وجهة نظر

إنقاذ الأرض.. رسالة الى اليسار..

“اليوم، وفي مواجهة الأزمة البيئية العالمية، يوجد العالم في حاجة مرة أخرى للشجاعة. شجاعة التفكير بشكل مختلف، شجاعة التخلي عن بعض الأشياء من أجل كسب أخرى أقل مادية، شجاعة السير نحو الآخرين، شجاعة الاعتراف بأخطائنا، شجاعة رفض الظلم في هذا العالم، شجاعة مواجهة المنطق الذي يسير بنا نحو الهاوية”. يان ارتيس برطران، yannarthus-bertrand

لنفهم الفكر البيئي يجب أن نفهم أولا اطروحته المركزية: هناك شيء يمكن أن نسميه الذكاء الكوني لابد لنا من الوعي به و المحافظة عليه لأنه يستحيل تصور حياة فوق الكوكب مع استمرار تدمير هذا الذكاء.. ونحن قادرون على استشعار هذا الذكاء، بملاحظة ذرة و هي تنبت، و شجرة و هي تنمو، و فراشة وهي تطير، أو حوتا كبيرا في المحيط.. من الممكن أن نرى في كل حياة ذكاء افتتاحيا initial، و أسمى suprême، و خلاقا. فبه نحيا.. هذا أمر بديهي.. مثلما يلح العظيم بيير رابحي.

بداية هذه الأسئلة الأولوية.. كيف أن البشرية و على الرغم من الموارد الكافية و التقدمات التقنية العجيبة لم تنجح لحد الساعة في توفير المأكل، و الملبس، و المأوى، أي بعبارة أخرى في توفير الكرامة للجميع؟ كيف أن نصف البشرية، الذي هو النساء، لازال يخضع للقبضة الذكورية؟ للمنطق العبثي للرجال؟ كيف منحنا لأنفسنا حق تدمير العالم الحيواني، الذي اختزلناه في كتل بروتينية للافتراس؟ كيف لم نعي لحد الساعة بالقيمة الخطيرة لكوكبنا الصغير، تلك الواحة الوحيدة في قلب صحاري كونية بلا حدود؟ كيف لم نعي باستعجال وقف النهب و التلويث و التخريب و الحرب و باستعجال بناء السلم بين الشعوب؟

لقد فشلنا.. اننا نغرق في قلب ظلام هائل بالرغم من تقدماتنا الباهرة.. اننا نعيش في قلب خلط/سوء فهم كبير جدا: خلط بين كفاياتنا التي نتقدم فيها ايجابا و سلبا، و الذكاء المفروض فيه انارتنا ومساعدتنا على بناء عالم مختلف..

ثم هناك السؤال الاخر، الأهم ربما: هل لدى البشرية حقا الرغبة في توجيه مصيرها نحو الانسنة الضرورية، أي نحو بناء عالم افضل لتفادي الكارثة؟ هذا السؤال يطرح على كل منا.. وخارج التدابير التي على الدول اتخاذها، و التي يجب أن نناضل من أجلها، على كل منا أن يناضل من أجل الأرض داخل دائرته الخاصة، الحميمية، مثلما تشير علينا الخرافة الامرنديةamérindienne الجميلة، خرافة طائر الكولبري..

يحكى أنه في غابة جميلة كانت تعيش حيوانات رائعة.. كان كل شيء يسير عاديا جدا حتى ذلك اليوم المشؤوم الذي اندلع فيه حريق مهول بدأ يأتي على الأخضر و اليابس.. فطنت الحيوانات بسرعة إلى هول الكارثة و فرت من الغابة إلا حيوان واحد.. كان الحيوان الذي رفض ترك المكان هو طائر الكولبريle colibris، و هو طائر صغير جدا و لطيف جدا.. كان بإمكان الحيوانات وهي “خارج” دائرة الخطر أن ترى ما كان يفعله الكولبري و هو في عين المكان: لقد كان يطير بكل السرعة المعروفة عليه نحو واد صغير ليحمل نطف ماء ليلقي بها في قلب النار.. كان الكولبري يعيد الكرة مرات ومرات.. و بأناقة شديدة.. و هو في قلب العملية، خاطبه تمساح من بعيد: عزيزي الكولبري، هل تعتقد أنك بهذه الكمية التافهة من الماء التي تغامر بنفسك في سبيل نقلها إلى فوهة النار يمكنك أن توقف أي شيء؟ رد الكولبري: اعرف انه ربما لايمكن إيقاف زحف النار، لكني أقوم بجزئي من المسؤولية..je fais ma part..

اننا نعيش تحولات غير مسبوقة مصحوبة بأخطار كبرى، حقيقية.. اخطار متوقعة و أخرى غير متوقعة.. هناك انهاك خطير للموارد الاحفورية.. وهذا يهدد مباشرة استمرار الطبيعة و البيئة.. واذا اكد هذا الوضع شيئا فهو فشل النموذج الصناعي بل الحضاري العام المتبع منذ قرنين، أي منذ اطلاق التصنيع.. ان النموذج العام، الرسمي، نموذج النمو، المبنى على التقنية و الطاقة الاحفورية و العلوم، و الذي كان من المفروض فيه توفير الرفاهية للكل، انتهى الى أمور خطيرة..انه لم يخدم الا فئة قليلة خالقا فوارق رهيبة بين شعوب الأرض أولا و بين أفراد الامة الواحدة ثانيا.. ان النزعة البيئية، كرؤية تريد تجاوز أعطاب الحضارة الحالية، تختلف عن النسق القائم على الجري وراء المصالح القصيرة الأمد، مصالح الربح و المراكمة، انها تتوجه/تدافع عن اهداف بعيدة، يتعلق الامر بوضع الانسان و الطبيعة في قلب الانشغالات السياسية.. اننا ننسى أن الموارد محدودة.. ونستمر في الانهاك و في خلق اللامساواة و في خلق التذمر و الصراع.. نحن ننسى أننا مسجونون داخل كوكب لا حل لنا للبقاء فيه الا حل الاخوة و الاقتسام..

لقد اخترنا، على عكس هذه المبادئ البديهية، حل الانقسام، العداوة: فرد ضد فرد، دولة ضد دولة، دين ضد دين.. ان العولمة كما نعيشها هي النقيض المطلق للنزعة العالمية mondialisme كما يجب أن نرغب فيها، تلك اليوطوبيا السخية التي لم ننجح لحد الساعة في بنائها..

ان الاقتصاد، و تحت ذريعة توفير الثروات، تحول الى أداة خطيرة للاستحواذ يحركه من الخلف جشع و جوع نفسي خطير.. ان الاقتصاد اصبح أكبر أداة لخلق الفوارق الرهيبة: فهناك بشر علويونhaute gamme يستحوذون على كل الأشياء الإيجابية، و هناك بشر سفليون basse gamme تركت لهم كل الأشياء السلبية.. لم تفهم البشرية بعد ان الاقتسام/الاخوة أفضل لها بكثير من الجشع و التطاحن و التنافسية و القمع..

اننا نعيش في قلب نظام هرمي، هرمية التملك، و السلطة، و القمع.. و القمع في مجتمعات الاستحواذ المعمم مبني على قدرة كل واحد على خدمة أيديولوجيا الإنتاج اللانهائي، على الاستجابة لضروريات أكثر فأكثر تفاهة، ضروريات/تفاهات ايديولوجيا الانتاج اللانهائي هي التي تخلقها و تبررها و تنشرها على نطاقات واسعة.. القمع، في التصور الجديد، هو أساسا خلق ل”حاجات” استنادا فقط الى الأسس السلعية من أجل ربح لانهائي، القمع هو عندما يتم الرمي بالمجتمع في مناخات مصطنعة من الحاجة و الفقر في قلب ثراء/بذخ فاحش..

عندما ننسى ان الأرض هي الضامنة الوحيدة لوجودنا و بقائنا فإننا نقوم بنسف كل جهودنا و كل تقدماتنا التقنية التي تصبح بلا معنى، بلا مستقبل..

ان نموذج التقدم هو نموذج متناقض.. فهو يحقق التقدم لكن بتدمير الأرض.. لقد بينت منظمة حماية البيئية الجديرة و الجدية المعروفة ب WWF امرا مهما سمته “البصمة البيئية”: اذا قام كل انسان بالعيش وفق نمط الفرنسي المتوسط فسوف نحتاج الى كوكبين إضافيين، ووفق نمط الأمريكي المتوسط فسنحتاج الى سبعة كواكب.. لقد وصل نموذجنا الانتاجوي/الاستهلاكوي الى مداه.. اما الالحاح في تعميم هذا النموذج مع مايسمى وهم النمو فهو يقود البشرية الى كاووس اقتصادي و اجتماعي و بيئي.. لابد لنا اذن من تغيير الوجهة..

ما هو البديل؟ البدائل؟ هذا السؤال.. هذا هو سؤال الأسئلة..

ان أول شيء يجب فعله هو الوعي بأن لاشيء يجب أن يعلو علىا لطبيعة لانها الضامنة الوحيدة لاستدامتنا.. بلا طبيعة لايمكن لاي مشروع أن ينجح.. اننا نفعل في تجاهل تام للطبيعة بل في تضاد غريب معها.. لقد منحت الأيديولوجيا التقنية/العلمية/السلعية للمال مكانة مركزية وسلطة مطلقة على العالم.. اصبح الربح هو انشغالنا.. اما الاقتصاد فسيكون امرا جيدا ان منحناه مهمة الاضطلاع بتنظيم العلاقات و التوزيع العادل للثروات.. للأسف أصبح الاقتصاد عنوانا للشجع و السطو و النهب و لهذه الرغبة في “الأكثر دوما” le toujours plus الذي يحرض عليه و يغذيه الاشهار – وبعنف.. ان وظيفة الاشهار، في عصر العولمة الرأسمالية الانتاجوية الاستهلاكوية المتطرفة هي التحريض على الاستهلاك، هي خلق احساس دائم بالنقص و الاحباط قبل طرح الحل: الاشباع عبر الاستهلاك، الاستهلاكدوما اكثر..الحاجات محدودة فيما الرغبات لامحدودة.. ان ما هو غير ضروري superflu اصبح هو ما يشكل اصل الاستهلاك المتطرف الذي يخرب كوكبنا ويمنع حاجاتنا الأولية من أن تتحقق بشكل منصف..

من المستعجل اذن وضع الانسان و الطبيعة و التوازنات البيئية في قلب الانشغالات ووضع الاقتصاد في خدمتهما.. ان الاستمرار في الجري وراء الربح اللانهائي و النمو اللانهائي هو الانتحار عينه.. يجب المرور نحو يوطوبيا، التي لن تكون مرادفا للهذيان، يوطوبيا تتجاوز الخوف و الجهل، نحو تجريب ممكنات غير مسبوقة، يتعلق الامر بمنطق المخاطرة، كتعبير أقصى عن الحرية..
يجب رد الاعتبار للنساء بوضعهن في قلب سيرورة التغيير لوقف قمع طال اكثر من اللازم، قمع خطير بقدر ما هو مرسخ بقوة داخل وبفعل التقاليد و البداهات..

يجب تربية الأطفال لا على المنافسة التيتقلقهم ( بالمعنى الاكلينيكي/المرضي العميق les angoisse) ولكن على التضامن الذي يوطد العلاقات بينهم، يهذبهم، يهدئهم، يعيد وصلهم الى الطبيعة، حتى يتمكنوا من الانفتاح على جمالها للانهائي، على عطائها، على ألغازها، دعم قدراتهم الإبداعية، سواء كانت عملية أو مجردة، و بالأخص القدرة على استعمال اليدين، العضو الأساسي لتطورنا.. لنطور لدى الأطفال حس الحرية و الاستقلالية..

يجب إعادة توطين territorialiser الأنشطة الاقتصادية، أن ننتج و نستهلك بعين المكان من خلال وضع بنيات فلاحية على قدر الامكانات البشرية تكون قادرة على أن تنتج مواد ذات جودة غذائية عالية ووفقا للمبادئ الايكولوجية القائمة على الحفاظ على الخيرات المشتركة الضرورية للبقاء التي هي الأرض و الماء و التنوع الحيواني و النباتي..

ان انتاجا/استهلاكا محليا سيجعلنا نتفادى التنقلات المستمرة للمنتوجات الفلاحية و الغذائية على مسافات طويلة جدا مع كل التكلفة المعروفة: حرق الموارد الاحفورية، تلويث أكثر، تفقير و اقصاء الفلاحين الصغار، هذا فضلا عن الاثار على المنتوجات المنقولة التي تفقد كثيرا من جودتها و هويتها الغذائية..

يجب، و في اطار السعي نحو هذا الاقتصاد البديل، اقتصاد الإنتاج/الاستهلاك المحلي Microéconomie ، التوجه أيضا نحو المهن التقليدية لحل المشكلات المحلية.. يجب التوجه كذلك نحو التجارة الصغرى.. ان هذا في اعتقادي هو الخيار الوحيد القادر على جعل كل مواطن/مواطنة فاعلا بشكل حيوي في السيرورة الاقتصادية.. ان العودة نحو التمركز على الأنشطة المحلية ( الفلاحية/الصناعية/التجارية….) لايعنى قطع الصلة مع الخارج.. لا.. هناك أشياء لابد من تبادلها.. ان ما يجب فهمه هنا أن التمركزات المحلية ستجعلنا نتفادى الانتاجات الحمقاء لصاحبتها الصناعات المتعملقة التي لامعنى لها.. ان الصناعة/الفلاحة/التجارة المحلية ستفتح فضلا عن ذلك مجالا واسعا امام التكنولوجيات البديلة لطرح اقتراحاتها و اختراعاتها أخذا بعين الاعتبار العوامل الطاقية و الايكولوجية.. انتم تعلمون أن المجتمع المدني يزخر باقتراحات ملموسة وقابلة للتنفيذ..

ان هذه الرؤية هي وحدها، في نظر مجمل البيئيين، القادرة على تجاوز المنطق الاجتماعي القائم على الاقتتال حول المنافع/المواقع، و على تجاوز منطق الاطفائي، منطق التدخل لإخماد الحرائق عبر التدابير الاجتماعية الانقاذية – و غير الفعالة في مجملها..
نحن مدعوون أيضا الى ثورة أخرى، ثورة على مستوى الوعي..والوعي ليس هو فقط ان نمارس حياتنا بوعي بيئي، بأن ناكل الاكل البيولوجي، وندور نفاياتنا، و نتدفأ بالطاقة الشمسية…لا… الامر أكبر من هذا.. يجب أن يحمل هذه الممارسات وعي أخر، وعي بأننا فوق هذه الأرض لا للاقتتال بيننا، ولكن لاقتسام فرحة العيش معا..يجب اذن توجيه كل تقدماتنا التقنية و العلمية لخدمة هذا الهدف..
يتعلق الامر بمشروع ضخم جدا، مشروع مصالحة التاريخ البشري مع السيرورة الطبيعية التي هو منخرط فيها.. لا أحد يمكنه اليوم أن ينكر أن هذين الواقعين يوجدان منفصلين بل متعارضين بشدة فيما بينهما..ما يجب فهمه هو أن الطبيعة و رغم كل التدميرات التي نمارسها يوميا في حقها تبقى قادرة على معالجة جراحها و الاستمرار في الرحلة التي بدأتها منذ ملايير السنوات.. ان ما يقلق هو الانسان.. فعلى العكس من الارض، عندما يخرب الانسان محيطه فانه يعرض نفسه لكل الاضرار، بل قد يعرض نفسه للاختفاء، للمحو.. ليس صحيحا اننا نتحكم في الطبيعة، ومادام هذا الاعتقاد قائما فإننا سنبقى تحت قبضة وهم هو من أخطر الاوهام.. ان الدليل على ان الطبيعة تبقى سيدة اللعبة،انها تطبق علينا قواعدها الصارمة التي تخصصها لكل نسق عضوي حي، و التي هي قوانين الحياة و التمدد و الانهيار و الموت.. أن نكون أغنياء أو أقوياءلايغير من الامر شيئا..ان العالم المكروبي و الفيروسي، حتى لا نتحدث الا عن هذا المظهر “التافه” من واقع شديد التعقيد، يمكنه أن يخلق لنا مفاجئات كبرى و يفشل كل انجازاتنا..

تتعاظم التدميرات ومعها الجهل بما يقع..مثالان.. أولا القطيعة التي تكبر يوما عن يوم بين المدينة و الطبيعة..المدن تتمدد في تجاهل تام للأرض، للتنوع الطبيعي، للهواء، للماء، للتراب.. علما أن الأرض/التنوع الطبيعي هما ما يضمن بقائنا.. ثانيا الاعلام منتلفزة و سينما و مسرح.. عندما نلقي نظرة خاطفة و لكن عميقة على الاعلام يتبين لنا أن الأخير المفروض فيه ان يكون نافذتنا على العالم يفعل كل شيء لينسينا استغراقنا في العالم الاصطناعي، الافتراضي، المخدرanesthésiant .. باختصار ان العالم الحضري يبقى جاهلا بالواقع الحي..

ان الزراعة الصناعية هي واحدة من الجرائم الكبرى في حق الأرض، و بالتالي في حق أنفسنا.. فهي تدمر الارض، و تفكك الأنساق/التوازنات الحية، و تسمم التنوع الحيواني و النباتي، وتهمش/تقصي الفلاحين الصغار، وتصحر الفضاء القروي عندما تحوله الى براري شاسعة من الذرة و القمح و نوار الشمس، وتتج اقصى ما يمكن من البروتينات في اسرع وقت ممكن و في أضيق حيز ممكن.. اما استهلاكها الطاقي ( 12 وحدة طاقيةjoules قابلة للاحتراق من أجل كالوري غذائي واحد)، فيجعلها مكلفة جدا..يجب أن نحرق ثلاثة أطنان من البترول لنحصل على طن واحد من البذور.. اما في مجال انتاج البقر، فيجب أن نعلم أنه يجب منح عشرة بروتينات نباتية لإنتاجبروتينة حيوانية واحدة، أي عشرة كيلوغرامات من القمح لبقرة لانتاج كيلو واحد من اللحم.. بقرة واحدة يمكنها اطعام 150 شخص، اما كمية الغذاء الممنوح لبقرة واحدة فيمكنها اطعام 15000 شخص.. يتوجب أيضا 400 لتر من الماء لإنتاج كيلو واحد من الذرة.. ان نصف التراب الفرنسي مثلا مخصص لتغذية الحيوانات..

مع الزراعات الصناعية نعيش انهيارا واضحا في جودة المنتوجات الغذائية.. و المسؤول هو هذا الهوس الانتاجويobsession productiviste الذي يؤدي الى تدمير الغذاء، أو بشكل أدق تدمير أفضل ما يتضمنه الغذاء.. ان الاستعمال المكثف للمبيدات و اللجوء المتعاظم للتعديل الجيني من التقنيات التي تنسف تماما جودة المنتوجات الغذائية.. لقد بين كتاب “خصوبة الأرض”La fécondité de la terre للعظيمارنفردبفيفرehrenfriedpfeiffer أشياء شديدة الأهمية.. لقد بين أن هناك طريقة أخرى لزراعة الأرض، للرفع من خصوبتها، للخروج من الحلقة الجهنمية، حلقة التسميم المنظم.. يتعلق الامر بمصالحة الحاجة الى الحصول على الغذاء و الحفاظ على الحياة.. الدرس: من الممكن انتاج و بالتقنية الايكولوجية غذاء كافيا و بجودة عالية وصحية للبشر و للأرض..

ان الزارعة البيئية، ذلك النقيض المطلق للزراعة الكيمائية، هي البديل.. تقوم الزراعة البيئية على مبادئ احترام قواعد الحياة.. و الزراعة البيئية لايجب خلطها بالزراعة القروية التقليدية، التي لايمكن الا ان نكن لها الاحترام و التي عرفت كيف تحافظ على خصوبةالأرض بفضل اسهام المادة العضوية ( الروث) المتوفرة بكثرة في الحقول حيث تعيش الحيوانات بكثرة.. الزراعة الايكولوجية استفادت و لازالت تستفيد من المعارف العلمية و الفلاحية الحديثة في البيدولوجيا (علم ولادة و نمو الأرض) و الميكروبيولوجيا و الطاقة.. وعلى العكس من الزراعة الكيميائية تستند الزراعة الايكولوجية على مبدأ يحدد كل فرادتها، مبدأ أن الأرض هي جهاز عضوي بشكل كامل لا “مادة” محايدة موجهة لتلقي البذور المصنعة de synthèse .. ان هذا الكائن/الجهاز الحي الهائل، بنظامه الخاص، هو الأرض التي تعيش فوقها و تتفاعل الأجهزة العضوية المكروسكوبية كالفطريات، و الخمائر، و الحشرات، وديدان الأرض.. يخلق التفاعل بين هذه الأجهزة مواد نبيلة/فاضلة يمكن للنبتة ان تستفيد منها.. ستنمو النبتة في الهواء و ستتلقى الطاقة الشمسية و طاقات أخرى أكثر رقة..ستقوم النبتة لاحقا بتوجيه ما تلقته نحو معدتنا.. ماذا يعني هذا؟؟ انه يعني اننا مدمجون داخل نظام حيث التراب والنبات و الحيوان مترابطون فيما بينهم و موصولون الى عناصر أخرى هي الماء و الهواء و الحرارة و الضوء.. هذا هو النظام الحيوي الذي نحن مدمجون فيه.. ان الخروج عن هذا النظام يحكم علينا بالاختفاء.. و هذا بالضبط ما نقوم به..

لماذا الأغلبية الساحقة للبشر فوق الأرض لامبالون نحو المصير الجماعي؟ لماذا السياسيون، المفروض فيه قيادة القاطرة و اتخاذ القرارات الحاسمة، ينتهون في كل قمم البيئة المنظمة الى حد الساعة الى قرارات تافهة يبقى أغلبها حبرا على ورق؟؟ لماذا هذا النفاق؟ هل ب 0,28 من ميزانيتها العامة تستطيع فرنسا فعل شيء مهم لبيئتها؟ هل بزيرو درهم يمكن للمغرب أن يواجه التحديات البيئية التاريخية التي تكبر كل يوم في وجهه؟ كل يوم نرتكب فيه جرائم خطيرة في حق امنا الأرض.. ان اصل الشر هو تلك الايديولوجيا الشرهة boulimique التي تنهك الموارد و تخلق اللامساواة و الألام و التراجيديات الاجتماعية.. يقال لنا ان الوعي يتكاثر كل يوم.. و أن ناسا كثيرين بدأوا يفهمون ما يجري.. ان الوقت ليس وقت وعي.. الوقت هو لتغيير القواعد، و اتخاذ القرارات، و تنفيذ أفعال عليها أن تكون نزيهة و محددة.. ان الوقت هو للدفاع عن الحياة لا عن الموت.. الا نستحي من كوننا نتوفر على ما يكفي لتدمير 300 كوكب من حجم الأرض و لانتوفر على دراهم معدودة لانتاج ما نحافظ به على الكوكب؟؟؟

لم لا نوجه الأموال أو القروض نحو برامج تروم بناء عالم البساطة و احترام الحي و السلم؟

يعتقد البيئيون – البيئيون الشرفاء- أن الوقت لازال امامنا لإيقاف البشاعة.. لا يتعلق الامر بأن نكون متفائلين أو متشائمين.. يجب الأخذ بعين الاعتبار كلتا الفرضيتين دون حسم مسبق تام.. لكن ما هو واضح انه اذا ما استمرينا في خرق قوانين الحياة فسنتجه حتما الى فوضى قد تقود الى اختفاء النوع البشري كلية من على وجه الأرض..

تبقى الفرضية المتفائلة..ان التفاؤل رهين بحدوث انتفاضة ضمائر..انتفاضة تمكن من الخروج من حالة الجهل.. من حالة اللامبالاة.. ان انتفاضة وعي حقيقية هي وحدها القادرة على تجميع طاقاتنا وكفاياتنا لخدمة الذكاء الكوني.. الذكاء الذي منح الانسجام للواقع، لذلكم الواقع الذي تنخرط فيه حياتنا..

ان هويتنا الحقيقية، حتى أختم بيير رابحي، ليست هي أن ننتج و نستهلك حتى أخر لحظة في حياتنا، ان هويتنا الحقيقية هي أن نحب، أن نتأمل الحياة و نصونها في جميع أشكالها..

انا من الذين يعتقدون ان مهمة المثقف ان يقول الاشياء كما هي.. العالم في خطر.. نحن جميعا في خطر.. أخطار كبرى و غير مسبوقة تترصد بنا.. من الخطر النووي ( نتوفر على ما يكفي لتفجير 300 كوكب من حجم الارض) الى الخطر البيئي ( لقد وصلت تخريباتنا الى حد أصبح ينذر بدو الكارثة) مرورا بالخطر السياسي ( النهب/الاستنزاف الموارد الكوكبية مع ما يخلف من ضحايا و حاقدين بلا نهاية).. الامور جدية تماما.. ماذا ننتظر لإعلان حالة طوارئ كوكبية؟ لم يتبقى كثير من الوقت.. كل يوم نضيعه في “ادارة” العالم يقربنا من الحائط.. يكبر من حظوظ الارتطام.. لايمكن ان نستمر في غلق عيوننا عن الهاوية الاتية.. عن النيران/السرطانات التي تتقدم.. بهدوء قاتل.. علينا أيضا أن نفهم أمرا مهما: لاوجود لخلاص فردي في عالم يسير الى الهاوية.. اما أن نقاوم جميعا أو نسقط جميعا.. علينا بانتفاضة ضمائر.. انتفاضة يجب أن تكون شمولية.. عنيفة.. التغيير الجذري يمر أولا عبر العقول.. سيتدفق بعدها على العالم..

بالنسبة لي هناك أربعة أمور كبرى يجب أن تشغل اليسار.. اولا المحور التحرري المتمركز على حرية التفكير/التعبير/الابداع، ثانيا المحور الاشتراكي المتمركز على تحسين المجتمع في اتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية، ثالثا المحور الشيوعي الموجه نحو الاخوة الجماعية، و أخير المحور الايكولوجي الذي يجب أن يعيد ربطنا الى الطبيعة، الى أمنا الارض.. فبلا أرض يستحيل السير في أي “انجاز” أخر..