وجهة نظر

جذور الغضب

معظم الحالات التي تسجل إقدام أصحابها على فعل جنوني كالانتحار مثلا (بجميع أنواع الانتحار) لينتهي الغضب بمآسي اجتماعية لا حد لها، تكون ناتجة عن الغضبة الأخيرة كالقطرة التي تفيض الكأس الممتلئة، فالغضب الأول والاستفزاز الأول نادرا ما يدفع صاحبه – في بيئتنا – للإقدام على رد فعل يوازي القتل أو الانتحار أو ما شابه..

وما بات ملفتا ببلدنا في السنوات الأخيرة من ثورات فردية أحيانا وجماعية أحيانا أخرى ضد ظلم أو استفزاز أو شطط هنا أوهناك، ليس إلا امتدادا لذهنية وثقافة باتت سائدة لدى من يعتقد أنه متمكن من موقع قوة ييسر له احتقار الغير والاستعلاء عليهم غير مبال بحقيقة دوره المفترض بالهيئة أو المؤسسة التي ينتمي إليها والمتصل بها بمقتضى تكليف.. !

وهذا مرده في حالات عديدة إلى الجهل بحقيقة ما هو منوط به، وهنا يعود الأمر إلى المسؤول الأعلى الذي فوض له التكفل بما هو ليس أهل له، أو إلى المؤسسة التي لم تراع شروط الكفاءة في إسناد المسؤولية، أو قد يتعلق الأمر بنفسية مريضة بالنرجسية وحب الذات و هذه الحالة قد تكون مرضية حقيقة تستوجب الوعي بها بالضرورة ومن ثم العمل على إحالتها على الاستشفاء أو التداوي وهي موجودة، وقد يكون صاحبها – أو صاحبتها – ذا طبيعة عدوانية بحكم عوامل التربية والنشء.. وهذا موجود أيضا.

إلا أن البارز هو أن الطبيعة الاستبدادية والطبيعة العدوانية موجودتان حقا وتسريان في الإدارة المغربية سريان السرطان في الجسم المريض، ومن ثم فإن الظلم والعدوان والشطط في استعمال النفوذ واقع لا لبس فيه، وهذه أشياء تشكل جذور المشاكل والمصائب الموزعة في كثير من مؤسساتنـا الإدارية الرسمية وشبه الرسمية وهي التي تشكل “سائل القيح” الذي يسبب الألم الشديد، وقد يتسبب في تبعات لا تحمد عقباها إن تم الاستخفاف به.. !

حتى أن بعض المسؤولين السياسيين لدينا لا يترددون في الانبراء بحرصهم على المصلحة الوطنية حينما يتعلق الأمر بالسعي نحو المناصب والمنافع .. بينما نَهَمُهُم في المصلحة الشخصية واضح جلي لا غبار عليه غير آبهين بأنهم وجشعهم يمثلون قنبلة اجتماعية موقوتة.. ! والحقيقة أن المصلحة العليا للوطن تمثل آخر همهم (!)

وبصراحة، هناك من يصر – بكل أسف – على عدم مسايرة المنطق العام السائد بإجماع على درب التطور والتقدم وتحقيق التنمية، والسير في طريق الإصلاحات الشاملة وبخطى ثابتة ومدروسة.

هذه الرداءة “السياسية” هي للأسف بعض ما يشجع أقلاما مأجورة ببعض بلدان الجوار “الشقيقة” لتتطاول على سيادة المغرب ورموزه ومصالحه بوقاحة مفضوحة لسفاهة كتاباتها وسفالة أكاذيبها، خصوصا ما يصدر عن جريدتي “الشروق” و “الفجر” الجزائريتين بهدف تغليط الرأي العام لديهم، لتستغل بعض العيوب الظاهرة وتجعل منها فتيلا تشعل منه فتنة تلبي طموح أسيادها والعقدة الدائمة (…) الملازمة لها !

إن المغرب مقبل على إحياء ذكرى وطنية حية بملفها الذي يجتمع عليه اليمين واليسار والصغير والكبير بلا أدنى خلاف أو أدنى سوء تفسير، كما أنه مقبل على احتضان أكبر تجمع عالمي يهم الإنسانية برمتها بصرف النظر عن موقعها أو لونها أو لغتها أو حضارتها، في انسجام تام مع سياسة التنمية والرقي بالإنسان ومجال الإنسان المنتهجة منذ أكثر من خمسة عشر سنة بالمغرب، وقد أعطت نتائج مشرفة وفي مجالات معينة أعطت نتائج مذهلة حقا، وهذا يغيظ كثيرا أولائك الذين أساؤوا للإنسانية بمختلف أساليب الإرهاب وبصناعة الإرهاب، فتفننوا في الرعب والقتل بلا رحمة ودون أدنى تمييز بين الطفل والشيخ والمريض والبريء ليستفيقوا بعدئذ على الدفاع “فجأة” عن حقوق الإنسان وعن حق الشعوب ( !) في المنتديات وعبر وسائل إعلامهم المتخلفة الموجهة !!!

لكن، للحقيقة ينبغي أن نعترف أن لنا نقائص عدة خصوصا في أساليب التدبير والحكامة على بعض المستويات السياسية، وعلى المستوى الإداري أيضا وعلى وجه الدقة، وهنا تتجلى جذور الأزمة البنيوية في أبعادها الاجتماعية اليومية المختلفة، وينبغي لنا أن ننتفض حقيقة وبالأسلوب اللائق من أجل الإصلاح ومن أجل استبعاد المفسدين عن الاستمرار في الانشغال بجشعهم على حساب الأمن الإداري والاجتماعي…

نعم، لدينا كل الحق للغضب ضد الفساد والظلم وسوء التدبير، لدينا الحق للغضب ضد الجشع والتمييز والاستعلاء المقيت، لدينا الحق للغضب ضد جذور الغضب، لدينـــا الحق في أن نغضب من أجل البناء لا الهدم، من أجل الرقي لا الانحطاط، من أجل السير في طرق التنمية والتقدم لا النظر إلى الوراء أو استدراجنا لذلك، من أجل الوحدة فكرا وإيمانا وعملا لا التفكك أو حتى إعطاء ذلك الانطباع ولو – خطأ – لمن يتربص بنا…

وآمل، شخصيـــأ، أن يكون الأحد والإثنين 6 و 7 نونبر (تشرين الثاني) يومي انطلاق السرعة القصوى في الحكامة الجيدة وفي التدبير الحسن، وفي السير في طريق التنمية الشاملة المتوازية، والبناء المؤسسي الصادق، وتنزيل العدالة الاجتماعية الحقة المنصفة الشاملة.

آمل ذلك..