لنا ذاكرة

حمان الفطواكي.. من القتال في صفوف الݣلاوي إلى الجيش الإسباني فالمقاومة المسلحة

“إن قتلتم حمان، ففي المغرب حمانات، فماذا ستفعلون معهم؟”، كانت هذه العبارة آخر ما تفوه به المقاوم محمد بن بريك المشهور باسمه الحركي “حمان الفطواكي”، قبيل استشهاده على يد قوات الاستعمار الفرنسي بسجن العدير بالجديدة، وذلك بعدما بصم على سجل حافل بالعمليات الفدائية أرعبت المستعمر، إذ كان من العناصر القليلة المسؤولة عن تنظيم المقاومة السرية بمدينة مراكش.

ولد حمان الفطواكي بتيدلي بقبيلة فطواكة دوار تسوقت بإقليم مراكش حوالي سنة 1902، انخرط مبكرا في صفوف أتباع الباشا التهامي الكلاوي، وشارك وعمره 16 سنة في المعارك التي كانت تدور بين قوات الكلاوي، وقوات قبائل أيت عطا وأيت حديدو، إذ شارك في معركة بولخماس التي انهزمت فيها قوات الكلاوي، بحسب ما أورد بوعبيد التركي في “شهداء السجن الفلاحي العدير”.

لما بلغ الفطواكي 23 سنة قادته الهجرة نحو الجارة الشمالية للمغرب إسبانيا، وهناك انخرط في سلك الجندية الإسبانية وعاش لفترة في إسبانيا، وتدرج في الجيش الإسباني إلى أن بلغ رتبة مرموقة، قبل أن تكتشف المخابرات الإسبانية تعاطفه الكبير مع حركة المقاوم محمد بن عبد الكريم الخطابي، فعاد مضطرا إلى المغرب سنة 1943.

لما عاد الفطواكي إلى أرض الوطن اشتغل مع والده في الفلاحة بمسقط رأسه، قبل أن يلتحق بمدينة مراكش فاشتغل في شركة “موبيل” للغاز ثم في شركة النقل الحضري، ليتفرغ بعد ذلك لتجارة المواد الغذائية والخشب والحبوب، وقد تمكن من امتلاك محلين تجاريين، واحد لبيع الزيتون والخليع والحامض برياض العروس، ومحل ثان لبيع الفحم بنفس المنطقة.

سنة 1947 انخرط الفطواكي في صفوف خلايا حزب الاستقلال، وبعد نفي الملك الراحل محمد الخامس سنة 1953، ترسخت في ذهنه فكرة المقاومة، فتعرف على عدد من أعضاء المنظمة السرية بالدار البيضاء وهم الشهيد محمد الزرقطوني والفقيه محمد البصري ومولاي عبد السلام الجبلي وغيرهم، قبل أن تثمر الاتصالات تأسيس فرع للمنظمة السرية بمراكش التي التحق بها عدد كبير من المقاومين.

الفطواكي، الذي كان مكلفا داخل التنظيم بالبحث عن السلاح واستقطاب أفراد جدد ومراقبة تنفيذ العمليات المخطط لها والتنسيق مع خلايا البيضاء، أنجز عمليات مسلحة ضد رموز الوجود الفرنسي من مفتشي شرطة وأعوانهم وأعوان السلطة خاصة المقدمين، وأقدم أفراد من تنظيمه على استهداف مسؤولين فرنسيين كبار ومهاجمة السلطان الوهمي محمد بن عرفة.

يوم 27 غشت 1954 اعتقلت السلطات الفرنسية حمان الفطواكي، خلال حملة اعتقالات، جاءت بعد سلسلة من الأعمال الفدائية للمنظمة السرية بمراكش تركت صدا مدويا بالمدينة. ووقع الشهيد الفطواكي في قبضة مصالح شعبة مكافحة “الإرهاب” الفرنسية، عندما حاول زيارة والدته بعدما أشيع خبر كاذب عن رقودها على فراش الموت.

خلال استنطاقه تجرع الشهيد الفطواكي حبة سم، لكن الشرطة تمكنت من معالجته إذ أخضعته بسرعة لعملية غسل المعدة. وبعد ذلك أصدرت في حقه المحكمة العسكرية بمراكش حكمين بالإعدام، واحد بتاريخ 6 نونبر 1954، وآخر بتاريخ 3 مارس 1955، بتهم القتل والمشاركة فيه ومحاولة القتل وحيازة أسلحة حربية.

وصف التركي محاكمة الشهيد حمان الفطواكي ورفاقه بواحدة من أبشع المحاكمات، إذ لم يسمح بالدخول لقاعة المحكمة سوى للذين يحملون بطاقة خاصة تسلم لهم من الباشا التهامي الكلاوي، وكل الذين حضروا الجلسة، قاموا بدور الشهود ضد المتهمين. وخلال أطوار المحاكمة، منع المتهمون من الإدلاء بتصريحات.

وقال الفطواكي والجنود يقودونه معصوب العينين إلى تنفيذ الإعدام: لقد قمت بواجبي وتصرفت كما يجب على كل مسلم مؤمن”، وذلك ردا على محاميه “شارل لوكران”، الذي سأله قائلا: “هل عندك ما تقوله؟”. وعندما سيق حمان إلى مكان تنفيذ الإعدام، وبعد تكبيل أطرافه سأله قاض شرعی مغربی كان يوجد ضمن اللجنة المكلفة بالإشراف على تنفيذ الإعدام، قائلا: “أتريد أن توصي بشيء؟”، فسأله الفطواكي: “من أنت؟”، فرد القاضي: “قاضي مغربي”، فعلق الشهيد: “كفى! لقد قضيت على مغربيتك وإيمانك، ما دمت ضمن هؤلاء القتلة!”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • abdella
    منذ سنة واحدة

    الجيش الأمازيغي بقيادة الخطابي حاربه النظام المغربي بالتعاون مع الإسبان وذلك مقابل جلوس الملك على الكرسي- فلا تزيفو التاريخ- الريفيين الأحرار-