منتدى العمق

الشباب العربي وتحديات الحداثة

يسهل الحديث عن الشباب من قبل الشباب ،ولا يفهم الوضعية الحقيقية لهاته الفئة إلا هم .فقضاياهم لا تحتاج لمن يتحدث عنها دون أن يكون طرفا فيها. ويزخر العالم العربي بمجموعة من الطاقات الشابة والواعدة التي همشت وتهمش. أما التهميش الأول فقد انفجرت معه ثورات الربيع العربي التي كان الشباب في صدارتها. وأما التهميش الثاني فلا زال يمارس عليهم دونما استفادة من دروس 2011 رغم أنها للأمانة هددت بشكل صريح الاستبداد رغم ما يلفق لها من أنها كانت مدعومة خارجيا وما إلى ذلك من الأقوال التي تندرج في نظرية المؤامرة. من طبيعة الشباب أنه جريء وتزداد جرأته حينما يكون على حق .

و من واجبنا أن نشير إلى أن المظاهرات و الاحتجاجات التي تعم بعض البلدان العربية ينظر إليها بوصفها طلبا اقتصاديا محضا للحكومات من أجل إنصاف الشباب الذين تتجاوز نسبة البطالة بينهم 30% .لكن في طيات صفحات هذه المطالبات صرخة مرسومة بلون قاتم صداها كفى ظلما. و الظلم هنا هو انعدام العدالة الاجتماعية و التوزيع العادل للثروات مما يولد حقدا حتى لدى من يحب وطنه حد الجنون. كيف لنا أن نضحي بمستقبل بلادنا العربية بسبب حقوق بسيطة يمكن لنا أن نوفرها وفي بعض الأحيان تحتاج لتعديل قانوني فقط ، و بلادنا العربية تزخر بمجموعة من الثروات الطاقية و المعدنية و الطبيعية ؟ كيف لنا أن ندير ظهرنا لفئة بوئتنا بشكل كبير مناصبنا ؟

لا يمكننا الحديث عن ثقافة الشاب العربي دون أن نعرف معني الثقافة والحضارة والفرق بينهما. فحسب الكاتب المصري إحسان عبد القدوس ” الثقافة نوع من الإرادة… إرادة التمرد “. أما مواطنه الكاتب يوسف إدريس فيعتبر أن الثقافة هي المعرفة الممزوجة بالكرامة. و بالنظر الى التعريفين السابقين يمكننا أن نعرف الثقافة الشبابية العربية بصفتها ثقافة غير مكتملة لكن بوادر اكتمالها بدأت منذ أن أراد الشباب تغيير وضعيتهم و وضعية محيطهم .لكن لا تنال المطالب بالإرادة فقط ،بل إن المعرفة جزء أساسي من معادلة الثقافة العربي., تلزمنا ثقافة ذات كرامة. إذا كانت الثقافة هي ذلك الخلق المستمر للذات، فالحضارة تتجاوزها بوصفها تغييرا مستمرا للعالم, و منه تلزمنا ثقافة عربية نعيشها نحن الشباب في كل تفاصيل حياتنا حتى تمنحنا بعض الاطمئنان و توهن خوفنا من توهان الهوية و تعطينا الجرأة لمواجهة مد الثقافات الأخرى الذي يندرج ضمن الصراع الحضاري الذي تحدث عنه الكاتب الأمريكي صامويل هنتنجتون في كتابه “صدام الحضارات” ،و ذكره الفيلسوف فوكوياما في كتابه “نهاية التاريخ”.

ما دامت المعرفة أساسية لبناء ثقافة متماسكة ومتجددة ،فهل مستوى التعليم الذي يتلقاه الشباب العربي يرقى لطموحاتهم وللتحديات العالمية ؟ لا يمكننا وصف الأمر إلا بالكارثة .فقد كشفت دراسة أن الدول العربية تنفق مجتمعة ما قيمته 0,4 % من الإنفاق العالمي على البحث العلمي ، أما الكيان الصهيوني الذي لا يتعدى عدد سكانه 8 مليون نسمة فينفق ما قيمته % 0 ,8و1% أي ضعف ما تنفقه البلدان العربية مجتمعة، أما على مستوى التعليم فينفق الكيان نحو 10% من ناتجه الداخلي الخام، بينما المغرب مثلا لا يتجاوز إنفاقه 0,8 %من ناتجه الداخلي الخام ،في حين أن المتوسط العالمي يصل إلى 2% عموما. لكن ما يزيد الطين بلة أن ترجمة الكتب في الوطن العربي تصل لنسبة 20 %من الكتب التي تتم ترجمتها في اليونان فقط. هذا فيما يخص فشل المنظومة التعليمية .

أما فيما يخص مسؤولية الأفراد فمعلوم أن الشباب العربي عامة يرى في الدراسة مصدرا لإشباع حاجياته الخبزية فقط ،و هذا الكلام يؤكده تقرير صادر عن مؤسسة الفكر العربي سنة 2001، حيث أشار إلى أن المواطن العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنويا، بينما يقرأ الأوروبي بمعدل 200 ساعة سنويا، و هذا يوضح الوضعية الثقافية و العلمية الكارثية التي نعيشها و الهوة الثقافية الكبيرة بين غرب يلقي بثقله على الساحة العالمية و عرب متلقين يصفقون و يهللون لإنجازاته.

الأكيد أنها وضعية ثقافية لا نحسد عليها ،لكن وجب تشخيصها بشكل أكثر دقة .وعلى الدول العربية أن تعتبر مرحلة ما بعد الحداثة مرحلة أكون أو لا أكون. وألا تنفتح كل الانفتاح على الغرب فتجهل نفسها ،ولا تنغلق على نفسها فتبقى في حضيضها. ولكن تتخذ بين ذلك سبيلا ،وتستفيد من التجربة اليابانية التي قادتها عائلة توغوكاوا منذ القرن 16، و التي بفضلها وصلت اليابان لمستوى ثقافي و اقتصادي و اجتماعي يجعلها منافسة للثقافة الغربية. و في الأخير يقول الفيلسوف المشهور هايدغر’’ إن العلم لا يفكر ‘’ أي أن العلم بلا فلسفة كالأعمى بدون عصا”. و المعنى في سياقنا أن الثقافة هي التي تبلور مفاهيم المعرفة و تعطي لها مرمى و هدفا… و هذا فعلا ما ينقصنا نحن العرب.