة لحضور قادة دول الخليج والأردن في أشغال القمة التي تؤكد كل المؤشرات أنها ستكون محطة عابرة لا ترقى إلى مستوى الظرفية التي تمر منها المنطقة والعالم.

ولعل أكبر الفرص التي ضيعتها الجزائر على نفسها قبل أن تضيعها على المنطقة، هي عودتها إلى المشهد الدولي وتحسين صورتها المتسخة بالعلاقات المشبوهة مع التنظيمات الانفصالية والإرهابية بمنطقة شمال إفريقيا والساحل، بسعيها إلى إلحاق الضرر بجيرانها بدل مد يد التعاون والمصلحة المشتركة، وأخلفت الجزائر فرصة تاريخية لاحتضان قمة عربية تشكل نقطة انعطاف في مسار طويل من الجمود الذي طبع أشغال قمم جامعة الدول العربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *