لنا ذاكرة

طوطو.. مغربي قاوم الاستعمار الفرنسي بـ”اليد السوداء” واستشهد بسجن “العدير”

كان المقاوم الحسن بن أحمد بن محمد، الملقب ب”طوطو، في الواحدة والثلاثين من عمره عندما نفذت في حقه السلطات الاستعمارية الفرنسية عام 1954 حكما بالإعدام  داخل السجن الفلاحي العدير بمدينة الجديدة، فهذا الشاب القادم من منطقة تمنارت بالصويرة سرعان ما ارتمى في درب المقاومة مستجيبا لنداء “الضمير الوطني”.

اليد السوداء

بعدما رحل من الصويرة في اتجاه الدار البيضاء، عمل “طوطو” سائقا لشاحنة في معمل “كوزومار” للسكر، وكان بدون أي تجربة نضالية وبلا انتماء سياسي عندما حصل على مسدس من أحد أصدقائه، وقرر الشروع في مقاومة الاستعمار.

أسس “طوطو” خلية من أشخاص جمعهم حوله، لم يسبق لهم أن دخلوا مضمار النضال من قبل، وأطلقوا على جماعتهم اسم “اليد السوداء”، وهو الإسم ذاته لخلية أسسها فدائيون من حزب الاستقلال.

حددت خلية “طوطو” أهدافها في القضاء على الجواسيس، وهكذا كانت بداية عمله الفدائي، إذ نفذ العديد من الأعمال الفدائية، ففي يوم 27 أكتوبر 1953، أطلق النار على أحد أعوان الإدارة المتسلطين بدرب بوشنتوف، وأرداه قتيلا بعيار ناري.

هذه العملية الفدائية جرّت عواقب وخيمة على”طوطو” والمجموعة، فأحد عمال شركة “كوزيمار” رأى الحادث ووشى بالحسن بن احمد لدى سلطات الاستعمار الفرنسية، بحسب ما ورد في كتاب “شهداء السجن الفلاحي العدير” لبوعبيد التركي.

“الضمير الوطني”

وقع الحسين بن احمد في قيضة سلطات الاستعمار الفرنسي يوم 24 نونبر 1953، واعترف بجميع أعضاء الخلية. خلال أطوار المحاكمة، سأل القاضي الشاب الفدائي ” قائلا “من أعطاك الأمر للقيام بالاغتيالات؟”، فكان جواب “طوطو”: “لسنا في حاجة إلى من يعطينا الأوامر، فالضمير الوطني هو الأمر”.

وبعد مرور خمسة أشهر على اعتقاله، وجد “طوطو” نفسه وراء قضبان السجن الفلاحي العدير بالجديدة، إذ أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة في حقه حكما بالإعدام من أجل تهمة “القتل العمد وتكوين عصابة مخربين وحيازة السلاح والمتفجرات”.

أمعن المستعمر الفرنسي في تعذيب “طوطو” والتنكيل به، خلال الفترة التي قبع فيها في السجن الفلاحي بالجديدة في انتظار تنفيذ حكم الإعدام، وهو ما كشفته رسالته من داخل السجن يوم 19 يناير 1954 إلى المندوب لدى المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الفرنسية.

رسالة السجن

واحتج الحسين بن احمد في رسالته على ظروف الاعتقال، مثيرا الانتباه إلى المعاملة السيئة التي تعرض لها في المعتقل، ففيما يتعلق بالأكل، “تعطى لنا شربة مركبة من الجلبان والقرع والماء ولا تؤكل وكلما طلبنا بتغيير هذا النوع كان الجواب: (انتظروا، سنأتي لكم بالبوفتيك)”.

“إننا لا نطلب منكم البوفتيك لأننا لا نجهل أننا سجناء، غير أننا لا نستطيع بلع ما ذكر، ولا نطالب إلا بما يخصصه القانون للسجناء، وأعتقد أن لنا الحق في الحصول على قطعة لحم في الأسبوع. وهذه القطعة، كلما سلمت لا تؤكل هي كذلك، فرائحتها الكريهة تؤثر على الزنزانة نظرا لكونها طبخت في الماء وحده”، بحسب ما ورد في رسالة “طوطو”.

وأمعن المستعمر أيضا في حرمان “طوطو” ومن معه في المعتقل من النوم ليلا، ف”أثناء الليل، فإننا لا ننام لأن مصابحا قويا يضيء طول الليل الشيء الذي يحول بيننا وبين النوم”، وفق الرسالة التي نشرتها جريدة “السعادة”.

وواصل “طوطو” كشف معاناته بالسجن ووحشية المستعمر قائلا، “فهذه مدة أربعة أشهر وأنا أتألم من صداع الأسنان، وشكوت من ذلك عدة مرات، ولكن لم أجد من يشفق”، مطالبا ب”وضع حد لما ذكر لأنني محكوم بعقوبة الإعدام، وأنتظر ما سيكتبه إلي القدر”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *