وجهة نظر

ما هكذا يسوق للفن يا سعد !

لست شامتا في محنة المطرب الشاب سعد لمجرد، ولا ضد أن يلقى مساندة كبرى من فناني بلده، أو تعاطفا مماثلا من قبل محبيه وجمهوره الواسع، حول ظروف اعتقاله يوم الأربعاء 26 أكتوبر 2016 بالعاصمة الفرنسية باريس، على خلفية اتهامه بمحاولة اغتصاب واحتجاز شابة فرنسية، تبلغ من العمر عشرين سنة، خلال سهرة خمرية بفندق إقامته…

بيد أني استغربت كثيرا مما صرح به وزير الثقافة المنتهية “صلاحيته” محمد أمين الصبيحي، لإحدى القنوات الوطنية، من كونه يتابع عن كثب مجريات القضية، وأنه سيعمل جاهدا على التدخل لإنهاء المشكل، لاسيما أن الأمر يتعلق بنجم ذائع الصيت، دون أن يأخذ بعين الاعتبار استقلالية القضاء الفرنسي وسمعة الدولة المغربية. وزاد من تضخيم الحادث، قيام بعض المنابر الإعلامية في الصحافة المكتوبة والمواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي بحملة تضامنية واسعة النطاق، رفعت شعارات التنديد والاستنكار، وأطلق أصدقاؤه الفنانون هاشتاغ “كلنا سعد لمجرد” للمطالبة بالإفراج عنه. بل ذهب آخرون إلى اعتبار الحادث مؤامرة خسيسة، من وحي أعداء وخصوم الوحدة الترابية خاصة الجزائر وصنيعتها “البوليساريو”، بهدف التشويش على الرحلة الملكية الموفقة لشرق إفريقيا… وما إلى ذلك من الروايات الرامية إلى تبرئة ذمة “لمجرد”، عوض التجرد من العواطف والاحتكام إلى العقل، من خلال ترك التحقيق يأخذ مجراه الطبيعي، وانتظار ما سيسفر عنه من نتائج، للتأكد إذا ما كان المعني بالأمر متورطا فعلا، والدفع باتجاه إقامة محاكمة عادلة، أو رفع التهم عنه والمطالبة بالتعويضات اللازمة في حالة العكس.

ففي نظري المتواضع، أن الفنان الحقيقي هو الذي ينأى بنفسه عن الشبهات، ويحرص على أن يكون قدوة حسنة للمواطنين من حيث اللباقة ودماثة الخلق، وأن يسخر فنه لخدمة الإنسانية وإسعاد الجماهير، بدل البحث عن النجومية واللهث خلف المال، والارتماء في أحضان الرذيلة وإثارة الفضائح. وهو كذلك من يسهر على احترم نفسه وجمهوره، ويدرك جيدا جسامة المسؤولية الملقاة على كاهله تجاه وطنه، باعتباره سفيرا للأغنية في دول الخارج، يجب أن يكون جديرا بتمثيل بلاده جيدا وتلميع صورتها، قادرا على التعبير عن مشاعر وآمال الشعب، التأثير في الرأي العام وتغيير قناعاته. وفي المقابل، يمكنه الإضرار بوطنه إذا ما لم يتوخ الحذر ويتصرف بذكاء مع غيره.

وقبل هذا وذاك، ليس الفن وسيلة للترفيه والتسلية وحسب، بل هو رسالة سامية تحمل قيما أخلاقية وذات أهداف إنسانية، تجعل الإنسان أبعد ما يكون عن العنف وأكثر رقيا والتزاما بالقوانين، وتساهم في تنمية الذوق والسمو بالوجدان، إشباع الرغبات الروحية وتكوين وعي الإنسان بقضايا وطنه، والتحلي بالخصال الحميدة من صدق وتسامح ووفاء… والفن من أرفع سبل تعزيز أواصر المحبة والتفاهم بين الشعوب وتقاربها، وبواسطته يمكن تحقيق حوار ثقافي بين الحضارات، ونبذ مختلف أشكال العنف والكراهية والميز العنصري والتطرف.

ومن ثم يتعاظم حجم مسؤولية الفنان، ويتعين عليه حسن اختيار كلمات أغانيه، بعيدا عن اللغة الهابطة وضحالة المضامين، ضبط سلوكه تجاه الجمهور وحسن التعامل مع وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية، وأن يضع خطواته في الاتجاه الصحيح، حتى لا يكون محط انتقادات ومؤاخذات. فهل استطاع سعد لمجرد أن يكون سفيرا ناجحا للأغنية المغربية بالخارج، ويحافظ على شهرته وسمعة وطنه؟
من السابق لأوانه القول بأن “سعد”، الذي سبق له أن حظي قبل شهرين فقط بالمثول بين يدي الملك محمد السادس في 21 غشت 2016، بمناسبة الذكرى الثانية والخمسين لميلاده، حيث سلمه وسام المكافأة الوطنية من درجة “فارس”، قد أجرم في حق المواطنة الفرنسية، مادام القضاء لم يقل بعد الكلمة الفصل في النازلة المعروضة على أنظاره، بيد أني أكاد أميل إلى تصديق المنسوب إليه بنسبة كبيرة، لا لضغينة أو حقد أو شيء آخر سوى كون “بطلنا” يواجه مشكلة قضائية أخرى بالديار الأمريكية، تتعلق بشكاية جنائية مرفوعة ضده من لدن شابة أمريكية، بالتهمة ذاتها “الاعتداء الجنسي والاحتجاز”، إبان مقامه بالولايات الأمريكية المتحدة سنة 2010، إذ كان صدر في حقه آنذاك أمر توقيف وتم اعتقاله، غير أنه مباشرة بعد تسديد واجب الكفالة، انسل في اتجاه بيت والديه المحترمين بالمغرب، اللذين أعطيا للفن الشيء الكثير في الطرب والتمثيل، وأصبح في حالة هروب من العدالة الأمريكية، التي مازالت محتفظة بملف القضية، ويحق للسلطات الأمريكية اليوم مطالبة نظيرتها الفرنسية بتسليمه لها ومحاكمته، إذا ما كانت هناك معاهدة في هذا الصدد بين البلدين. ويشار إلى أن المعتدى عليها كانت طالبت تعويضا قدره: 500 مليون سنتيم، فيما اقترح “سعد” تسليمها نصف المبلغ فقط.

فمن حق بطلنا الفحل ممارسة حريته الشخصية، وليشرب ما يحلو له من الخمر ويدخن ما شاء من المخدرات، لكن ليس من حقه الاعتداد بعضلاته أمام الآخرين، ضرب مصداقية الأوسمة الملكية، تشويه سمعة الوطن وخذلان جمهوره. وأن يسعى إلى الشهرة للتميز وكسب المال، أمر مشروع ولا اختلاف حوله، لكن المرفوض هو إيذاء الأبرياء ماديا ومعنويا. ثم ماذا أعد لنا “لمجرد” وغيره من المتهافتين على النجومية من مشاريع فكرية وثقافية ورياضية وفنية، وأي رسائل أخلاقية وإنسانية حملوا للأجيال الصاعدة غير الذل والعار؟ كفى تهورا واستهتارا بروح المواطنة الصادقة والحس بالمسؤولية، ولترحموا هذا الوطن العظيم من مراهقتكم الفاشلة وخوائكم الفكري.