منتدى العمق

دروس الدوحة

اختتم المونديال يوم الأحد الماضي بفوز المنتخب الأرجنتيني باللقب العالمي للمرة الثالثة في تاريخه، لتنتهي بذلك رحلة شهر من المتعة الكروية كانت قطر فضاء لها، باعتبارها أول دولة عربية تحتضن هذا الحدث العالمي.

غير أن هذا الحدث، لا يمكن اختصاره في كرة القدم باعتبارها لعبة، بل يتجاوز ذلك إلى ما هو سياسي واقتصادي وثقافي، وهو ما كان علامة بارزة لهذه البطولة، خصوصا في ظل ما سبقها من جدل اعلامي عن أحقية دولة قطر في هذا التنظيم ، وعن الإجراءات المواكبة له.

لقد أبرزت قطر من خلال جودة الملاعب المحتضنة للمباريات، ومستوى البنيات التحتية المتطور أن النجاح يقتضي رؤية واضحة ودقيقة، وتخطيطا على المدى البعيد والمتوسط، وهو ما سمح لدولة صغيرة، غير معروفة في الوسط الكروي أن تنظم أكبر حدث عالمي في كرة القدم.

كما شكل تمسك قطر بثقافتها المحلية أثناء تنظيم هذا الحدث درسا لباقي الدولة الأخرى، فالهوية تعبير عن سيادة الدولة على نفسها، دون رضوخ لأي ضغوط خارجية من شأنها أن تمس بالهوية المحلية بسبب حدث عالمي عابر. قد يقول قائل أن الإمكانيات المالية الضخمة لدولة قطر هي صاحبة الفضل في ذلك، لكن، كم دولة ثرية، وتزخر بموارد طبيعية وبشرية هائلة، تتخلى عن استقلاليتها في اتخاذ القرار، وتنهزم أمام الضغوط الخارجية عند أول امتحان ؟

لم يكن هذا النجاح أيضا وليد اللحظة، بل هو نتيجة طبيعية لما راكمته قطر من نجاحات في مجالات مختلفة، خاصة استثمارها في القوة الناعمة، عبر خلقها لقنوات اعلامية ضخمة ومؤثرة، وكذا احتضانها لأحداث قارية وعالمية خاصة في المجال الرياضي.
وبالحديث عن دروس المونديال، فلا يمكن أن نغفل عن مسار المنتخب الوطني المغربي باحتلاله المرتبة الرابعة، كأول منتخب إفريقي وعربي يحقق هذه المرتبة المتقدمة، هذا الإنجاز الذي كان ثمرة مجهود جماعي بين مكونات الفريق الوطني أكد أن من حق دول العالم الثالث أن تحلم، ليس في كرة القدم فقط، بل في مختلف المجالات، شريطة أن يرافق هذا السقف العالي من الحلم، مجهود واجتهاد، ورؤية متبصرة.

وحتى لا يكون هذا النجاح المغربي في البطولة أشبه بالصدفة، فإن الأمر يقتضي البناء على هذا الإنجاز، وضمان الاستمرارية في نفس المسار، وهو ما يتطلب الشروع في إصلاح للمنظومة الكروية والرياضية في بلادنا، قصد ضمان نجاحات وانجازات في القادم من المناسبات. لقد قدمت لنا قطر والمنتخب المغربي دروسا وعبر كثيرة في هذا المونديال، لعل أبرزها في رأيي أن نقدم لأنفسنا الحق في الحلم.

* محمد الرقيبي، باحث في القانون العام والعلوم السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *