8 مارس، مجتمع

منى إدريسي .. شابة استطاعت أن تغري شغف القرويات بتحقيق ذاتها في عالم التعاونيات

“الإنسان، التراب، الوقت”؛ من بين أبرز الشروط الأساسية لتحقيق النهضة الحضارية، وفق مشروع المفكر الجزائري، مالك بن نبي، ويمكن إسقاط هاته التركيبة الثلاثية في إحدى البناءات البشرية التي قامت بها منى إدريسي، بنت جبال أيت سخمان، بعد تأسيسها تعاونية وهي في سن الثامنة عشر، وتحقيق ما سطرته من أهداف مع تجديد مستمر لطموحاتها.

هذا الإسقاط من الحضارة إلى الإنسان، ليس بالشيء المرتجل؛ كون منى إدريسي، انتفضت على موروثات القبيلة واختارت إتمام دراستها ونيل تكاوين علمية في مجال كانت تخطط للاشتغال فيه بشكل مسبق، ومنه بَنت فيها الإنسان الذي فكَّر في البناء والاجتهاد والعطاء.

كما أن إدريسي استحضرت عنصر التراب ثانيا، من خلال اقتناعها باستثمار الأرض التي تنتمي إليها، إيمانا منها أن النجاح الأفضل والمناسب ينطلق من محيط الفرد وأصله بعيدا عن أي تأثيرات خارجية. إضافة إلى أنها وعت وسعت في تحقيق ذاتها في سن مبكرة جدا، مما حقق لها شرط الزمن كعنصر ثالث، في بناء “نهضتها الخاصة”.

من قمم سخمان إلى سهول بني ملال

رأت منى النور بدوار “أوميشا” بأغبالة نايت سخمان، إقليم بني ملال، قبل 23 وعشرون سنة، وسط جبال عملاقة تكسوها الثلوج غالب أوقات السنة وتزينها أشجار التفاح كلما طلَّت شمس الصيف، وتشبعت بصلابة محيطها وشحذت شراسة المناخ وصعوبة البنى التحتية همّتها لتفكر في تجاوز الوضع. لكن ليس بالهروب إلى دفئ المدن والسهول، بل اختارت وعيا وقرارا منها بضرورة العودة والانطلاق من محيطها.

بعد انتهاء مرحلة الابتدائي، قررت عائلتها أن تنقلها رفقة أختها من قِمَم سخمان العالية إلى سهل بني ملال لاستكمال دراستها الإعدادية والثانوية، حيث حصلت على شهادة الباكالوريا بثانوية الحسن الثاني ببني ملال، ثم حصلت على دبلوم في تصنيع المواد الغذائية.

تُقِرّ منى بلغة افتخار وبدون ندم عن قرار عودتها إلى الدوار والاشتغال فيه، وأن العودة من جعلها تختار مسارها العلمي بعد الباكالوريا، تقول منى: لقد حسمت منذ الوهلة الأولى أثناء وجودي داخل جدران الداخلية في مرحلة الإعدادي في العودة إلى مسقط رأسي والاشتغال في تثمين المنتجات المحلية التي تشتهر بها أيت سخمان.

 “أوميشا” أو “تميشا”

فور عودتها، تكشف منى أنها أنشأت تعاونية متخصصة في تثمين التفاح بمنطقة أغبالة، باسم “تِميشا” وهو تأنيث لإسم دوارها “أوميشها”. يحيل معنى هذه الكلمة لنبتة تتواجد بكثرة في مكان بالقرب من جبل باغبالة نايت سخمان، تعتمد عليها ساكنة المنطقة في إشعال النيران. وبهذا قد يصبح لـ”تميشا” لالة أخرى تدل على الشعلة التي جالت وأنارت بها منى منطقها كونها أول تعاونية تؤسس بالمنطقة، ولها شرف أن تكون عنصرا نسويا حرك شغف القرويات والقرويين في الاشتغال في التعاونيات.

لا ترى منى في عودتها إلى الدوار شيئا سلبيا، “على العكس تماما، لقد كنت أفكر فيها بشكل مسبق، وقد شجعني أبي كثيرا على هذه الخطوة، وكان حريصا منذ المرحلة الأولى في سلك الثانوي على أن أقوم أنا وأختي بإنشاء مشروع خاص بنا، ولم يبدي رغبته أبدا في أن يرانا يوما ما في الوظيفة.


عوائق متجاوزة

لم تتحج منى طيلة حديثها مع جريدة “العمق” بمشكل إداري أو تعقيدات مساطر التأسيس، وظلت تتحدث على شغل تفكيرها منكب على تأسيس تعاونية وتحقيق الأهداف التي عادت من أجلها إلى “أوميشا”. وأن التحدي الذي كان يوجهها بين الفينة والأخرى هو عدم إيمان محيطها بقدرتها، كون سنها لم يتجاوز الثامنة عشر، علاوة على جنسها، “لكن إصراري في النجاح كان غالبا في كل الأحايين، وقد كنت ما أقوله”، تقول منى.

تضيف منى، أن ذلك التحدي جعلها ترفع تحديا آخرا، وهو تغيير أفكار وتصورات قبيلتها، وذلك ما حققته انطلاقا من النجاح الذي حققته تعاونيتها، إذ عرفت المنطقة تأسيس العديد من التعاونيات في مجالات متعددة، كما انخرطت نساء المنطقة في هذه التعاونيات، تقول منى: فخر كبير لي أن أكون مثال يقتدى به”.

أهداف محققة وطموحات متجددة

تبعث تعابير عيون بنت جبال أيت سخمان على الرضا والاعتزاز الذاتي لما وصلت إليه دون حاجة إلى البوح، وذلك بعد أن حققت هدف العودة إلى الدوار أولا، وثانيا، إنجاز مشروع خاص تحضنه العائلة بكثير من الحب والافتخار.

“كانت البداية من الصفر”، تقول منى وتضيف: “حققنا الأهداف التي خططت لها قبل سنوات، بدأنا بمنحة مالية والاشتغال في المنزل، واليوم أنشأنا ورشة صناعية بتجهيزات وآلات ومعدات العمل، كما وفرنا سيارة نقل السلع وترويجها”.

تسترسل منى كلامها بالقول: ما يزال الطريق طويل أمامنا ولن نتوقف، نسعى اليوم إلى توفير وحدة صناعية كبيرة تثمن 55 بالمائة من منتوج التفاح الذي يضيع لفلاحي المنطقة، كما نطمح للرفع من فرص الشغل عند نساء المنطقة، اليوم وصلنا لثمانية عشر فرصة شغل في تعاونية “تميشا”، نأمل أن نرفع هذا الرقم مستقبلا.

نوي الخير تلقاه

تنشر منى بين صديقاتها وأصدقائها خطاب الإيجابية، نفس الأمر تتعامل به مع زميلاتها في التعاونية، وكلما أتيحت لها الفرصة للحديث أمام جموع الناس. ومنطلق ذلك وفق كلام المتحدثة “تفائلو خيرا تجدوه، أو كما يقول المغاربة نوي الخير تلقاه”.

تقول منى إنها تحاول في خطابها أن تبرز ما هو إيجابي، وتدافع عن طرحها بالحديث عن تجربتها: “أنا بدأت هذا المشروع من الصفر فعلا، ووجدت نتيجة أفتخر بها بعد العمل الجاد والدؤوب والمستمر، وهذا هو منطلق خطابي الإيجابي، لأنني أقول في قراراتي نفسي، بما أنني حققت أهداف رسمتها، فبإمكان أي إنسان آخر أن يحققها أيضا.. لماذا سأنشر السلبية، ماذا سأستفيد منها، وفي ماذا ستفيد الآخرين؟”.

افتخار بالعطاء والنجاح

تفتخر سيدة “تميشا” بالنتائج التي حققتها في منطقتها، والتي تكشفها التغيرات البنيوية التي عرفها دوار “أوميشا”، معتبرة إياه “تغيرات كبيرة يفرحني لدرجة لا تتصور، فبعد خمس سنوات من العمل، حاليا أصبح الآباء والعائلات يشجعون بناتهم من أجل إنجاز مشاريع، وإتمام دراستهم والحصول على شهادات عليا”.

تتابع منى قولها، أنه قبل هذه المدة كان هناك تحفظ كبير في منطقتها، وصورة سلبية عند بنات المنطقة، إلا أنه اليوم تغيرت كثيرا. قبل أن تتوسل لبنات القرى وأوليائهم وتشدد عليهم بالثلاثة؛ الدراسة، الدراسة، الدراسة،وأهمية إتمام مسارهم الدراسي والحصول على شهادات ودبلومات عالية.

تنهى منى كلامها بتأثر كبير: لقد عشت ظروفا صعبة جدا، من مناخ بارد وثلوج تعيق الحركة لأيام، وبنية تحتية صعبة.. لكنني كنت على يقين تام بأن الدراسة هي من سيخرجني من كل هذه المشاكل. لذلك أطلب من بنات القرى، من منحت لهم فرصة إتمام مسارهم دراستهم، أن يستثمروا ذلك جيدا، لأن هناك الآلاف من الفتيات يحلُمن بهذه الفرص.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *