حوارات

في حوار خاص.. غميمط يكشف كواليس اتفاق 14 يناير ويؤكد: النظام الأساسي الجديد شرعنة للتعاقد والهشاشة

قال الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم FNE، عبدالله غميمط، إن الوزراء الذين تعاقبوا على قطاع التعليم فشلوا فشلا ذريعا في تحقيق الحد الأدنى من مطالب نساء ورجال التعليم، بل اجتهدوا في الهجوم على كل المظاهر الايجابية في قطاع التعليم وانتصروا لتفكيكه ومأسسة التعاقد تبعا لتوجيهات البنك الدولي، وفق تعبيره.

وأشار غميمط في حوار خاص أجرته معه جريدة “العمق” إلى أن الوزارة في عهد الوزير الأسبق أمزازي استطاعت  ان تقسم الصف النقابي إلى معسكرين، وهو ما أضعف التفاوض وأعطى للوزارة فرصة لربح الوقت حتى أنهى الوزير ولايته بغياب الحوار القطاعي لمدة سنتين وبالطبع دون أن يستجيب للمطالب المرفوعة خلال مدة تواجده على رأس القطاع.

وقال إن الوزير الحالي، شكيب بنموسى، جاء إلى الوزارة محملا بمهام ترجمة اختيارات البنك الدولي والنموذج التنموي بقطاع التعليم، فركز خلال لقائه المنفرد بكل نقابة تعليمية أكثر تمثيلية يوم 15 أكتوبر 2021 على أنه مستعد للحسم في العديد من الملفات العالقة ووضع حد للتعاقد بالقطاع تماشيا مع مطالب الحركة النقابية خاصة والمعنيين والمعنيات عامة، وهو ما اعتبرناه في تلك اللحظة بارقة أمل لحلحة الوضع بالقطاع، يضيف غميمط.

وحول لقاءات النظام الأساسي قال المتحدث إن الوزارة حاولت فرض السرية على نتائج اللقاءات، وحاولت ممارسة الرقابة على الحق في إخبار وسائل الإعلام ونساء ورجال التعليم بمستجدات الاجتماعات، حين اعتبرت الوزارة وأطراف أخرى الأمر تشويشا على العمل.

وأكد المتحدث ضمن الحوار المطول إن المشاركة في الحوار لا يعني التأشير على كل ما تقدمه الوزارة في شأن الملفات العالقة ومضمون النظام الأساسي. فنحن نعتبر محطة الحوار هي محطة صراع وترافع عن قضايا الشغيلة من منظور مصالحها الطبقية.

واعتبر الفاعل النقابي ذاته عدم دعوة نفابته للقاء 24 مارس المنصرم سلوكا إقصائيا تجاه الموقف المختلف، ويضع كل الشعارات والجمل المعسولة في خانة التسويق الاستهلاكي ومحاولة إضفاء شرعية مفقودة على تدبير قطاع استراتيجي في ظل حكومة أطنبت مسامعنا بالشعارات “البراقة والوعود الكاذبة”.

وأوضح أن التحضير لما سمي نظاما أساسيا جديدا تم بالاستناد لتقارير البنك الدولي والنموذج التنموي وخارطة الطريق، واعتبره هجوما منظما على النظام الأساسي لشرعنة التعاقد والهشاشة، ونزع كل مقومات الاستقرار الوظيفي لشغيلة القطاع. “وبالتالي نحن نعتبر أن مشروع النظام الأساسي الجديد ما لم يكن منصفا وعادلا وما لم يستجب لجميع مطالب الشغيلة التعليمية دون إقصاء ودون ضحايا جدد، فلن ينهي الاختلالات بالقطاع”.

وفيما يلي نص الحوار كاملا:

  •  في البداية هل يمكنكم أن تقربوا الرأي العام من هذه النقابة التي أثارت وما زالت تثير الكثير من النقاش؟

تحية طيبة لجريدة العمق على تفاعلها المستمر مع قضايا العمل النقابي بقطاع التعليم، في ظل إعلام رسمي ممول من الضرائب التي يؤديها الشعب، لا يعير اهتماما جديا لقضايا التعليم، ويقصي كل الأصوات المناضلة والمستقلة من حقها في التعبير عن رأيها والتواصل مع المجتمع حول قضايا التعليم العمومي ومشاكله وسبل تجاوزها، وفي مقدمتها أصوات ومواقف الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي، فنجد الإعلام الرقمي وفي مقدمته موقع جريدة العمق مشكورة، يحتضن كل المعارك النقابية ويسلط الضوء عليها ويتابع  مستجدات  قطاع التعليم من زاوية نقابية.

الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي المعروفة اختصارا بـ FNE نقابة تعليمية، انبثقت مُكرهة من رحم المعاناة مع البيروقراطية النقابية، وبوازع الانتصار الجدي والمسؤول لمختلف قضايا التعليم وكافة العاملين والعاملات به بتعدد مهامهم المهنية ومعتقداتهم السياسية والايديولوجية.

وظلت FNE منذ وجودها تسعى لتجدير تواجدها في المشهد النقابي التعليمي عبر انحيازها المبدئي والمستمر لكل معارك الشغيلة مع حرصها على الترافع بنفس درجة الحزم والمسؤولية على مواقفها من مخططات تخريب التعليم العمومي التي تم فرضها على القطاع طيلة عقود من الزمن السياسي والتربوي والملفات النقابية المطروحة في الساحة التعليمية، آخذة بعين الاعتبار أهمية التعليم والتربية والتكوين في تنوير المجتمع وتسيلحه بالوعي الضروري في مواجهة الرأسمال وحلفائه الذين يسعوا إلى إقبار التعليم العمومي واختيار موقع FNE ضمن معسكر التقدم والتغيير، مع احترامها لكل مقومات الديمقراطية النقابية من حرية النقاش الداخلي، والتعبير عن الرأي بما يتماشى مع تقاليد الحركة النقابية الأصيلة ومخرجات مؤتمراتها الوطنية، مع عقد المحطات التنظيمية الوطنية والجهوية والإقليمية في وقتها المحدد، واستقلالية قرارها عن الدولة والحكومة والوزارة الوصية والإدارة والأحزاب والباطرونا، وانفتاحها على النضالات الفئوية المتنامية داخل القطاع بدون شروط وبتمفصل مع السعي لفرض المطالب الفئوية وضخ الوعي النقابي لدى قطاع واسع من نساء ورجال التعليم المؤطرين ضمن التنسيقيات الفئوية.

  • الجامعة شاركت في أزيد من 30 اجتماعا، ووقعت على محضر اتفاق 18 يناير 2022 ثم رفضت اتفاق 14 يناير 2023. ما الذي تغير خلال سنة، بعبارة أخرى لماذا قبلتم باتفاق 18 يناير وترفضون اتفاق 14 يناير؟

الجامعة مكون من مكونات الحركة النقابية التعليمية، انخرطت ميدانيا وإعلاميا منذ 2012 في النضال على قاعدة ملف مطلبي عام ومشترك وضمنه توجد مطالب فئوية، وفي خضم هذا التوجه النضالي كانت FNE تنزع دائما إلى الوحدة النضالية مع النقابات التعليمية والتنسيقيات بهدف حشد قوة جماهيرية ضاغطة على الوزارة والحكومة للحفاظ على المكتسبات السابقة وانتزاع أخرى، وللأسف الشديد تعاقب خلال هذه المرحلة العديد من الوزراء على القطاع، لكنهم فشلوا فشلا ذريعا في تحقيق الحد الأدنى من مطالب نساء ورجال التعليم، بل اجتهدوا في الهجوم على كل المظاهر الايجابية في قطاع التعليم وانتصروا لتفكيكه ومأسسة التعاقد تبعا لتوجيهات البنك الدولي.

ورغم النضالات القوية التي خاضتها الشغيلة التعليمية بشكل وحدوي خلال 2019، دعت الوزارة إلى حوار قطاعي مغشوش، استطاعت من خلاله تقسيم الصف النقابي إلى معسكرين، وهو ما أضعف التفاوض وأعطى للوزارة فرصة لربح الوقت حتى أنهى الوزير ولايته بغياب الحوار القطاعي لمدة سنتين وبالطبع دون أن يستجيب للمطالب المرفوعة خلال مدة تواجده على رأس القطاع، وهو ما خلف إحباطا في صفوف نساء ورجال التعليم، استغلته أحزاب التحالف الحكومي ووزعت خلال حملاتها الانتخابية وعودا بتحسين دخل المدرسين والمدرسات وإدماج الأساتذة المفروض عليهم التعاقد وتسوية الملفات العالقة.

وبعد تعيين الوزير بنموسى شكيب (7 أكتوبر 2021)، الذي جاء محملا بمهام ترجمة اختيارات البنك الدولي والنموذج التنموي بقطاع التعليم، فركز خلال لقائه المنفرد بكل نقابة تعليمية أكثر تمثيلية يوم 15 أكتوبر 2021 على أنه مستعد للحسم في العديد من الملفات العالقة ووضع حد للتعاقد بالقطاع تماشيا مع مطالب الحركة النقابية خاصة والمعنيين والمعنيات عامة، وهو ما اعتبرناه في تلك اللحظة بارقة أمل لحلحة الوضع بالقطاع، لتنطلق في بداية 2022 اجتماعات اللجنة التقنية المشتركة في نقاش الملفات العالقة في شموليتها. لكن الوزير بمبرر زرع الثقة بين طرفي الحوار من جهة أولى وثقة الشغيلة في مأسسة الحوار من جهة ثانية اقترح توقيع اتفاق أولي يوم 18 يناير 2022 يتضمن حلول لبعض الملفات الفئوية، والاستمرار في الحوار في ما تبقى من الملفات بالإضافة إلى مشروع النظام الأساسي الجديد. في ظل هذا السياق المتسم بإعلان الوزير عن إرادته في الحسم في الملفات العالقة، واستحضارا منا كنقابة للتفاعل مع هذه الإرادة حتى يثبت العكس، قررت FNE بعد نقاش داخلي التوقيع على محضر هذا الاتفاق، رغم رفض وانتقادات جزء من قواعدنا النقابية.

وانطلق نقاش مشروع النظام الأساسي من 16 مارس 2022 إلى يوم 25 شتنبر 2022، والذي عرف سجالا كبيرا حول العديد من القضايا والملفات ، مع رفض الوزارة تمكين النقابات من نسخة كاملة للمشروع، ومرجعيات تعديل النظام الأساسي لـ 2003 وموضوع إدماج الأساتذة وأطر الدعم في الوظيفة العمومية، وتقليص عدد الهيئات من 5 إلى 3 بمبررات تقنوية، واعتماد نماذج تربوية أجنبية للاستئناس بها في بناء المشروع الجديد للنظام الأساسي مع الاختلاف البين في السياق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، واستنساخ الواجبات وتكديس المهام وترسيم التطوع والمبادرات الفردية دون اعتبار للحقوق المرافقة لها، وعدم التفاعل مع مطالب الفئات وترسيم الهشاشة على مستوى النظام الأساسي عبر تنويع وضعيات التوظيف الظرفي والمؤقت: (الجمعيات، التدبير المفوض، مربيات التعليم الأولي، الأساتذة المفروض عليهم التعاقد، الأساتذة والملحقين المقصيين من خارج السلم، توحيد الإطار لأطر التوجيه والتخطيط التربوي، الدرجة الجديدة لجميع الفئات)، مع محاولة فرض السرية على نتائج اللقاءات، ولاحقا ممارسة الرقابة على الحق في إخبار وسائل الإعلام ونساء ورجال التعليم بمستجدات الاجتماعات، حين اعتبرت الوزارة وأطراف أخرى الأمر تشويشا على العمل، في الوقت الذي كنا نؤكد كجامعة على حقنا في التواصل مع الإعلام ومع الشغيلة وإخبارها بما راج خلال الاجتماعات، كشكل من أشكال الشفافية أولا، وسعيا لتعبئة الشغيلة التعليمية وإشراكها في النقاش حول ملفاتها المطلبية.

وبعد الانتهاء من جلسات اللجنة التقنية المشتركة، دعا الوزير النقابات التعليمية الخمس الأكثر تمثيلية إلى اجتماع اللجنة العليا يوم 29 شتنبر 2022 على أساس أن النقاش داخل اللجنة التقنية وصل إلى الباب المسدود وهو ما دفع النقابات الخمس للاجتماع وتوجيه رسالة للوزير تتضمن المطالب التي تشكل الحد الأدنى الذي لا يمكن التنازل عليه خلال مفاوضات اللقاء المرتقب، وتم إصدار بيان للرأي العام التعليمي يتضمن نفس المطالب.

اجتمع الوزير بالكتاب العامين للنقابات، وبعد طرح النقابات مختلف النقط الخلافية مع الوزارة في شأن مشروع النظام الأساسي، وبعض المطالب الملحة كالزيادة في الأجور والملفات العالقة، التي يوجد حلها خارج النظام الأساسي، لكن رد الوزير هو تقديم محضر اتفاق للتوقيع دون الأخذ بعين الاعتبار المطالب الواردة في الرسالة الموجهة له قبل الاجتماع، فانفض الاجتماع بتسجيل نقط خلافية عديدة في النظام الأساسي والملفات العالقة خارجه. ليتم عقد اجتماعات متتالية معه أيام 27 و28 أكتوبر و21 نونبر و2 دجنبر 2022 دون تسجيل أي تقدم ملموس، ماعدا ملف المقصيين والمقصيات من خارج السلم (الدرجة الممتازة)، الذي قدم فيه الوزير في آخر اجتماع معه الموافقة على إحداث الدرجة الممتازة للمقصيين منها (أساتذة التعليم الابتدائي وأساتذة التعليم الإعدادي والملحقون التربويون وملحقو الاقتصاد والإدارة) على مستوى النظام الأساسي الجديد والشروع في أجرأته ابتداء من سنة 2024 بالنسبة للمزاولين المستوفين للشروط. وإلى حدود هذا المستوى من نتائج المفاوضات، فالنقابات الخمس رفضت عرض الوزير واعتبرته غير مقنع وانفض بذلك الاجتماع دون تحديد تاريخ جديد له.

بعده استمر التنسيق الخماسي في اجتماعات متتالية بموازاة مع معارك الشغيلة (احتجاجات المفروض عليهم التعاقد، احتجاجات المقصيين والمقصيات من خارج السلم، حملة الشهادات، الزنزانة 10، المبرزون، التوجيه والتخطيط التربوي، المتدربون بالمراكز الجهوية ومركز التخطيط والتوجيه التربوي، ضحايا النظاميين، العرضيين، …) وكنا كجامعة وطنية للتعليم نطرح ضرورة الانخراط في هذا المسار الاحتجاجي بما يحسن شروط التفاوض ويفرض على الوزارة الاستجابة للمطالب التي ترفض التجاوب معها، لكنه لم يتم الوصول إلى هذه الإرادة بشكل جماعي.

يوم 12 يناير 2023 حيث اجتماع التنسيق النقابي لوحده بمقر إحدى النقابات، مع الطرح الجديد المتمثل في اقتراح الوزارة تمتيع المقصيين الذين سيتقاعدون خلال 2023 بالترقية إلى الدرجة الممتازة، ابتداء من 2023، وهو ما اعتبرناه كـ FNE لا يستجيب لمطالب الفئة، مع عدم تجاوبه مع باقي المطالب الواردة في الرسالة الموجهة إلى الوزير بتاريخ 28 شتنبر 2022، والمنسوخة ببيانات التنسيق الخماسي 18 أكتوبر و22 نونبر و5 دجنبر وانتهى الاجتماع دون قرارات مشتركة، وتم الاتفاق على عقد اجتماع يوم 13 يناير 2023 مساء للاستمرار في نقاش الآفاق.

حضرنا الاجتماع، لنتفاجأ بخبر برمجة الوزارة توقيع الاتفاق يوم 14 يناير 2023، فجددنا التعبير عن رفض هذا العرض وتساءلنا عن دواعي القبول بعرض رفضناه منذ شهرين. وطالبنا بنسخة من مشروع الاتفاق وانفض الاجتماع دون تقديم أي التزام لأية جهة. وبعد ذلك اجتمع المكتب الوطني للجامعة ليلا لنقاش المستجدات واتخاذ اللازم. ونحن في الاجتماع توصل المكتب الوطني بنسخة من محضر اتفاق 14 يناير 2023 في الساعة العاشرة و12 دقيقة، ثم بدعوة عبر الهاتف من الوزارة في الساعة العاشرة  و35 دقيقة ليلا لحضور مراسيم التوقيع العاشرة صباحا من يوم السبت 14 يناير 2023، فعبرنا لممثل الوزارة عن رفضنا الحضور لأن قرار التوقيع على الاتفاق بيد المجلس الوطني. فقرر المكتب الوطني الدعوة لاجتماع المجلس الوطني يوم 14 يناير 2023 ليلا للتداول في المحضر واتخاذ القرار. والمجلس الوطني اتخذ بالإجماع في اجتماعه قرار عدم التوقيع على محضر الاتفاق للدواعي التالية:

  • عدم تنفيذ اتفاق 18 يناير 2022 رغم مرور سنة عن توقيعه.
  • عدم ورود الزيادة في الأجور في الاتفاق.
  • عدم الاستجابة لمطلب إدماج الأساتذة وأطر الدعم المفروض عليهم التعاقد في الوظيفة العمومية بشكل واضح وآني.
  • عرض الوزارة في ملف المقصيين من خارج السلم غير كاف لجبر ضرر كل المعنيين به والعرض سيخلف ضحايا جدد.
  • عرض الوزارة في باقي الملفات الفئوية يكتنفه الغموض وغير دقيق.
  • عدم ورود ملف مربيات التعليم الأولي وعمال الحراسة والنظافة والطبخ في الاتفاق.
  • ملفات فئوية عالقة لم ترد في الاتفاق (المفتشين، المستشارين في التخطيط والتوجيه التربوي، الدرجة الجديدة، المتدربون بالمراكز فوج 22-2024…).

 

  • رافق التوقيع جدل كبير واتهامات متبادلة، هل يمكنكم تقريب الرأي العام مما حدث بين النقابات والوزارة ليلة السبت 13 يناير 2014؟

نحن كجامعة وطنية للتعليم كنا واضحين مع الشغيلة التعليمية ومع الأطراف المشاركة في الاتفاق، لأننا تشبتنا بمضامين الرسالة التي شكلت الحد الأدنى المتفق عليه في إطار التنسيق النقابي، ولم نعلم بكواليس الإعداد للاتفاق حتى مساء 13 يناير، حيث توصلنا في وقت متأخر بالدعوة للحضور، وهو شيء مخزي وغير مقبول وإمعان في إذلال العمل النقابي وتنظيماته، ما رفضناه ونجدد رفصه، لأننا نعتبر قرارنا مستقل ويجب أن يكون دفاعا عن قطاع التعليم والعاملين به.

وأعتقد أن تدخل جهات خارج الحوار القطاعي كان له تأثير على الصمود في إطار التنسيق الخماسي والانخراط الجماعي في معارك داعمة وموحدة لمعارك الفئات المحتجة، مما فوت على الشغيلة التعليمية فرصة لفرض اتفاق اجتماعي يقر بالزيادة في الأجور ويقلص قيمة الضريبة على الدخل ويتجاوز مضامين اتفاق 14 يناير أسوة بما تحقق لقطاعات أخرى في الوظيفة العمومية وغيرها.

  • النقابات دائما ما ترفع شعار “خذ وطالب” في تعاملها مع المطالب. ماذا كنتم ستخسرون لو وقعتم على الاتفاق؟ أو بعبارة أخرى ألم يكن بإمكانكم التوقيع على هذا الاتفاق على “علاته”، ثم تطالبون بعد ذلك بمطالب أخرى؟

النقابة إطار جماهيري مهمتها الرئيسية هي الدفاع عن المطالب المادية والمعنوية، تخوض الصراع ضد المسؤولين عن السياسات العمومية في القطاع وتنفتح على قضايا المجتمع. في قطاع التعليم منذ تنزيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين إلى حدود اليوم، يعيش القطاع على إيقاع التفكيك وإنتاج مظاهر الضعف والهوان في المردودية الداخلية والخارجية، واقرار التعاقد في القطاع ضدا على مصلحة المجتمع والتعليم العمومي وكل الشغيلة التعليمية ، وهو ما خلق وضع استثنائي تعددت مؤشرات الفشل به، وتعاقبت وتراكمت الخيبات والاختلالات الفاضحة في التدبير الإداري والمالي بإقرار كل مؤسسات الدولة والتقييمات الداخلية والخارجية لكن دون تفعيل المحاسبة في حق المسؤولين على نهب المال العام. والجامعة تؤمن بالتراكم في نضالها النقابي، لكن دون المساس بمقومات التعليم العمومي ومكتسبات التوظيف العمومي والاستقرار الوظيفي والترقية والتقويم والحركة الانتقالية...

فاتفاق 14 يناير يظل في عمقه جواب على انتظارات البنك الدولي وحلفائه في الداخل الساعين لإضعاف التعليم العمومي وربط مخرجاته بمصالح الرأسمال بدعوى الكلفة المرتفعة، ولم يستجب على مطلب تعميق المكاسب في إطار الوظيفة العمومية (إدماج الأساتذة وأطر الدعم، مربيات التعليم الأولي، عمال الحراسة والطبخ والنظافة في الوظيفة العمومية،..)، ولهذا سجلنا موقفنا والذي هو موقف الشغيلة التعليمية عامة، ونجدد من هذا الموقع تشبتنا بالحوار القطاعي بنتائج ترقى لانتظارات القطاع وعامليه.

  • لماذا تصرون على حضور اللقاءات التفصيلية بينما رفضتم التوقيع على الأصل وهو اتفاق 14 يناير؟

الحوار القطاعي تؤطره القوانين الدولية والوطنية والمذكرات الوزارية في مقدمتها المذكرة 103/17، ويجمع الوزارة والنقابات التعليمية الخمس الأكثر تمثيلية، ويبث في الملفات المطلبية المعروضة من طرف النقابات. فالمشاركة في الحوار لا يعني التأشير على كل ما تقدمه الوزارة في شأن الملفات العالقة ومضمون النظام الاساسي. فنحن نعتبر محطة الحوار هي محطة صراع وترافع عن قضايا الشغيلة من منظور مصالحها الطبقية، وعلى هذا الأساس شاركنا في أشغال اللجنة التقنية المشتركة واللجنة العليا وعبرنا على مواقفنا كاملة دون ازدواجية في الخطاب، أو تنازلات مبدئية. لكن تفاجأ بإقصائنا من لقاء 24 مارس 2023 دون تقديم الوزير لأي توضيحات في الأمر لحدود اللحظة وهو ما نعتبره سلوكا لا ديمقراطيا، تخرق من خلاله الوزارة كل التشريعات ذات الصلة، فتشبتنا بحقنا في الحضور، له مرجعية قانونية أولا، ثانية نحن من يقرر هل نحضر أم لا وليس الوزارة. وإن حضرنا فسيكون بدافع الدفاع عن الملفات بما يتناسب مع المطالب المرفوعة من طرف الفئات التعليمية التي عقدنا معها لقاءات تواصلية حول تفاصيل ملفاتها.

  • تقولون إن الوزارة الحالية تعمل على إقصائكم من الحوار القطاعي، كما فعل الوزير الأسبق، سعيد أمزازي، لماذا أنتم بالضبط؟

عدم دعوتنا في لقاء 24 مارس 2023، رغم أننا نقابة من النقابات الأكثر تمثيلية، بوأتها الشغيلة التعليمية المرتبة الرابعة ضمن الخمس، وهذا الأمر قدمنا بشأنه احتجاجنا بمراسلة مفتوحة لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، واعتبرناها عقابا لنا على موقفنا الرافض لمضامين اتفاق 14 يناير 2023 وخرقا لكل القوانين المنظمة للحوار القطاعي، واستنساخا لنفس القرار الذي اتخذه وزير التعليم سابقا أمزازي سعيد اتجاه الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي والنقابة الوطنية للتعليم كدش.

إن هذا الحدث يؤكد سلوك الاقصاء اتجاه الموقف المختلف، ويضع كل الشعارات والجمل المعسولة في خانة التسويق الاستهلاكي ومحاولة إضفاء شرعية مفقودة على تدبير قطاع استراتيجي في ظل حكومة أطنبت مسامعنا بالشعارات البراقة والوعود الكاذبة.

  • يلاحظ في الآونة الأخيرة تناسل التنسيقيات والسكرتاريات. هل هذا دليل على أن أسرة التعليم لم تعد تثق في النقابات التعليمية؟

يعيش قطاع التعليم والتربية والتكوين أزمة غير مسبوقة نتيجة إصرار الوزارة على تنزيل اختيارات لا شعبية ولا ديمقراطية استجابة لمصالح الممولين، وتسعى بقوة إلى إضعاف الحركة النقابية بالقطاع عبر عدم التجاوب مع مطالب نساء ورجال التعليم، وبالمقابل غياب أي فعل نضالي نقابي موحد، إذ بالرغم من المنسوب المرتفع للحركة الإضرابية والاحتجاجية بالقطاع إلا أن دور الحركة النقابية فيها ضعيف ينتج عنه ملفات عالقة تتراكم وتتعقد، مما يؤدي إلى الإحباط والعزوف عن العمل النقابي وسط الشغيلة، وضعف الثقة في النقابات راجع أيضا إلى غياب الديمقراطية الداخلية عبر استدامة المسؤولين النقابيين في مواقعهم القيادية على حساب القوانين الأساسية والطاقات الشابة والنسائية واتخاذ القرارات المصيرية خارج الأجهزة التقريرية …إلخ، ونتيجة لذلك، لجوء كل فئة إلى تأسيس تنسيقية خاصة بها، مما جعل القطاع يتصدر عدد التنسيقيات، وتشتيت جهود الشغيلة في مواجهة وزارة غير مسؤولة.

  • هل تتوقعون أن ينهي النظام الأساسي الجديد معاناة رجال ونساء التعليم وبالتالي إنهاء الاحتقان الذي يعرفه القطاع منذ عقود؟

التحضير لما سمي نظاما أساسيا جديدا تم بالاستناد لتقارير البنك الدولي والنموذج التنموي وخارطة الطريق، وانطلق أولا بتكثيف الهجوم على النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية وتقديمه على أنه سبب كل المشاكل التي يعيشها القطاع. المرحلة الثانية ركزت على زيارة دول أجنبية للاطلاع على الأنظمة التربوية عامة والقوانين الأساسية بدعوى الاستئناس بها في كل ما يرقي ويجود المنظومة، لتأتي المرحلة الثالثة المتمثلة في إعداد مشروع النظام الأساسي الجديد بالاستناد على ما سمي مرتكزات أو مبادئ عامة مؤطرة، والتي هي في الحقيقة إلغاء لنظام قانوني مهني في إطار الوظيفة العمومية والارتكاز على ثقافة المرفق العام كمكسب جماهيري والاستعاضة عنه بمرجع للكفاءات والمهن يستند في التشغيل على أداء مهام معينة وفق شروط لا تراعي الحق في الاستقرار المهني ولا المسار المهني الواضح والمحفز ولا يراعي كذلك إنهاء المسار المهني لوضعية اجتماعية مريحة وتثمن الخدمات المقدمة من طرف الموظف.

وهو ما يمكن استشفافه بوضوح من خلال الهجوم على النظام الأساسي الحالي وقانون الوظيفة العمومية وتقديمه على أنه سبب كل المشاكل. لذلك فانطلاقا من النقاش الذي ساد في اللجنة التقنية المشتركة حول محاور النظام الأساسي وارتكزت فيه أطروحة الوزارة على الالتفاف على مطلب إدماج الأساتذة والأطر المفروض عليهم التعاقد في الوظيفة العمومية، ومطالب المقصيين من خارج السلم والدرجة الجديدة وشغيلة التعليم الأولي والنظام الأساسي للمبرزين.

إننا أمام هجوم منظم على النظام الأساسي لشرعنة التعاقد والهشاشة، ونزع كل مقومات الاستقرار الوظيفي لشغيلة القطاع، وبالتالي نحن نعتبر أن مشروع النظام الأساسي الجديد ما لم يكن منصفا وعادلا وما لم يستجب لجميع مطالب الشغيلة التعليمية دون إقصاء ودون ضحايا جدد، فلن ينهي الاختلالات بالقطاع، بل ستستمر الاحتجاجات والمعارك وسيرتفع منسوب الاحتقان ويظل تعليمنا العمومي مصنفا في أسفل قوائم ترتيب جودة التعليم ونبقى في حلقة مفرغة بين الإصلاح وإصلاح الإصلاح وبرامج استعجال ورؤى استراتيجية وخارطات طريق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *