منتدى العمق

قراءة في رواية ” الموتشو ” حسن أوريد

يعود المفكر والكاتب المغربي حسن أوريد بإصدار جديد رواية “الموتشو”، رواية يمكن اعتبارها سيرورة لسلسلة من الأعمال الأدبية التي تعري واقع العالم العربي قبل وبعد ما سمي ب”الربيع العربي ” وإن انمازت آلية  الكتابة التي اعتادها القارئ العربي في أعمال حسن أوريد  .

إن محاولة الربط بين “الموتشو” وبين “رباط المتنبي” و “عالم بلا معالم ” يعد اكتمالا لنفس الرؤية التي انتهجها  حسن أوريد في نقده الابتستمولوجي للواقع وكذا نقد الوضع الراهن في الساحة السياسية العربية بشكل عام والمغربية على وجه الخصوص ، وإن كان العمل يختلف من حيث البنية الدرامية والرؤية السردية والتصور العام للشخصيات التي خرجت من سياق المتكلم والتبئير المتمحور حول الذات في علاقتها بالسارد وشخصيات ذات تشابه وشَبه ” رباط المتنبي” أبي الطيب الذي حل بالرباط المدينة التي تعج بسيل من المظاهرات و الاختلافات الثقافية وأرض الاحتجاج والملاذ  …

شاء النص الروائي “الموتشو”  أن يحكي عن تجربة قاسية لما آل إليه الوضع العربي –البلاد العربية-  الذي كان بالإمكان أن يكون في مصاف الدول الرائدة بعد حلم الربيع العربي وأتى  ذلك وفق صراع تبنته شخصية “الموتشو” وما تشكله من قوة في كشف تناقضات الآن .

في الحقيقة شخصية “الموتشو” تبنتها أو اشتركت فيها شخوص بعينها ” سليمان الريسوني ” الصحفي الذي ناضل إلى جانب رفقائه في حراك الريف سنة 2016 وكدا “بنيس” الذي لا نعرف عنه تفاصيل واضحة من طرف الذات الساردة اللهم إلا ما شكلته الشخصية في الرواية ، في الحقيقةِ هدا الهروب المشروع في عدم معرفةِ تفاصيل الشخصية يعد ميزة قوية كي لا تكون الرواية سيرة غيرية أو أن تُفهم كذلك .

شخصية الموتشو شخصية أساس  في الرواية، باعتباره كان مناضلا في حركة عشرين فبراير وتشبع بعمقها وروحها الثورية ، واكتوى بإخفاقاتها وإرهاصاتها ومَدِهَا وحلمها ، تأرجحت الشخصية بين المحال والممكن  في علاقاتها الإنسانية والعمَلية. في الواقع، الرواية لا تخفي  حقيقة  التوجه الإيديولوجي لها كونُه شخصية يسارية، واسمه الحقيقي “أمين الكوهن”، و “الموتشو” مجرد  لقب والأصل في التسمية إسباني ، واختيار اسم “الموتشو” مرتبط بمعتقد الشخصية ولقب أُريد له .

شاركت في البناء الدرامي لنص الرواية ” نعيمة بلحاج ”  ، المعالجة لشخصية لبنيس الراكن في وضعية غيبوبة بعد حادثة سير ، المتحدث باسم الآخرين الحالمين بواقع أفضل .

إضافة لشخصية أخرى وهي إستير كوهين مغربية يهودية، المتشبعة بالعقيدة والمتشبثة بمغربيتها ، المدافعة عن أحقية اليهود في أرضهم .

هذا الاختلاف في التصور وفي البعد الثقافي والسوسيولوجي  للشخصيات لم يُنسِ حسن أوريد استدعاء شخصية الأمازيغي الذي يعض على انتماءه بالنواجذ  ، المثقف الأمازيغي المتابع لما يقع في ساحة بلده وفي الساحة العربية ، شخصية مثقفة متقنة للعربية متشبعة بروح الإنسانية أو المشترك الإنساني .

تقدم الرواية حوارات تشكل بنية الصراع الحاصل بين الشخصيات التي اختلفت كثيرا وتوافقت بنسب ضئيلة لما حل عليها بعد التغيير الذي  لم يشفِ  تطلعاتِها ، فبين مرض “بنيس” ووضعه الصحي وشخصية “الموتشو” و”نعيمة” والشاب الأمازيغي ، تمايزات عدة ، وهذا حوار من بين الحوارات الواردة في النص الروائي :

كيف تُلقي بالتعلَّة على إسرائيل؟ أنتَ؟

ـ وكيف تُنزِّه إسرائيل، وتنظر إليها كمثال؟ أنتَ؟

ـ إسرائيل دولة ديمقراطية.

ـ لساكنتها اليهود. كما كانت أمريكا ديمقراطية لساكنتها البيض، من غير الإنسان الأسود.. اسمع يا “محند”، نبع الغرب آسن، ومَن يقول لكَ بهذا نتاج للغرب، من خلال ثقافته، ومنظومته الفكرية.. هو ذا المشكل، أو مثلما قال أبو حيَّان التوحيدي: إلى متى نبتلع السموم ونحن نظنُّ أن الشفاء فيها؟

ـ لا يمكن أن أجاريكَ في تحليلكَ يا أمين..

ـ أفهم جرحكَ الوجودي يا محند. وهو جرحنا جميعًا.. أعرف ما تستشعره منذ اعتقال ناشطي الريف، والحكم عليهم بأحكام قاسية. من المؤكّد أن هناك أشياء لدى الأمازيغي لا أدركها، ولكني لا أريد أن نتحوّل إلى شيع وطوائف.. عدالة لكلّ طائفة، وحرِّيَّة لكلّ طائفة.. حينما تُجتزأ العدالة، وتُجرى بناء على طوائف تكفّ أن تكون عدالة (…)

في الحوار يظهر بجلاء عمق الاختلاف الثقافي والعقدي والجروح الغائرة بين الشخصيات وهو أمر مباح في السرد يقول جيرالد بريس :”  الشخصية كائن موهوب بصفات بشرية وملتزم بأحداث بشرية ” هده الأحداث هي مسار السرد في رواية الموتشو فما بين التبني للأحداث والاختلاف فيها من زوايا متعددة ، عقدية وثقافية و سوسيولوجية … تعطي للعمل مصداقيته في تعرية الواقع و حق كل شخصية في الترافع عن القضية التي تؤمن بها من باب الإيمان بالشخصية المركبة أو بالأحرى الشخصيات المركبة المعقدة التي لا يمكن أن تكون فعلية بالضرورة ،لاعتبارات كثيرة من بينها أنه يجوز في المتخيل الروائي ما لا يجوز في الواقعية ( السيرة الذاتية)  .

لم يفت حسن أوريد أن يشير إلى شيخوخة الجامعة التي لم تعد تعرف تلك الفتوة اليانعة ، وإلى المستوى الذي وصل إليه الفكر العربي في التفكير  أو ما سماه بالضحالة الفكرية  ، يقول :

” ما علة الضحالة الفكرية المستشرية ؟ أقصور ذاتي ؟ كلا ، لا يمكن لأمين أن يقول بذلك لأنه لا يمكن لحضارة أنجبت  في السابقين  جهابذة في كل أوجه الحياة العلمية ، في بغداد وفي قرطبة وسرقسطة والقاهرة وفي كل أوجه الحياة العلمية وفاس وتونس وصقلية ، أن تكون قاصرة وكانت في أولى احتكاكاتها بالغرب واعدة . أمرده زيغ العالم الذي أخد يفضل الخبير الذي يقدم أجوبة جاهزة على من يطرح الأسئلة ؟ هل يعود الوضع إلى أياد أجنبية لتنميط سياسي ومن ثمة ثقافي ؟ …

لم يخف أوريد عمق العلاقات الإنسانية والمفاهيم السامية التي تربط الأبناء بآبائهم وأمهاتهم هدا حوار بين أمين وأمه التي يحاول الاتصال بها للتخفيف عن آلامه ووعتائه النفسية والوجودية :

” استلقى على ظهره عاد فكلم والدته مرة أخرى . لا تعيد النداء لأنها أمية لا تستطيع معرفة الأرقام والأسماء ، تتبع دبدبات الهاتف أخيرا ردت :

شكون ؟

أمين ، أإيما .

كنت نصلي العصر أوليدي ، ونعمل الوِرد ديالي ، ونترحم على باباك .

الله (يتأبل) يتقبل . كيف انتين .

مشيت البارح مع دادة مباركة لمولاي إدريس . مباركة ؟ تعأل (تعقل- تذكر ) عليها ؟

وماش نس خيرها ؟ الخادمة اللي كانت عند با سيدي ( جدي)

الله يرضي عليك اوليدي هكادا يكونو خصايل ولا المحظية …

يظهر في هذا النص المقتطف من جسد الرواية مدى انتباه أوريد للعلاقات التي تجمع الأبناء بأمهاتهم علاقات البر والإحسان مهما بلغ مستوى فكر الأبناء وثقافتهم واضطراباتهم أحيانا  …

انتقد حسن أوريد بعض الشخصيات دون التصريح باسمها وجاء ذلك وفق سياقات سردية أملت ذلك وإن كانت الأحداث تنم عن أسماء بعينها ” عبد الله العروي ” ، ولكن يبقى تحفظ السارد عن ذكر الشخصية باسمها أمر ممكن ومتاح كما قلنا سابقا ، عملا  بميكانيزمات اشتغال  الرواية الحديثة حيث إن الشخصية الروائية كائن ورقي كما أوضح  “رولان بارت” في اللذة  ، لأن الشخصية مرتبطة بخيال الكاتب ورؤيته  وثقافته ما يجيز له أن يوظف ما يراه ممكنا للكشف والتعرية والانتقاد أحيانا ، لذلك شخصية “الموتشو” أو “بنيس” وغيرها هي شخصيات ورقية بقدر ما يعتبرها القارئ الضمني واقعية لكن هي ببساطة شخصيات من وحي خيال الكاتب ، فارتباط الذات بالموضوع هو تصور دال وفق نسق لغوي و شبكات لسانية تداولية.

وتجب الإشارة إلى ضرورة التمييز بين شخصيات وردت في العمل ” الموتشو” و التمييز بين الشخصية الروائية “حسن أوريد” الشخصية المسكونة بقلق السؤال كما يقول النقاد،  فسؤال فشل حركة عشرين فبراير وإخفاق الربيع العربي وإرهاصات النكبة والنكسة والشعارات النخبوية الفارغة وسراب الحركات الإسلامية  كلها أسئلة واردة في ” الموتشو” وغيرها عند أوريد  .

شخصية “الموتشو” شخصية واضحة في العمل لا تقبل احتمالا واحدا من لدن القارئ  فما بين القلق الحاصل لديها أو شبكة الصراع مع شخصيات أخرى تدفعنا أن نقول أن أوريد امتلك ناصيتها في التوظيف والتركيب  ، يقول فيليب هامون :  ” الشخصية الروائية هي تركيب يقوم به القارئ أكثر مما يقوم به النص” ( عالم الرواية )

إن شخصية “الموتشو” هي مُنجز ضمن سلسلة أفكار وأسئلة راهنة طرحت بتلاوبن مختلفة وصلت لحد الإزعاج لشخصيات مشاركة حيث شكلت عنصرا معاكسا لها يقول “بارت”: ” الشخصية نتاج عمل تأليفي فهي ليست كائنا جاهزا ، ولا ذاتا نفسية ، بل هي حسب التحليل البنيوي بمثابة دال له وجهان : أحدهما دال والأخر مدلول فتكون الشخصية بمثابة دال  عندما تتحد عدة أسماء تلخص هويتها . أما الشخصية كمدلول فهي مجموع ما يقال عنها بوساطة جمل متفرقة في النص أو بوساطة تصريحاتها وأقوالها وسلوكها ” بالتالي  فإن تحفظ “أوريد” عن التصريح واكتفاءه بالتلميح ( رغم معرفتنا بالخلفيات الإيديولوجية للشخصيات)  جعل من  صورة الشخصيات لا يكتمل من خلال القراءة الجزئية التجزيئية  لكن تكتمل الصورة عندما ينهي القارئ العمل إلى النهاية (القراءة الكُلية للعملِ) .

وفق هذا النسق العلائقي الذي يجمع الشخصيات تظهر شخصية يحاول أمين  “الموتشو” أن يرتبط بها ” نعيمة بلحاج ” التي تعرف عليها من خلال زيارته  ل”بنيس” في المستشفى ، يحاول أمين التعرف عليها من خلال التردد  على زيارة “بنيس” أو بالأحرى الطبيبة التي ترفض وتبدي امتعاضها منه ومن سماجته أو سذاجته  ، تقابله بحرفية تامة ومهنية عالية ، تتطور شبكة العلاقات بينهما إلى أن ينتهي بها الأمر بقبول عرض أمين ،  اللقاء بمطعم بعدها يتخذ مسار السرد نسقا أخر …

يستمر البناء العام للأحداث من خلال ما يجري في مقر الجريدة من سجالات فكرية أحيانا وجدالات وخلافات دون معنى واضح خصوصا  في نقاشات “أمين” و”دلال” فيما يخص الخط التحريري الذي تتبناه الجريدة حيث تقع حوارات حول رؤية الجريدة وخطها التحريري ، لينتقل النقاش من جوه الصحي المقبول إلى نقاش متعلق بالرياضة ولاعبي كرة القدم وانتقالاتهم الصيفية من ناد لآخر ، وهي حوارات بالكاد تكون تمييعا لما يببغي أن يكون في مقرات الجرائد والصحف ، المعنية أساسا بنقل الخبر ونقد ما يجري في الساحتين الدولية والوطنية ، و “أوريد” هنا يسعى أن يوضح مدى (دُكانية) أو ضعف قوة التجريدِ عند بعض الجرائد والصحف التي تختلف في اللاشئ بدل أن تتفق ، جاء في نص الرواية ما يلي  :

“_ شفتك أمين وليت ( أصبحت) رئيس تحرير …

لم يرى أمين بدا من أن يعقب :

الأخت دلال ديري خدمتك ، مكندخلش لك في الصفحة ديالك ،
هدي ما بقاتش جريدة … كلها يدير ما بغا … ما غادي يبقا عندها خط تحريري …
رد أمين بحدة :
ادخلي سوق راسك …
عقبت دلال
بغيتي دخل في الجريدة السم ديالك.
ولم يشعر إلا أن انتهزها في بذاءة:
اديها في الجهة ضارك (تضرك)
انتفضت دلال :
احشم على اعراضك ،الصهيوني
رد أمين في حدة :
الصهيونية هي اختك

كانت تحيل إلى اسمه العبراني ، كوهن … عاد للاشتغال مع محسن كاظما غيضه ، تدخل فوزي عن قصد ليهدئ من التوثر :

رولاندو ما غاديش يبقى مع الريال ، غادي تشريه جيفونتيس …

لا شك أن «المكان – الأمكنة » في الرواية لها أبعاد سيميولوجية وثقافية باعتباره عنصرا يعكس التوجه والرؤى  وأفكار الشخصيات وإن كان المكان متخيلا  لكنه يعد مكونا أساسا في العمل السردي خصوصا العمل الروائي ، وتعد مدينة الدار البيضاء ومقر الجريدة والمستشفى وغيرها من الأماكن الواردة في النص الروائي صَرحا انبنت عليه باقي الأحداث وسعت في تناميها  .

إلا أن تقديم المكان في رواية “الموتشو” قُدم بتصورين اثنين :

الأول: حقيقي الدار البيضاء كونها ملاذ لأغلب الشباب الباحث عن العمل والهارب من جحيم البطالة ومن مدن الهامش اللامفكر فيها .

الثاني :  من خيال الكاتب ما منحه متسعا من الإبداع والتعبير عن تناقضات واختلافات تجري في مقرات الأعمال ، وفي رواية “الموتشو ” كان للجريدة نصيب من أحداث الرواية .

إن الأمكنة في الرواية لا تتغيا تقديم إجابات لما تعيشه من صراعات مستمرة بقدر ما تسعى إلى خلخلة تصور المتلقي ‘القارئ’ لهذه الأمكنة ما دفع  أحداث النص نحو حركية مستمرة مع حرص الكاتب على أن تحافظ هده الأمكنة على وهجها وفق آليات توصيف الحاضر النصي .

مزج أوريد بين العربية الفصحى السليمة والعامية ( اللسان الدارج المغربي) في العمل  ما جعل سقف اللغة متنوع حسب سياقات التداول في نص الرواية ، كما اتخذت لغة الرواية حمولات مجازية أحيانا نابعة من عمق المتخيل للأحداث ما جعل من اللغة الموظفة آلية مرتبطة بحركية السرد المتنامية .

ما يجعل من القارئ يشعر بهسهستها ولذة ما يقرأ وضمنته فهما أولانيا (السيميائيات والتأويل –بنكراد) لما يقرأ واستيعاب الأمكنة والأزمنة المُتضمنة في العمل .

من خلال التداخلات والاختلافات اللغوية البارزة في النص الروائي يظهـر لنـا أن “حسن أوريد” حـاول أن يجسـد الاختلافات الموجودة في الوطن الواحد ، مع إبراز الاختلافات العرقية والثقافية والإيديولوجية بناء على أن اللغة هي ذلك المشترك وإن اختلفت التصورات والمعتقدات .

موازاة مع هذه التداخلات اللغوية المستعملة في العمل الأدبي إدا نظرنا إليه من وجهة أسلوبية ، نجد أنها تضمنت كل التوصيفات والآليات  الأسلوبية الممكنة للرواية كما حددها “ميخائيل باختين” (الخطاب الروائي)، من مسار سردي عمودي للأحداث ، وأشكال السرد التقليدي الشفوي من خلال ما دار من حوار بين شخصيات أساسية وأخرى ثانوية ، أضف إلى ذلك خطاب الكاتب من خلال استدعاءه لمفكرين عرب قدامى مثل “أبي حيان التوحيدي ” ، وعرضه لأشكال الصراع المستمر بين الفئات المجتمعية المتعددة  ومستوى الجامعة  ، وموقع اللغة العربية ، ومآزق الفكر العربي اليوم ، وغير ذلك. وكل هذه الاختلافات جعلت من العمل الروائي منبعا لصور تخييلية مدافعة عن قضايا ثاوية في عمق المجتمع  .

ما ننفك نؤكد ؛ أن  الرواية بُنيت وفق تصورين نظريين يمتحان من روح البلاغة  هما؛ بلاغة المجاز  وبلاغة الاستعارة ، يتبدى المجاز بجلاء من خلال اللغة الانزياحية – وإن كان المجاز والانزياح يختلفان – لكن نعتقد أنهما سيان في النثر ،  كون المجاز نقيض الحقيقة والرواية بين أيدينا متخيلة على كافة مستوياتها  ، أما بلاغة الاستعارة تتجلى فيما يلي :

استعارة الرحلة- الانتقال : وهي استعارة تصويريّة أخرى تحيل إلى أنّ الحياة رحلة هادفة، رحلة أمين  من فاس صوب الدار البيضاء ،  وقد تعددت وسائل الانتقال بالنسبة للشخصية ، واستعارة فعل التنقل دال على معاناة الشخصية في البحث عن الهدوء والاستقرار …

استعارة الأحاسيس: وهي استعارة تعبّر عن الأحاسيس المتجددة لشخصيات النص  ، علاقة “أمين” بالطبيبة .
الاستعارة المكانية : تعد بحق  الاستعارة التي تتصل بالفضاء المكاني أو التي تربط الشخصيات بالمكان ، “وراء، فوق، تحت” وهي ترتبط بالحِبكة الروائية باعتبارها نسيجا متجددا .

استعارية اللون: وهي استعارة تصويرية أخرى تهدف إلى دمج الألوان في صلب تمثلات  الشخصيات، بغية التعبير عن أحاسيسها المتناقضة، فالأبيض على القبول وصاحب الحق، والأسود على العنصرية والعنصر الدخيل، وكل يخضع لسيميولوجية الرواية .

إن تهمة اليأس بتعبير “شوينهاور” الحاضرة بقوة في الرواية والمتجسدة في تناقضات الشخصيات وفصاميتهم أحيانهم ، جعلها “أوريد” تشريح لبنية النخبة المثقفة وقد تم التعبير عنها ببراعة أدبية أخاذة ، حيث أضاف لها عمقا فلسفيا من خلال اللغة وتراكيبها ، حيث مناط الحكمة في حرية التعبير عن المواقف بناء عن الخلفية أو سلطة الضرورة ، ضرورة التغيير المُراد له أن يكون رغم اليأس الناتج عن فشل حركات بعينها .

إن النص وفق استداراته الهيرمونيطيقية (د.محمد شوقي) والبعد  الدينامي الذي جسده الكاتب في النص الروائي كان غايته إضفاء بعد دينامي للأحداث وإحداث القصدية منه وكشف الغرابة عنه رغم بنيته التخييلية والتعويل على بناءه وفق بنيتين ، الأولى ثابتة (النص الروائي) والثانية (متحركة) بنية التأويل لأحداثه وشخوصه ومساره والقضية التي يمثلها .

حلقات التأويل مباحة في العمل الأدبي ” الموتشو” ، والأصل في الرواية كما هو متعارف عليه عند النقاد “الكذب الصادق ” بمعنى يحتمل ويتحمل كل أنساق التأويل بحثا عن علاقات الكل بالأجزاء ( الجشطلت) .

الذات ( الشخصية – الموتشو )                                  الموضوع (متشعب ومتعدد)

إن فهم كل شئ غير ممكن في عوالم الرواية ، باعتبار مساره المفعم بالتقاطعات ، ما يبعد عنه التوافقات ( توافق القراء ) على معنى ما للعمل وهذا أشبه بالمستحيل في فلسفة الأدب ، بمعنى قد لا يتوافق المؤَوِل مع الشئ المُؤَول ، قد يكون اتفاق بين مواضيع بعينها لكن لا يؤدي ذلك بالضرورة إلى الاتفاق والتناغم التام حول الموضوع ( الذات – الموضوع) توافق الفهم مع الشئ المفهوم أو إنارة الفهم حسب نظرية الهيرمونيطيقا ، بمعنى لا يمكن حصول الفهم والاكتمال فيه ، لأسباب كثيرة وهي متعلقة بالمتلقي ودرجاته ( نظرية التلقي: النص – القارئ – التفاعل المفترض بينهما ، “أيزر”  ) ، لكن يسعى العمل جاهدا إلى الاختزال رغم أن عدد صفحاته جاوز الأربعمائة صفحة .

ولكي يبتعد “أوريد” عن البداهة  ، اعتمد استراتيجية نصية تمتح من التعدد في المواقف ما أسعف الأحداث ارتباطا بين المعنى والدلالة وإن كان المعنى مجمد في النص قابل للخلق من لدن القارئ ، على اعتبار أن النص يؤسس لعالمه الخاص ( بول ريكور) ، ففواعل النص  ( القوى الفاعلة) مُنطلق للفهم أو محاولة بناءه ، كي لا يسقط النص في الوضوح التام  ولكن لا بد من حضور معاني تدل عليه .

الدلالة دائما في انتقال – ترحال – في النص ( الموتشو) لا يمكن القبض عليها  (جورج هانز غادامير) ، والدلالة النهائية مستحيلة وإن سلمنا بنهاية النص بنهاية ما  schéma narrative ، فالحقيقة (القضية  المرغوب فيها من لدن الكاتب)  تحب التخفي كما قال ” هايدغر” .

الرواية في بعدها الشمولي بعيدا عن النظرة البانورامية للعمل ، تعد نقدا صارخا لوضع العالم العربي باعتباره كان قوة أخلفت الموعد مع المنتظر منها ، هي مرايا لوضع “نحن” العرب بعد وقبل ، منها ما هو متعلق بأسباب تخلف الثقافة العربية الواقعة في التنميط كما ورد في العمل . الرواية تعري أزمة حقيقة للتوجهات الفكرية بعمق بعيدا عن الظاهرية بحكم أنها  واقعية تختلف عن الرواية التاريخية  “كما في الأعمال السابقة ل”أوريد” ، وهو جوهر الاختلاف بين “الموتشو ” وسابقاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • أمل الرايس
    منذ 8 أشهر

    مراجعة موفقة جدا للرواية تشجع على قراءتها. أسلوب سلس وعميق في آن. المرجو الانتباه إلى بعض الأخطاء الإملائية و أخطاء الطبع لأنها تقطع انسيابية القراءة. شكرا جزيلا.