وجهة نظر

احتفاظ مهنيي التوثيق بأموال المتعاقدين وودائعهم.. بين ضمان الحقوق وتهديد الأمن التعاقدي

في خضم الاحتجاجات والوقفات النضالية التي نظمتها الهيئة الوطنية للعدول نهاية شهر أكتوبر الماضي ونوفمبر الجاري احتجاجا على المادة 8 من مشروع قانون المالية لسنة 2023، التي أسندت اختصاص توثيق عقود السكن المدعم من طرف الدولة للسادة الموثقين حصرا عليهم دون السادة العدول؛ طالعتنا جرائد وبعض مواقع التواصل الاجتماعي ببيانات استنكارية صادرة عن مجالس جهوية للموثقين حول ما صرح به السيد وزير العدل أمام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب من أن وزارته قد أسندت للسادة العدول الاحتفاظ بأموال المتعاقدين وودائعهم؛ مشيرة إلى أن هذا ” الاختصاص” هو “اختصاص” حصري للسادة الموثقين لما يقارب القرن من الزمان؛ مؤكدة بأنها ترفض هذا الإسناد؛ لكون مهنة التوثيق العدلي غير مؤهلة من جميع الجوانب لتلقي هذه الأموال والودائع وتدبيرها، مذكرة الوزارة برفض السادة الموثقين لمطلب السادة العدول “الترامي” على هذا “الاختصاص” طيلة محطات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة؛ مهددة بنزول السادة الموثقين إلى الشارع والدخول في أشكال نضالية إن لم تتراجع الوزارة على ذلك.

ونظرا إلى أنني حظيت بشرف المشاركة بعرض أمام أنظار الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة مركزيا وجهويا، ومن المدبرين والمشرفين على تنزيل توصيات الهيئة العليا في مشاريع قوانين المهن القانونية والقضائية التابعة لوزارة العدل، وممن واكبوا وأسهموا في وضع مجموعة من القوانين والنصوص التنظيمية لها ولا سيما القانون رقم 16.03 والقانون رقم 32.09 وبعض القوانين ذات الصلة بهما، ومن المطلعين على مشاكل المهنتين.

أردت أن أتدخل في موضوع هذه البيانات الاستنكارية لمناقشة أهم ما جاء فيها وإبداء بعض الملاحظات بشأنها والتقدم ببعض المقترحات مع الإسهام في التهدئة وضبط النفس، وذلك تنويرا للرأي العام وإحاطته علما بالمعطيات اللازمة، حارصا كل الحرص على أن يكون رأيي مجردا عن كل ذاتية مهنية؛ مع اعتماد القول اللين والرفق في الأمر، وأن يكون في إطار من الحكمة والتعقل والتفكير الهادئ.

وقبل ذلك أشير إلى أنني أقصد ب”مهنيي التوثيق” في عنوان المقال الأشخاص الذين يمارسون مهام توثيقية ولا سيما السادة العدول والموثقين، وأقصد بعبارة “ضمان الحقوق” حقوق الدولة المتمثلة في مختلف الضرائب، وحقوق المتعاقدين ثم حقوق المهنيين أنفسهم، أما عبارة ” تهديد الأمن التعاقدي” فمعناها ظهور بعض المخاطر التي أضحت تحيط بالأمن التوثيقي والتعاقدي، وبعبارة جامعة يمكن طرح ذلك في سؤال عام هل إن مسألة الاحتفاظ بودائع وأموال المتعاقدين وفق الطريقة الحالية تضمن فعلا هذه الحقوق أو أنها أصبحت تهدد كيان مؤسسة التوثيق الرسمي برمته وبجناحيه؟

وإذ أتوجه بهذا المقال إلى كل المسؤولين والمعنيين من حكومة وبرلمان ومهنيين ومتدخلين، آمل أن يجد قبولا وآذانا صاغية من طرف الجميع، لأن الحفاظ على مؤسسة التوثيق الرسمي وتحقيق الأمن التعاقدي والتوثيقي والسلم الاجتماعي من مسؤولية الجميع، ولأن المصلحة العامة فوق كل فئوية واعتبار.

وبناء عليه، فإنني أبدأ أولا بمناقشة ما ورد في هذه البيانات الاستنكارية من معطيات ومعلومات خاطئة، ثم نتطرق ثانيا إلى تحليل عنوان المقال والجواب عن بعض الإشكالات المطروحة من خلال الواقع العملي، ثم ثالثا نقترح صيغ معدلة للطريقة الجاري بها العمل حاليا في تدبير أموال المتعاقدين المودعة بصندوق الإيداع والتدبير، نعتقد أنها كفيلة بضمان حقوق الدولة وحقوق المتعاقدين أجمعين.

أولا- مناقشة ما ورد في البيانات الاستنكارية:

كما أشرت إليه أعلاه فإن سبب خروج هذه البيانات الاستنكارية ومناسبتها، الاحتجاجات والوقفات التي دعت إليها الهيئة الوطنية للعدول ونظمتها ضد المادة 8 من مشروع قانون المالية لسنة 2023 التي أسندت اختصاص توثيق عقود السكن المدعم من طرف الدولة للسادة الموثقين دون السادة العدول، وبما أن المناسبة شرط كما يقال، فإنه كان على المجالس الجهوية والمجلس الوطني للموثقين أن تبقى في إطار المناسبة وأن ترد على هذه الاحتجاجات بما يقنع بوجهة نظرها في هذا الإسناد؛ وأن تجيب على الأسئلة التي يطرحها السادة العدول، من قبيل هل هذا الإسناد حق وإنصاف لهم، أم هو ريع تشريعي أم هو امتياز إيجابي للسادة الموثقين أم هو ماذا؟ وهل يستقيم هذا الإسناد الحصري مع المقتضيات الدستورية بخصوص المساواة والعدالة التشريعية؟ وهل يتوافق ذلك مع طبيعة المهنتين المنتميتين معا للتوثيق الرسمي المخاطبين بنفس المقتضيات القانونية الضريبية حينما يتعلق الأمر بالواجبات والالتزامات؟ وهل ينسجم ذلك مع طبيعة الأمور؟ لا أن تخرج عن الموضوع وتهرب النقاش إلى جهة أخرى وتحدث بلبلة وتفتح معركة قد تم حسمها من طرف هيئة عليا كما سيأتي بعده.

وكان على هذه البيانات أن تناقش موضوع المادة 8 من مشروع قانون المالية المذكور مباشرة لأنه هو موضوع احتجاجات السادة العدول وهو بيت القصيد ونازلة الحال، فكان عليها أن تدافع مثلا على وجهة نظر الحكومة في إقرار هذا الإسناد وأن تعلل لها ذلك وأن تقنع المغاربة بأن السادة الموثقين هم الأحق بتوثيق السكن الاجتماعي المدعم من طرف الدولة؛ وأن تبرهن على ذلك بدفوعات علمية وموضوعية وواقعية، أو على الأقل أن تقابل مطلب السادة العدول بمطلب مماثل للسادة الموثقين وفي إطار المناسبة نفسها، كأن تطالب مثلا بمنح السادة الموثقين الاختصاص في توثيق عقود التحبيس التي يختص بتوثيقها السادة العدول، أما أن تنهج سياسة الهروب إلى الأمام وأن تسكت عن موضوع الاحتجاجات والوقفات؛ فهذا ليس من الموضوعية ولا من المنطق ولا من المعقول في شيء، كما أنه ليس من شيم الأفاضل والأكارم، ولا من شيم من أدوا القسم على الأمانة والإخلاص واحترام الواجبات التي تتطلبها المهنة.

وأنا أسائل شرفاء السادة الموثقين وكلهم شرفاء بحول الله وقوته؛ هل ترضون لأنفسكم بهذا الريع أو بهذا التمييز “الإيجابي”؟ وهل تقبلون أن يكون موقفكم ضد إعطاء الحرية للمتعاقدين ليختاروا من يرضونهم لتوثيق حقوقهم وتصرفاتهم؟، وهل يشرفكم أن تكونوا مع إجبار المواطنين ذوي الدخل المحدود على اختياركم؟ وهل أنتم متوقفون على دعم الدولة لكم، والمدعم هنا دعمان: دعم للمواطنين ذوي الدخل الحدود، ودعم للسادة الموثقين ذوي الدخل غير المحدود والحمد لله؟، وأنا أعلم أن فيكم من ينادي بفتح المجال وبإعطاء الاختصاصات للمهنتين كل الاختصاصات وتبقى الحرية والاختيار للمواطن والبقاء للأصلح والأنفع والأكفأ؟، فلماذا لم تتبنوا هذا الرأي وتدافعوا عليه؛ وهو رأي أو موقف يشرفكم كثيرا، وتنزلوا إلى الشارع لتحتجوا مع باقي المهنيين الآخرين الذين يحتجون ضد المستجدات الضريبية التي ستطالكم أنتم أيضا؟

-ثم إن مسألة الاحتفاظ بأموال المتعاقدين وودائعهم هي آلية ووسيلة لحفظ حقوق الدولة وحقوق المتعاقدين، وليست من الاختصاصات بالمعنى الحقيقي للاختصاصات حسب القانون المغربي، كما أنها في الحقيقة ليست من الحقوق التي تخول للمهنيين، بل إنها من الواجبات الملقاة على عاتق المهنيين، والبيانات الاستنكارية تتحدث عن أن هذا “الاختصاص” هو “اختصاص حصري” للسادة الموثقين، وعجبي لهذه البيانات من أين جاءت بفكرة الحصر هذه، فالمادة 33 من قانون مهنة التوثيق ومواد النص التنظيمي له، لا تتضمن حصرا ولا قصرا ولا تخصيصا خاصا بالسادة الموثقين، فليس فيها نفيا ولا استثناء ولا تقديما حقه التأخير ؛ ولا حرف “إنما ” التي هي أداة للحصر أو القصر، وبالتالي فإن فكرة الحصر هاته غير واردة في القانون المذكور ولا في غيره من القوانين.

– وورد في البيانات أن الموثقين “مختصون “في هذا الأمر لما يقارب قرنا من الزمان، لكن ألم تعلم هذه البيانات أن السادة العدول كانوا مختصين في تلقي أموال المتعاملين وودائعهم منذ 14 قرنا؛ بل كانوا يتلقون أموال اليتامى والقاصرين والغائبين وكانوا هم بمثابة صندوق الإيداع والتدبير، إلى أن جاء المستعمر وسلب منهم هذا الحق، لأنهم كانوا يناضلون ضد الاحتلال ويمتنعون من توثيق عقود الترامي على ملك الدولة المغربية وأملاك المواطنين المغاربة، بل كانوا يجاهدون ويموتون في ساحة المعارك من أجل تحرير الوطن من قبضته، والمصادر الفقهية والتاريخية تتحدث عن ذلك وعن أن الودائع وأموال اليتامى والغائبين كانت تودع تحت أيدي السادة العدول، ومن أراد التأكد من هذا فليرجع إلى هذه المصادر والمراجع .

– وفيما يخص الزعم بأن مهنة التوثيق العدلي غير مؤهلة من جميع الجوانب لتلقي هذه الأموال والودائع وتدبيرها، أذكر إخوتي وزملائي في التوثيق الرسمي بأن مثل هذا الكلام عيب وعار، لا سيما وأنه صدر من هيئة عليا للسادة الموثقين وصدر بهذه القوة في التعبير دون حياء أو خجل، فأين المروءة والسلوك الحسن المشترط ابتداء في المترشح للمهنة، وأين اللباقة واللياقة؟ وأين التكوين الطويل وأين وأين؟ وأين قواعد السلوك وحسن الأدب في التعامل مع الآخر مهما كان هذا الآخر؟ وكان بالإمكان التعبير بلغة أخرى وبأسلوب يحافظ على الكرامة وشرف المهنة، هكذا وبكل بساطة وبين عشية وضحاها نسينا كل مبادئنا وصرنا نعبر بكلمات جارحة عنيفة ومن أكادير إلى مراكش إلى الدار البيضاء إلى … إلى المجلس الوطني.

أيها الإخوة الأفاضل، إن عمليات توثيق السكن الاجتماعي المدعم من طرف الدولة؛ لا تتطلب كفاءة عالية أو علم زائد، كل ما هناك توثيق وعد بالبيع لا تتطلب صياغة وثيقته وكتابته أكثر من نصف ساعة وفي صفحة واحدة، ثم بعد ذلك تحرير وثيقة عقد بيع نهائي وتحرير وثيقة رهن لفائدة الدولة ثم تقييد ذلك بالرسم العقاري لدى المحافظة العقارية؛ ثم تحرير وثيقة رفع اليد وتقييدها بالرسم العقاري كذلك، مع الحرص على تتبع الإجراءات اللازمة لذلك لدى مختلف المصالح والإدارات المعنية، وهذه العقود والتصرفات ومثلها هي ما يمارسه السادة العدول صباح مساء ومنذ زمان، “وحولها ندندن جميعا”، بالإضافة إلى تحرير هم عقود عدلية أخرى أكثر تركيبا وتعقيدا من تلك، فلماذا الزعم الرخيص بأن مهنة التوثيق العدلي غير مؤهلة لذلك.

وتلقي أموال المتعاقدين وودائعهم لا تتطلب أكثر من قبضها وإيداعها فورا بصندوق الإيداع والتدبير، وسيأتي بعد قليل أن السادة العدول هم الآخرون يمارسون هذا القبض ويحتفظون بمبالغ مالية مهمة من المتعاقدين، إلا أنهم غير ملزمين بإيداعها فورا بصندوق الإيداع والتدبير، وإنما يودعونها في حساباتهم البنكية ويدبرونها تدبيرا حكيما، وما سمعنا أبدا أن عدلا من العدول اختلس أموال المتعاقدين وهربها إلى الخارج.

الاحتفاظ بأموال المتعاملين وودائعهم وحمايتها وتحصينها أصبحت من واجبات كل المهن القانونية والقضائية

– ما أشارت إليه البيانات من أن السادة الموثقين ظلوا يرفضون مطلب السادة العدول “الترامي” على هذا “الاختصاص” طيلة محطات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة؛ هو عبث ونشاز غريب، وأفعال العقلاء تصان عن العبث، وعجبي لأخواتي وزملائي في التوثيق الرسمي، أن سمحوا لأنفسهم التدخل في تحقيق أو رفض مطالب مهنة أخرى، وأعجب من هذا أنهم يهددون بالنزول إلى الشارع إن استجابت الوزارة لذلك.

مع الإشارة إلى أن احتجاجاتهم وكتاباتهم المتعددة في الموضوع أيام الحوار الوطني المذكور لم تؤخذ بعين الاعتبار ، والدليل على هذا أن مسودة مشروع قانون مهنة التوثيق العدلي المعدة – في عهد الوزيرين السيدين المصطفى الرميد ومحمد أوجار ، وهي موجودة الآن عند السيد رئيس الهيئة الوطنية للعدول الحالي – أواخر سنة 2017 نصت على تسمية مهنة التوثيق العدلي؛ ومنح السادة العدول الاحتفاظ بأموال المتعاقدين وودائعهم، وعلى إعطاء الرسمية للوثيقة العدلية قبل الخطاب، وعلى إمكانية التلقي الفردي وعلى تقليص عدد شهود اللفيف من 12 إلى 5 شهود؛ كما نصت على الاستجابة لمطالب أخرى كان المجلس الوطني للموثقين يعارضها معارضة شديدة، وكانت هذه المسودة جاهزة بمذكرتها التفسيرية وقاب قوسين أن توجه إلى الأمانة العامة للحكومة لتأخذ طريقها إلى التشريع عبر قنواته المعلومة، لكنها مع الأسف تم وقفها لأسباب أهمها أسباب ذاتية بعد انتخاب ممثلي الهيئة الوطنية للعدول برئيس جديد والذين طالبوا بإعادة النظر في المسودة وإدخال تغييرات جديدة فتأخرت وتأخرت ولم يكتب لها النجاح؛ وبالتالي فإن السيد وزير العدل الحالي ليس هو من خول السادة العدول الاحتفاظ بأموال المتعاقدين والودائع كما تعتقد هذه البيانات، وإنما الذي خولهم هذا الحق هو ما صدر عن هذا الحوار من توصيات، اعتبارا لطبيعة عمل السادة العدول التاريخي والحالي، شأنهم في ذلك شأن باقي المهن القانونية والقضائية الأخرى.

أمير المؤمنين حفظه الله يوافق على توصية الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة بوجوب “مراجعة المقتضيات القانونية المتعلقة بودائع المتعاملين مع المهن القضائية والقانونية، في اتجاه حمايتها وتحصينها “

– وإذن فليس السيد وزير العدل الحالي هو الذي منح هذا الحق أو الواجب للسادة العدول، وإنما منحها لهم أيضا وزراء العدل السابقين، وذلك تنزيلا وتطبيقا لما نصت عليه التوصية رقم 52 الصادرة عن الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة بخصوص “مراجعة المقتضيات القانونية المتعلقة بودائع المتعاملين مع المهن القضائية والقانونية، في اتجاه حمايتها وتحصينها”، وقد اطلع ووافق أمير المؤمنين حفظه الله على هذه التوصية مع باقي التوصيات الأخرى، ولذلك فقد تم منح اختصاص الاحتفاظ بأموال المتعاملين وودائعهم أيضا إلى مهن قانونية وقضائية أخرى؛ مثل مهنة المفوضين القضائيين، ولو كان الأمر كما تعتقد هذه البيانات الاستنكارية لما صدرت هذه التوصية المذكورة عن الهيئة العليا التي جمعت في عضويتها النخبة العلمية والقانونية والقضائية وغيرها، ولما وافق عليها أمير المؤمنين حفظه الله.

والغريب في الأمر أن السادة الموثقين لم يحتجوا على إسناد الإيداع للمهن الأخرى ولم يحركوا ساكنا في شأنها، ولكنهم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها حينما سمعوا بإسنادها إلى إخوانهم وزملائهم في التوثيق الرسمي، وانساقوا وراء مقولة “خووك في الحرفة عدووك”؛ مع العلم أن كل المهنيين الآخرين نظموا وقفات احتجاجية ضد مشروع قانون المالية 2023، ( محامون، أطباء، مهندسون، محاسبون،… إلخ)، باستثناء السادة الموثقين فيحتجون فقط ويناضلون وينازعون في إسناد أمر وافق عليه أمير المؤمنين حفظه الله، وتم منحه إلى كل المهن القانونية والقضائية.

– تتحدث البيانات أيضا عن فكرة “الترامي” على هذا “الاختصاص”؛ بالله عليكم أيها المشرعون وأيها المغاربة الكرام من الذي ترامى على اختصاص الآخر، ومن الذي استولى على مهنة الآخر برمتها، وليس فقط على اختصاص من اختصاصاتها؟ السادة العدول أم السادة الموثقون؟، هل الذي وجد في المغرب منذ مجيء مولاي ادريس الأكبر للمغرب؟، أم الذي وجد سنة 2009 تاريخ صدور قانون التوثيق المغربي المشار إليه أعلاه؟، لأن الذي كان قبل هذا القانون هو قانون فانطوز الفرنسي وكان يشترط في المترشح للممارسة أن يكون فرنسيا، أجيبوا أيها المشرعون وأيها المغاربة عن هذا السؤال، فإن زملاءنا في التوثيق الرسمي فقدوا صوابهم.

والسادة العدول لم يشتكوا يوما أو احتجوا على ترامي الموثقين على هيكلة الهيئة الوطنية ومجالسها الجهوية وقانونهم رقم 16.03 الذي اعتمدت جل أحكامه ومقتضياته في قانون 32.09 المشار إليه أعلاه(coupé-collé)، حيث إن السادة العدول هم من وضعوا مسودته الأولى وصادقوا عليها في مؤتمرهم السادس عشر بقاعة المؤتمرات مرشان بطنجة سنة 1998، قبل أن يرفعوها إلى وزارة العدل في نفس السنة.

ثانيا – التطرق إلى الجواب عن الأسئلة المطروحة من خلال بيان عنوان المقال:

ونعود إلى تحليل عنوان المقال والجواب عن بعض الإشكالات المطروحة من خلال الواقع العملي؛ حيث إنني قلت في العنوان الاحتفاظ بأموال المتعاقدين بين مهنيي التوثيق؛ فهل معنى هذا أن السادة العدول يحتفظون في الواقع العملي بأموال المتعاقدين؟ والجواب نعم بطبيعة الحال، إنهم يقبضون أموالا من المتعاقدين ويحتفظون بها من أجل القيام – نيابة عنهم – بالتسجيل والتحفيظ وأداء الواجبات الضريبية الأخرى وغيرها؛ والسند القانوني لهذا القبض والاحتفاظ هو صريح المادة 17 من القانون رقم 16.03 المتعلق بمهنة التوثيق العدلي، والعدل المكلف بمقتضى التصريح الموقع عليه من طرف المتعاقدين يصبح وكيلا عنهم في خصوص العقد المتلقى منهم؛ ومعلوم أنه من حق الوكيل أن يقبض من موكليه الأموال والودائع التي يستعين بها على تنفيذ ما وكل فيه، ويخضع في ذلك لأحكام ومقتضيات قانون الالتزامات والعقود المتعلقة بعقد الوكالة، وله بعد ذلك أن يودع هذه الأموال بأي مؤسسة بنكية أو غيرها في انتظار استكمال الإجراءات الضرورية للقيام بما كلف به.

كما أن بعض السادة العدول يقبضون بعض المبالغ المالية ويحتفظون بها بحكم طبيعة عملهم التوثيقي ولو لم تكن مؤطرة بنصوص قانونية، ولأن الضرورة العملية تلجئهم لذلك مهما ابتعدوا وأبوا، وبالتالي فإنهم يحتفظون بأموال المتعاقدين عمليا؛ ولأن يتدخل المشرع وينص على تحصين وحماية هذه الأموال خير من أن تبقى بدون حماية وتحصين، وهذا ما دفع الهيئة العليا للحوار الوطني المومأ إليها أعلاه إلى إصدار التوصية رقم 52 المذكورة، وبدون ذلك ستظل مبالغ مالية مهمة تروج بعيدة عن أنظار صندوق الإيداع والتدبير ولا سيما تلك المتعلقة بالعقار غير المحفظ، كما أن عدد السادة العدول أكثر من ضعف عدد السادة الموثقين، وقد يدخل في ذلك عن قصد أو غير قصد الأموال المشبوهة التي سيتم تبييضها ضدا على القانون المتعلق بمكافحة غسل الأموال.

والغريب في الأمر أن المقتضيات القانونية الضريبية وغيرها، تخاطب السادة العدول والسادة الموثقين بنفس الأحكام والمقتضيات حينما يتعلق الأمر بالواجبات والالتزامات ولا سيما المقتضيات العقابية، لكنها حينما يتعلق الأمر بالحقوق والامتيازات تفضل جهة على أخرى، وهذه مفارقة عجيبة سبق أن أثرناها مع ممثلي وزارة المالية في غير ما مرة لكن دون جدوى.

مع العلم أن القوانين التي شاركنا في إعدادها في وزارة العدل كان ينص فيها دائما على المحرر الرسمي دون تمييز بين العدل والموثق، ومنها مدونة الحقوق العينية، والقانون المتعلق بنظام الملكية المشتركة، والقانون المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار، والقانون المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز، وكان أحد السادة الوزراء الأفاضل في بداية التحاقنا بالوزارة يوصي بضرورة الدخول في مسلسل إصلاحي – للقوانين ذات الصلة بالتوثيق الرسمي – على المدى المتوسط ينتهي بتوحيد التوثيق الرسمي، و دخلت الوزارة بالفعل في هذا المسلسل في عهده وكان هناك رهانان كبيران هما رهان رسمية العقود الذي سيتحقق سنة 2011 بصدور مدونة الحقوق العينية، ثم رهان توحيد التوثيق الرسمي الذي ما زال لم يتحقق.

وهناك توجه آخر سيظهر بعد التغييرات التي ستطرأ على قوانين المهن القانونية والقضائية، والمتعلق بإصدار مدونة أو قانون إطار ينظم كل المهن المذكورة، حيث ستشترك كلها في أحكام ومقتضيات واحدة موحدة، مع إفراد كل مهنة بأحكامها ومقتضياتها الخاصة.

المقتضيات القانونية الضريبية تعطي الحق للسادة العدول بالاحتفاظ بمبالغ مالية لحماية أنفسهم من الوقوع تحت طائلة مسؤولية التضامن مع الملزم بأداء الضرائب

ومن الأمثلة على ذلك المادة 95 من مدونة تحصيل الديون العمومية التي نصت على أنه: “في حالة انتقال ملكية عقار أو تفويته، يتعين على العدول أو الموثقين أو كل شخص آخر يمارس مهام توثيقية، أن يطالبوا بالإدلاء لهم بشهادة مسلمة من مصالح التحصيل تثبت أداء حصص الضرائب والرسوم المثقل بها العقار برسم السنة التي تم فيها انتقال ملكيته أو تفويته وكذا السنوات السابقة، تحت طائلة إلزامهم بأدائها على وجه التضامن مع الملزم”.

ومنها أيضا المادة 171 من القانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية التي تنص على أنه: “في حالة تفويت عقار للغير أو انتقال ملكيته، وجب على العدول والموثقين وعلى كل شخص آخر يمارس مهنة تحرير العقود طلب تقديم شهادة من المصالح المكلف بالتحصيل تثبت أداء مبالغ الرسوم المتعلقة بسنة تفويت أو انتقال الملكية والسنوات السالفة، وإلا أصبحوا مسؤولين على وجه التضامن مع الملزم بأداء الرسوم المستحقة على العقار موضوع التفويت …”.

وبالتالي فإنه ليس من العدل ولا من الإنصاف ولا من المنطق في شيء؛ أن تلزم السادة العدول بأداء حصص الضرائب والرسوم المثقل بها العقار على وجه التضامن مع الملزم بها؟ دون أن تمكنهم من وسائل وآليات الضغط على المتعاقدين ودفعهم إلى أداء ما بذمتهم من ضرائب، وبطبيعة الحال فإن أحسن وسيلة وآلية لذلك؛ هي الاحتفاظ بمبلغ مالي يكون كافيا لأداء ما بذمتهم من التزامات وضرائب لفائدة الدولة وغيرها.

وانطلاقا من مثل هذه المقتضيات الضريبية وتأسيسا عليها، وإخلاء لمسؤوليتي التضامنية مع الملزمين بالضرائب كنت دائما أحتفظ في ممارستي السابقة للمهنة بمبالغ مالية من المتعاقدين وأودعها في حسابي البنكي إلى حين تطهير وتصفية العقار موضوع التفويت أو نقل ملكيته من كل متعلقاته الضريبية وغيرها، ووقوعي في مخالفة قبض الأموال والاحتفاظ بها خير لي من أن أقع في مسؤولية التضامن مع الملزم بالضريبية، ولأن المهم في ذلك كله أن أكون أمينا على هذا المال وأن أخلي مسؤوليتي التضامنية مع الملزمين بالواجبات المالية للدولة ولغيرها.

وأعرف الكثير من السادة العدول الأمناء الأفاضل ينهجون هذا النهج ومنذ أعوام وما وقعت لهم وقائع أو مكروه، لأنهم يوثقون بالعدل ويعطون كل ذي حق حقه؛ ويحرصون كل الحرص على أموال الدولة وغيرها، ويشرفون على تنفيذ التزامات المتعاقدين كما يجب شرعا وقانونا، ويستخلصون حقوقهم وأتعابهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

بل إني أرى أن السادة العدول وتأسيسا على هذه المقتضيات القانونية يحق لهم حاليا الاحتفاظ بأموال للمتعاقدين، في انتظار النص الصريح وفقا للتوصية المذكورة أعلاه، لأنه لا يعقل أن تلزم أحدا بواجب أو بالتزام ثم تمنع عليه وتحرمه من وسيلة تنفيذ ذلك، ولأن مقتضيات التضامن مع الملزمين بالضرائب تعطيهم هذا الحق بطريقة ضمنية وتلقائية، ومن محاسنها أنها لا تلزمهم بإيداع هذه الأموال في صندوق الإيداع والتدبير، وبإمكانهم وضعها في أي مؤسسة مالية أخرى؛ كالخزينة العامة والأبناك والبريد وغيرها، وهي أفضل لهم ، على اعتبار أنها الأقرب لهم وللمتعاقدين وفروعها منتشرة في المدن وبعض القرى المغربية، بخلاف صندوق الإيداع والتدبير، وهذا ما كنت أقوله لمفتشي الضرائب وأطر وزارة المالية في كل مناسبة.

وأكثر من هذا فإن بعض مفتشي وزارة المالية ومن يهمهم أمرها، يعرفون هذا العمل التوثيقي الجاري بين السادة العدول، ومع ذلك لا يحركون ساكنا ما دام أن الأمور تمشي على ما يرام، وحينما يتعلق الأمر بحقوق الدولة ومصالحها لا يترددون في التعامل مع السادة العدول على قدم المساواة مع سائر المهنيين الآخرين، ولذلك تم إسناد اختصاص التسجيل الإلكتروني وما يرتبط به إلى السادة العدول واعتبروا من المهنيين الفاعلين في ذلك، وتمت الإشادة بتفاعلهم الإيجابي من طرف وزارة المالية، وذلك على الرغم من أن المجلس الوطني للموثقين كان يعارض في إسناد هذا الاعتبار للسادة العدول.

كما أن الاستعدادات جارية الآن على قدم وساق في إسناد التحفيظ الإلكتروني وما يتعلق به من إجراءات إلكترونية ورقمية إلى السادة العدول، وأيضا فإن الاستعدادات جارية على إنشاء منصة إلكترونية بوزارة العدل خاصة بالمهن القانونية والقضائية التي ستتيح التعامل الإلكتروني للسادة العدول وباقي المهن القانونية والقضائية الأخرى مع المحاكم وباقي الإدارات ذات الصلة بعملهم، وذلك على الرغم أيضا من معارضة السادة الموثقين الشديدة لهذا الأمر، لأن الحق يدافع عن نفسه والواقع العملي أقوى من كل عناد واحتجاج، ولأن طبيعة مهنة التوثيق العدلي وطبيعة الأمور تقتضي هذا دون تفكير ودون عناء، والشمس لا تغطى بالغربال، ولأن مصالح الدولة والمواطنين فوق كل اعتبار وفوق كل فئوية ضيقة، ويتعين على الجميع -مشرعا وإدارات ومؤسسات -مراعاتها أولا وأخيرا.

مع العلم أن التعامل الإلكتروني والرقمي والحفاظ على مصالح الدولة والأفراد وحمايتها وتحصينها، ستفرض على الجميع إن عاجلا أو آجلا، التعامل مع المهنيين على قدم المساواة وفتح باب المنافسة الحرة بينهم في المنفعة العامة والمحافظة على السلم الاجتماعي وتحقيق الأمن التعاقدي والتوثيقي.

ثالثا – ضرورة إعادة النظر في الطريقة التي يتم بها الاحتفاظ بأموال المتعاقدين وودائعهم

وأختم المقال بما نصت عليه التوصية رقم 52 المشار إليها أعلاه، بخصوص وجوب “مراجعة المقتضيات القانونية المتعلقة بودائع المتعاملين مع المهن القضائية والقانونية، في اتجاه حمايتها وتحصينها”، مما يعني أنه يتعين مراجعة المادة 17 من قانون التوثيق العدلي والمادة 33 من قانون التوثيق والمرسوم التطبيقي له، وذلك حماية وتحصينا لها، لأن الطريقة التي تتم بها تدبير هذه الأموال والودائع لا تضمن حقوق الدولة ولا حقوق المستفيدين منها؛ وإسهاما في هذه المراجعة أتقدم بمقترحات طالما ناديت بها وأنا منتميا للإدارة ودافعت عنها كثيرا، وسأظل أدافع عنها ولو أني الآن منتميا لهيئة العدول ويهمني ما يهمهم، لأن ضمان الحقوق والمصلحة العامة فوق كل مصلحة مهنية أو خاصة، و الواقع العملي وكما يعلم جميع المغاربة أثبت عدم نجاعتها وفعاليتها، إلى درجة أصبحت معها مؤسسة التوثيق الرسمي مهددة، وأضحى الأمن التوثيقي أو التعاقدي محاط بمخاطر شتى، وزعزعت الثقة في مهنيي التوثيق الرسمي، وأصبح المواطنون الذين يريدون إبرام عقد من العقود أو إجراء تصرف من التصرفات يحسبون ألف حساب قبل أن يتوجهوا إلى هذا المهني أو ذاك من أجل توثيق عقودهم وتصرفاتهم، خوفا من وقوعهم في نصب أو اختلاس، بل وقد صار السلم الاجتماعي برمته في خطر، وما زالت الصحافة المغربية تطالعنا من حين لآخر باحتجاجات المواطنين والمتعاقدين ضد من اختلس أموالهم وودائعهم وهربها إلى الخارج، والسبب في ذلك هو أن الدولة مكنت المهنيين من حق التصرف في هذه الأموال والودائع بقيود غير كافية في حماية الحقوق وتحصينها كما يجب، والغريب في الأمر أن الجهات المسؤولة بما فيها الحكومة ومؤسسة البرلمان تقف عاجزة أمام هذه الظاهرة المستفحلة التي اكتوى بنارها كثير من المواطنين، ومنهم أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج.

ومن أجل تنزيل التوصية رقم 52 المذكورة أعلاه تنزيلا محكما، وحماية لهذه الأموال والودائع، أقترح ما يلي:

المقترح الأول:

بعد تعميم منح هذا الحق والواجب على كل المهنيين المشار إليهم أعلاه تفعيلا للتوصية المذكورة، وبعد توصل المهني بأموال المتعاقدين وودائعهم، يجب عليه وضعها فور التوصل بها في صندوق الإيداع والتدبير أو الخزينة العامة أو بريد المغرب أو عموم الأبناك في حسابات مفتوحة باسم المهني والمستفيد بحسب المتاح قانونا، وينص القانون على أنه لا يسحب منها أي مبلغ إلا بواسطة شيك بنكي موقع من طرفهما معا، وعند النزاع بينهما في سحب مبلغ من المبالغ يرفع الأمر إلى رئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضيا للمستعجلات، وبعد أداء كل الرسوم المستحقة لفائدة الدولة وتنفيذ الالتزامات المترتبة عن العقد وتصفية العقار وتطهيره من كل شائبة، وانتهاء إجراءات التسجيل والتحفيظ، تسحب المبالغ المتبقية وتسلم للمستفيدين منها.

المقترح الثاني:

ويمكن أن أقترح مقترحا آخر قد يقلل من المخاطر أو التهديد الذي يحدق بهذه الأموال، وهو أن ينص القانون على أن المهني لا يحتفظ بكل مبالغ المعاملات، وإنما له أن يحتفظ فقط بخمس المبلغ أو ربعه ويعطى الباقي للمستفيد من المبلغ فور توقيعه على العقد لدى المهني، حتى إذا وقع اختلاس أو نصب أو تهريب للخارج لا يقع في المبلغ كله، على قول المثل المغربي الدارج ” اللهم نص خسارة ولا خسارة كاملة”، لأنه لماذا الاحتفاظ بكل المبالغ المالية لدى المهني، مع أن الالتزامات والواجبات المالية المترتبة عن العقار لا تتعدى في الغالب العشر من المبلغ أو الربع في الأقصى، فيقع البيع مثلا لعقار السكن ويوقع البائع العقد ولا يتوصل بشيء من الثمن، ويتم الاحتفاظ بمبلغ الثمن كله ويودع بصندوق الإيداع والتدبير ويبقى البائع ينتظر لأسابيع وشهور وهو قد سلم العقار للمشتري، لكنه لم يقبض ثمنه ويظل تحت رحمة المهني إن شاء أعطاه ماله، وإن شاء أخره وأخره حتى يفاجأ المسكين بكارثة. والأخطر من هذا كله أن هذه الكارثة إذا حلت بالمتعاقدين فسوف لن ينفعهم في حلها أي مؤسسة عمومية أو خصوصية، وقد لا يعوضون في مبالغهم وودائعهم لا من طرف الدولة ولا طرف مؤسسات التأمين ولا صندوق ضمان المهنيين ولا غيره من الصناديق، وسوف لن يبقى أمامهم حينئذ إلا الدعاء والبكاء.

المقترح الثالث:

وأيضا يمكن اقتراح شيء آخر في ذلك، وهو أن تصبح إدارة الضرائب تسلم شهادات بمبلغ الضرائب المترتبة عن العقارات موضوع المعاملات والعقود قبل تلقيها وتحرير ها، أو أن تعد برمجيات إلكترونية تمكن المهنيين من الاطلاع على مبالغ الضرائب المترتبة على هذه العقارات، وبذلك يعلم مسبقا قدر المبالغ المالية بالتحديد أو بالتقريب التي سيتم الاحتفاظ بها لدى المهني المعني لفائدة الدولة وغيرها، حتى إذا وقع التعاقد والتحرير تم خصم هذه المبالغ ويسلم الباقي مباشرة للمستفيد منه ، وكذلك الشأن بالنسبة للمحافظة العقارية والتقييدات والإشكالات التي يكون عليها العقار موضوع المعاملة قبل تحيين وضعيته الضريبية وحالته تجاه الواجبات المالية المستحقة لفائدة المحافظة العقارية.

والعمل بهذا المقترح أو ذاك، يمكن أن نضمن به حقوق الدولة وحقوق المتعاقدين من جهة أولى، كما نحمي به المهنيين أنفسهم، لأن المهني حينما يرى – وفق الطريقة الجاري بها العمل الآن- حسابه وقد اجتمع فيه المئات من الملايين يطمع فيها وتزين له نفسه التصرف فيها واستثمار ها فيقع في المحظور، أو تسول له نفسه بالهروب بها للخارج، فتضيع الدولة في حقوقها كما يضيع المتعاقدون في أموالهم وودائعهم.

وبطبيعة الحال فإن هذا المقترحات سوف لن تنال إعجاب بعض السادة العدول، كما أنها لن تنال إعجاب السادة الموثقين الذين سيتمسكون بمعايير وقواعد الاتحاد الدولي للتوثيق، ولكن الواقع مرير ويتعين حماية أموال الناس وودائعهم، وهي مسؤولية الجميع وعلى رأسهم الدولة والحكومة والبرلمان والمجتمع بكل هيآته المختلفة.

وأخيرا أدعو الجميع كل من مسؤوليته ولا سيما جهات التشريع في وطننا العزيز إلى منطق العدل والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه، دون إقصاء أو تمييز بين هذا المهني أو ذاك، سواء على مستوى المادة 8 من مشروع قانون المالية لسنة 2023، أو على مستوى حق أو واجب الإيداع، أو على غير ذلك من المستويات والاختصاصات.

كما أدعو زملائي في التوثيق الرسمي؛ وزملائي في التوثيق العدلي إلى عدم التدخل في مهنة الآخر، وأنه حينما نختلف نناقش بتعقل وتبصر وبلغة حضارية دون تحقير أو إهانة أو تعنيف لفظي، نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، فنحن جميعا نمارس مهنة واحدة – مع شيء من الاختلاف – شئنا أم أبينا، وهذا قدرنا في هذا الوطن العزيز، على أمل أن نجتمع ونتوحد في مهنة واحدة في الأعوام القادمة بحول الله، وما ذلك على الله بعزيز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • ابراهيم
    منذ سنة واحدة

    مقال كشف عن المستور ، وأظهر كذب النوتير، وخوفه من معرفة المغاربة للحقيقة، هاهي الحقبقة قد ظهرت.

  • قارئ للحدث
    منذ سنة واحدة

    اتضح جليا بما لا يدع مجالا للشك أن العدول لهم كامل الحق في الاحتفاظ بالودائع المالية بمشروع تعديل قانونهم المهني رفعا لكل حرج وضمانا لامن التعاقدي المنشود