وجهة نظر

رئيس الحكومة نذير المتقاعدين

كفى من اللعب بالنار

قالها بكثير من الثقة أمام مجلس المستشارين ولي يقين أنه قوله يستفز الملايين من المواطنين، التوازن المالي لأنظمة التقاعد يتفاقم منذ سنين ومداخيل التقاعد أصبحت أقل من مصاريفه بالملايير كل شهر وهو ما يعني أن الخطر كبير، وقد يعرف المغرب أكبر نكسة اجتماعية في تاريخه. لو كنت موظفا أو مستخدما لرفضت في هذا اليوم أن انخرط في أي نظام تقاعد اختارته الدولة لي دون استشارتي. فلنفترض أن الإفلاس حصل وأن من لا زال يعيش حياته المهنية لا زال يساهم ماليا وأن سنوات العمل لا زالت كثيرة و أن مستقبله أسود غامق أمام نظام يعرف رئيس الحكومة أن ماله الإفلاس لا محالة في زمن لا توجد فيه حكومة تغير الواقع ولكنها تكتفي بالتفرج عليه. ماذا سيحدث آنذاك يا سيد اخنوش وأنت رئيس حزب كما قدر لك أن تكون، وكما كان قبلك صلاح الدين و مصطفى. قيل أنكم حزب التقنوقراط وأن كل الخير سيأتي على أيديكم. سجلتم وصول العديد ممن جاء للقيادة السياسة فرحل و عاش في رغد و لم يحاسبه أحد. و على العكس، اليوم تقول، يا رئيس الحكومة وصاحب الملايير والمقاولات في كثير من القطاعات، أن موظفا أو عاملا سيجد نفسه غدا غارقا في مستنقع الفقر و اليأس. ماذا سنفعل و ماذا ستفعل؟ المؤكد أننا لن نتعايش معا على أرض المغرب.

هؤلاء المغاربة الذين يسمعون كلامك هم ضحية كل من أراد دخول تسيير الشأن العام فدخله واغتنى ورحل أو هرب ولم يحاسب. تقول لمن أدى واجباته المهنية وضرائبه وأقساط ما يتطلبه الإحتياط الإجتماعي من مساهمات في التغطية الصحية والتقاعد، غدا سيكون يوما يعم فيه اليأس ولن يجد المتقاعد والذي كان مهندسا أو معلما أو طبيبا أو مستخدما أو عالما… دون مورد رزق. وسيكون الغليان قد بلغ أشده وسيصبح الانتحار الجماعي نتيجة محتملة بسبب تقاعس الحكومات في أداء ادوارها. المسألة ليست مجرد حسابات ولكن مسألة مسؤوليات. لعقود والدولة هي التي كانت تسير نظام تقاعد موظفي القطاع العام وكانت تعتبر الاقتطاعات من الراتب جزءا من مداخيلها وفي الأخير حدث ما حدث. الدولة هي المسؤول الوحيد عن نتائج سياساتها.

يا سيد أخنوش، يا رجل السياسة وصاحب شعار “أغراس أغراس” قل للمغاربة قول الحق لأن “أغراس” شبه قسم على الإلتزام “بالمعقول”. كم عدد عشرات ملايير الدراهم التي استفاد منها كبار الفلاحين أصحاب الاستغلاليات وكبار أصحاب مراكب الصيد البحري وكبار مستغلي الثروات الطبيعية المعدنية وأصحاب المنتجعات والفنادق السياحية الكبرى وكبار المنعشين العقاريين وكما استفاد ذوي الدخل المحدود والفقراء والذين يعيشون في وضعية هشاشة. يا سيادة رئيس الحكومة، أمثالي من المتقاعدين يقرأون بكثير من الواقعية خطاباتكم ويعرفون حجم المخاطر التي تسبب فيها المسؤولون من حزبكم ومن أحزاب أخرى. منذ أن تم خلق التجمع الوطني للأحرار قبل أكثر من ثلاثين سنة و أنتم في قيادة العمل الحكومي إلى جانب أحزاب تحضر وتغيب لفترة قبل أن تعود بنفس أضعف.

و اليوم يا من رفعوا شعار “الدولة الإجتماعية” اعلموا أن هذا المفهوم لا يستقيم مع غياب الفعل لتحصين أنظمة الإحتياط الإجتماعي. كل هذا في الوقت الذي يسهر فيه ملك البلاد على برنامج التغطية الإجتماعية الذي بلغ فيه الإلتزام المالي 51 مليار درهم. و من الغرابة و اللامسوؤلية أن يتم التعامل فيه بهذا النوع من الخطاب ما يمكن اعتباره خطرا داهما قد تظهر آثاره المدمرة في نهاية 2023. و الأكيد أن المحاسبة ستطالكم حيثما وجدتم لأنكم على علم بكافة التقارير و المعطيات. ولقد اعذر من أنذر.

ستظل قضية التقاعد ضحية ما سمي بالحوار الإجتماعي و الذي لم ينتج عنه شيء يذكر إلا صرف أموال على عشرات الاجتماعات و سفر إلى الخارج للجان فرعية ووطنية دون أية نتيجة تذكر. اتخذت الحكومة تدابير ذات أثر مؤقت سميت بالإصلاح المقياسي و انتظرت أن يفعل القدر فعله في شأن يتطلب فعل المسؤول خلال فترة العدالة و التنمية وشركاءها.

لا يمكن استصغار ضرورة تغيير مقاييس السن و المساهمة وطريقة احتساب مبلغ التقاعد ولكن الأمر ليس بيد النقابات أو بيد جمعيات الموظفين أو المتقاعدين.

الأمر قضية سياسة عمومية تتطلب الفعل و ليسا خطابا لرئيس الحكومة ينذر الناس بيوم لن يجد فيه متقاعد ما ينفقه من أجل سكنه و أكله و دواءه و تنقله و دفع فاتورة الماء و الكهرباء و الإهتمام بأسرته. ذلك اليوم سيكون يوما آخر في واقع آخر تختلط فيه الأوراق و الأولويات و العلاقات و التوازنات. قضية حل توازن أنظمة التقاعد تحتاج إلى رجال دولة و ليس إلى اشباههم. و بما أن ملهم بعض المسؤولين في لدينا هو النظام الفرنسي، فيعلموا أن نظام الضمان الاجتماعي في هذا البلد جزء من المالية العامة للدولة بتوازناتها و لا توازناتها. فلتنظر يا رئيس الحكومة إلى كل ما استفاد منه أغنياء الوطن و المنتفعين من الريع و الهدايا الضريبية و العقارية و غيرها.

لكل هذا وفي إطار ما يتم تنزيله في مجال التغطية الإجتماعية، أصبح من اللازم فتح ملف أنظمة التقاعد بمسؤولية سياسية. ولعلم من لا يعلم فإن كثيرا من الدول تعتمد نظام الثلثين كمساهمة حكومية أو للمشغل في القطاع الخاص و ثلثا كمساهمة للمستخدم أو الموظف. و هذا لا يمنع من التشجيع على الانخراط في أنظمة التقاعد التكميلي خلافا لما جاء في مشروع قانون المالية لسنة 2023 و الذي يكبح الادخار المرتبط بالتقاعد بإجراءات ضريبية ضد كل من أراد الإستفادة، لظرف من الظروف، من ادخاره قبل وصوله للسن القانوني للتقاعد. و إذا حدث ما لا نأمله فسوق المال ستخسر أكثر من 80 مليار درهم و الطلب على السلع و الخدمات سينخفض كثيرا و سيزيد عدد المرضى الذين لا قدرة لهم على أداء تكاليف العلاج و سيصبح جزء من مجتمعينا يقدر بالملايين محتلين للشارع العام و فاعلين في رفض أية وساطة نقابية أو سياسية أو مؤسساتية.

فكفى من اللعب بالنار. هل تريدون أن تقتلعوا كل جذور العرى الوثقى و تعيشون لوحدكم في برجكم إلى أن ترحلوا عن هذه الفانية…ذلك شأنكم. أما الشعب فله ميثاق مع ولي أمره لا معكم لأنكم مجرد عابرين و غير مهتمين بقضاياه و انتظاراته و أماني الأجيال القادمة من أبناء هذا الوطن العريق و المتجدد بالوفاء للقيم لا بالتنكر لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *