آخر أخبار الرياضة، العمق الرياضي، لنا ذاكرة

ذاكرة رياضية: الراضي.. من الجيش الفرنسي إلى أول ميدالية أولمبية في تاريخ المغرب

كثيرة هي الأحداث والمباريات التي طبعت التاريخ الرياضي على الصعيدين الرياضي والدولي، والتي كان لها أثر واضح وظلت محفورة لسنوات طويلة في ذاكرة كل متتبع للشأن الرياضي.

في هذه الحلقة من برنامج “ذاكرة رياضية”، نعود بكم لأحد أبرز الأحداث في تاريخ الرياضة المغربية، حين قاد العداء، عبد السلام الراضي، بفضل ذكائه وخبرته ودهائه، المغرب لتحقيق أول ميدالية في دورة للألعاب الأولمبية في أول مشاركة للمملكة في أولمبياد 1960 بالعاصمة الإيطالية روما.

الجيش الفرنسي

عبد السلام الراضي من مواليد  28 فبراير 1929 في تاونات، التحق بصفوف الجيش الفرنسي، حيث كان المغرب تحت الحماية، إذ قضى جزءً كبيرًا من حياته في مدينة ديجون الفرنسية، في فوج المشاة المغربي الخامس ثم في فوج المشاة الخامس والعشرين.

المتخصص في سباق المسافات الطويلة، مر من تجربة مليئة بالمعاناة والألم، إذ انطلقت حياته في جبال الريف حيث كان فلاحا يساعد والده على رعي الأغنام، قبل أن يتم تجنيده سنة 1950 من قبل الجيش الفرنسي، المستعمر آنذاك للأراضي المغربية.

تفطن الفرنسيون إلى أن الشاب المغربي يمتلك موهبة استثنائية في الركض متنبئين له بمسيرة رياضية متميزة في ألعاب القوى، لينتقل لفرنسا حيث انطلقت مسيرته الرياضية، في وقت كانوا يلقبونه ببطل “الخمسة كيلو” نتيجة الميداليات والتتويجات التي حصدها بها.

نافس عبد السلام الراضي بقميص فرنسا ونال ذهبية “سباق الأمم” حيث لم يسمح له، في ذلك الوقت، بتمثيل المغرب، كما فوّت فرصة المشاركة في الألعاب الأولمبية لسنة 1956 بملبورن الأسترالية، في سنة عرفت حصول المملكة على استقلالها.

كما رفض عبد السلام الراضي جميع الإغراءات التي تعرض لها بحمل الجنسيتين الفرنسية والبلجيكية، متشبثا بتمثيل المغرب في الألعاب الأولمبية سنة 1960 بالعاصمة الإيطالية روما.

أول ميدالية مغربية

بعد مرور 16 يوما من المنافسة، لم ينجح أي رياضي مغربي بالفوز بأي جائزة أولمبية، غير أن مفاجأة المغرب في دورة روما كانت هي البطل عبد السلام الراضي عن صنف الماراتون، إذ كان هو الأمل الأخير لصعود منصة التتويج، رغم أنه سافر إلى روما بمفرده دون أي معدات أو مدربين.

انطلق سباق الماراتون والمرشح الأبرز للفوز به هو الإثيوبي أبيبي بيكيلا، الذي نبهه مدربه من رياضي يرتدي الرقم 26، في إشارة للراضي، علما أن العداء الإثيوبي خاض السابق كعادته وهو حافي القدمين، كما ظل يلتفت لتفقد مطارده الذي كان يحمل الرقم 185.

لم يدرك بيكيلا أن الشخص الذي طارده لكيلوميترات طويلة هو المغربي الراضي الذي غير رقمه في خطوة ذكية، قبل أن يزيد العداء الإثيوبي من سرعته وينهي السابق متصدرا فيما حل عبد السلام الراضي المركز الثاني مهديا المغرب ميدالية فضية أولمبية هي الأولى في تاريخه.

بعد عودة البعثة المغربية إلى أرض الوطن، حظي الراضي باستقبال رمسي من الملك  الراحل محمد الخامس، قبل أن يعود البطل المغربي إلى فرنسا التي ظل مستقرا بها إلى تقاعده من سلك الجندية، ثم يعود للاستقرار بصفة نهائية بمدينة فاس.

“الغبن” يقتل الراضي

سرد عبد السلام الراضي جزء من معاناته طيلة حياته، عند حلوله ضيفا على برنامج “وثيقة” بالتلفزة المغربية، حيث قال إنه كان يتقاضى معاشا من الجيش الفرنسي لا يتجاوز 1300 درهما في كل 3 أشهر، إضافة لأجر يتلقاه من الإنعاش الوطني يبلغ 900 درهما شهريا، بعد أن عمل كـ”شاوش” في عمالة فاس، إذ تحول من بطل عالمي وأولمبي إلى أجير يعد المشروبات للموظفين بعمالة فاس ويتنقل بين مكاتبها، قبل أن يقرر، الوالي السابق لفاس، محمد الظريف، بعدما اطلع على أحواله من خلال تقرير توصل به عن الظروف المزرية التي كان يعيش تحت وطأتها هو وأسرته، منحه مأذونية سيارة أجرة صغيرة “كريمة”، التي تم تجريدها من أسرته، بعد وفاته.

في الرابع من أكتوبر سنة 2000، توفي عبد السلام الراضي نتيجة انحباس في الشرايين، كما سجلت ذلك التقارير الطبية، غير أن أقاربه وأسرته أوضحت أن الوفاة جاءت نتيجة حالة الإحباط النفسي التي نتجت عن تذمره مما عاشه من جحود في آخر مساره، في وقت قرر الملك محمد السادس، بعد وفاة الراضي، القيام بمبادرة خاصة تجاه أرملته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *