وجهة نظر

ذوو الاحتياجات الخاصة والإعلام رؤية تنموية

ذوو الاحتياجات الخاصة

إن ثورة الإعلام والمعرفة تظهر في وجود هذا الزخم الكثير من المواقع والقنوات حتى أصبح الانسان سجين هذا العالم الافتراضي، ولتحقيق الجودة في الإنتاج يتطلب أن يكون الفرد محاطا بمساحة كبيرة من الحرية للابداع، ولكي يصبح الإنتاج الإعلامي إيجابيا يتطلب منا أن نعترف ونقدّر كل ما يمثل قيمة إضافية للمشهد الإعلامي، ويعزز القيم التي تبني الحضارة ويقطع بصفة حاسمة مع كل ما يمثل التفاهة والسفاهة ويساهم في تخريب العقول، ويخرج قطار الأمة عن الطريق الصحيح.

فالأداء الإعلامي يندرج ضمن الرعاية التربوية التي تؤطر المجتمعات، ولا أحد ينكر الأدوار التوجيهية التي يقوم بها العالم الافتراضي في تأطير الشعوب ورسم خارطة الطريق لها، لهذا تراهن بعض الدول المهتمة بقضايا ذوي الاحتياجات الخاصة، على دور التوعية من خلال استغلال الجانب الإعلامي قصد تحقيق التنمية في العديد من المجالات المرتبطة بهذه الفئة الاجتماعية.

فأي دور للإعلام في خدمة قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة؟ وهل لهذه الفئة حصة إعلامية تليق بهم تساهم في مناقشة قضاياهم ومشاكلهم؟

– المحور الأول: الإعلام وخدمة قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة:

تحتل قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة أهمية بارزة حقوقيا، وتنمويا، على الصعيد العالمي، ويظهر هذا جليا من خلال ما جاءت به النصوص والاتفاقيات الدولية، والوثائق الصادرة عن المنظمات العالمية التي تهتم بهذه الفئة، لكن الإعلام العربي يبقى إعلاما فقيرا من حيث العطاء بالنسبة لهذه الشريحة من المجتمع، فالإستراتيجية الاجتماعية لخدمة موضوع الإعاقة، يجب أن تتسم بنوع من الجدية والحزم في التعامل مع كل ما يهم ذوي الاحتياجات الخاصة، ولتفعيل التنمية الإعلامية يستحسن أن نتبع الخطة التالية في تكوين فريق إعلامي متميز شغله الشاغل كل ما يهم ذوي الاحتياجات الخاصة:

* التعرف على جميع أنواع الإعاقات المادية والمعنوية وتحديد درجتها ونوعها.

* الاطلاع على المجهودات الدولية المساهمة في خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة.

* تأهيلهم طبيا، ونفسيا، وماديا، للتعامل مع كل فرد معاق حسب نوع إعاقته.

* المواكبة المستمرة لكل الأشياء الجديدة المرتبطة بهذه الفئة.

* المساهمة الإيجابية في اقتراح الحلول المناسبة لمعالجة مشاكلهم.

* تكوين مراكز البحث الأكاديمية الإعلامية المهتمة بذوي الاحتياجات الخاصة.

* التنسيق بين الإعلاميين والأطر المشرفة على ذوي الاحتياجات الخاصة.

فكل هذا وغيره من الأفكار الإيجابية يفتح آفاق العمل للفريق الإعلامي المتخصص بشؤن ذوي الاحتياجات الخاصة، ويحفز قدراتهم الإبداعية في التفاعل الإيجابي مع كل حالة إعاقة داخل المجتمع، ومن أهم المجالات التي ينبغي الإشتغال عليها في التعامل مع قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة ما يلي:

التوعية الاجتماعية:

يبقى المجال الاجتماعي أقرب المجالات للقيام بالعمل الخيري التطوعي، والأكثر فاعلية في تنمية وسعادة الشخص المعاق وولي أمره، والرعاية الاجتماعية تمثل مؤشرا أساسيا لرقي المجتمع، فقد أصبح من المسلّمات التنموية أن كل الخدمات التي تقوم بها الدولة الاجتماعية في خدمة هذه الفئة من أجل دمجهم اجتماعيا، يعتبر استثمارا جيدا، ويمكن إدراك هذه الروح الإيجابية عندما تجد شخصا معاقا من أهل الإبداع القادرين على الاضطلاع بالأدوار الريادية التنموية داخل المجتمع، وهنا تكمن مهمة أهل الإعلام في التنقيب على هذه الفئة الإبداعية الخاصة، وللاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة وبالتحديد الفئة الفقيرة داخل المجتمع يجب:

_ توفير السكن اللاّئق بالشخص المعاق

_ تسخير كل القطاعات داخل الدولة لخدمته

_ تقديم كل الخدمات الضرورية له حسب أولويتها: الصحة، التعليم، التشغيل، الأمن …

الرعاية النفسية:

تعتبر الرعاية النفسية لذوي الاحتياجات الخاصة من المواضيع الهامة التي يجب الاهتمام بها، لأن سلامة الصحة النفسية للفرد لها تأثير على صحته الجسديّة بالإيجاب أو السلب، لذلك يجب على المسؤول عن الفرد المعاق أن يكون على وعي تام بالطريقة التي يجب أن يتعامل معه، حسب إعاقته سواء كانت الإعاقة ذهنية أو جسدية، فالرعاية النفسية لذوي الاحتياجات الخاصة تستلزم توفير البيئة المناسبة صحيا ونفسيا، فكل فرد من ذوي الاحتياجات الخاصة يحتاج إلى الإحساس بالأمن والاستقرار.

فالمسؤولية المباشرة على تحسّن ذوي الاحتياجات الخاصة تقع على عاتق كل من الأسرة ومركز التأهيل، فكل واحد منهما يتتبع حالة المريض بناءا على خطط علمية لتعديل سلوكه من الأسوء إلى الأفضل، لذلك لابد من مراعاة ما يلي:

* البعد عن استخدام بعض عبارات التنمر بهم، أو السخرية بهم بشكل ملحوظ.

* العمل على توفير بيئة سوية لذوي الاحتياجات الخاصة قوامها الحب، والاحترام والتقدير.

* نشر ثقافة إعطاء الأولوية لكل فرد من ذوي الاحتياجات الخاصة في كل مناحي الحياة.

* تجنب الحديث عن مرض الشخص المعني بالأمر بوجوده أمام الناس.

* تحفيز المريض وتشجيعه على أداء الأنشطة لأن ذلك يساهم في الرفع من ثقته بنفسه.

المحور الثاني: ضرورة الدمج الإعلامي لذوي الاحتياجات الخاصة

لاشك أن للإعلام دور فعال في الرقي بالأمم والنهوض بها من مستنقع التخلف والتبعية، إذا ما وجّهت برامجه نحو الإيجابية وفي كل ما هو مفيد للإنسان ويغذي فكره بالعلم والمعرفة. ونظرًا للوظيفة التربوية التي تؤديها وسائل الإعلام، كان ولابد من مراعاة التجديد في هذا الاتجاه وتقديم برامج تربوية وتعليمية لهذه الفئة من المجتمع، ففي دراسة إعلامية أجراها الباحث كولن بارنز 1992 كشف عن أبرز الصور النمطية التي لطالما روجت لها السينما ووسائل الإعلام عن ذوي الاحتياجات الخاصة بدافع تمييزي، فغالبا ما يرسم الجانب الإعلامي عن المعاق صورة ذالك المسكين المحتاج، واللاجنسي، يجردونه من كينونته الجنسية، أو ذلك الأمي الذي يجهل القراءة والكتابة، فالمعاق بهذه الصورة النمطية إنسان لا فائدة منه.

قد تظهر مسألة التنميط الإعلامية عبثية لها أبعاد سياسيّة، فالإنتاج الإعلامي يعكس لنا الصورة الأيديولوجية للسياسات الحكوميّة حول موضوع ذوي الاحتياجات الخاصة، ففي الدول العربية حيث كثرة الحروب والتطاحنات، أضحى من الواجب الإنساني والأخلاقي الاهتمام بهذه الفئة، فبسبب السياسات الحكومية الفاشلة تكثر حالات الإصابات من جميع أنواع الإعاقات، وهنا لابد من مراعاة الأمور التالية:

1 – ضرورة دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في صنع القرار الإعلامي، فوجودهم ضمن صناعة المحتوى الإعلامي من شأنه ضمان صوت المعاق حتى تكون له فرصة البوح بكل مشاكله ومعاناته.

2 – تصحيح الصورة النمطية عن المعاق فهو ليس ذالك المسكين الذي يحتاج إلى دريهمات، وأكل، وشرب فقط، لكنه إنسان يجب أن يفسح له المجال لكي يبدع، ويعطي للمجتمع الكثير من الإبداعات، ولست هنا لكي أبسط لكم النماذج الناجحة من ذوي الاحتياجات الخاصة، فسأترك هذا إلى مقال مستقل إن شاء الله.

3 – على الدولة أن تضع ميثاق يرتكز على الشرعية القانونية والدينية، عنوانها المساواة بين كل أفراد المجتمع، وذلك من أجل الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، وأن تأسس مراكز البحث والدراسات الأكاديمية تهتم بهم بشكل خاص.

4 – تجريم كل أنواع الإساءة المادية والمعنوية لذوي الاحتياجات الخاصة، وتجنب طرح قضاياهم إعلاميا كمجرد كائنات تستهلك ولا تنتج والتنمر بهم كوميديا … وفتح باب التطوع لخدمتهم والتشجيع عليه.

المحور الثالث: أهمية التمكين الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة:

يقصد بالتمكين الاجتماعي حسب رأي الأستاذة صبحية السامري: (إكساب ذوي الاحتياجات الخاصة مختلف المعارف، والقيم، والمهارات، التي تؤهلهم للمشاركة الفعّالة في مختلف أنشطة وفعاليات الحياة الإنسانية، إلى أقصى حد تؤهله لهم إمكانياتهم وقدراتهم، إضافة إلى تغيير ثقافة المجتمع نحو المعاقين والإعاقة من ثقافة التهميش إلى ثقافة التمكين.)
ولتحقيق التمكين الاجتماعي لابد من توفير العناصر التالية:

الأمن والاستقرار+ الرعاية الاجتماعية + الاستقلالية + السكن اللائق + التعليم الجيد + المساواة + التأهيل + العمل + التواصل والتفاعل مع الغير.

فالتمكين الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة، يكفل لهم الاعتماد على ذواتهم بقدر الإمكان، وتقوية جانب الاستقلال الذاتي، وللتمكين الاجتماعي أدوار هامة في جميع المجالات الإنسانية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتربوية، من خلال الاستفادة من الطاقات الكامنة عند هذه الفئة، لذلك فنحن في حاجة ماسة لتحسين صورة ذوي الاحتياجات الخاصة، فمادام المعاق يملك عقلا سليما فإنه يملك طاقة إبداعية يستفيد منها المجتمع.

ومن السبل المؤدية إلى التمكين الاجتماعي الحق في التعلم الذي اجتمعت كل التشريعات على وجوبيته، فالتعلم أحد الأسس المساهمة في تحقيق التنمية، فبه يدمج المعاق في مختلف المجالات الإبداعية للمجتمع، كل حسب طاقته وميولاته…

عـــود على بــــدأ:

وحتى ننتقل من الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة من الاحتفال الموسمي إلى الاهتمام اليومي الدائم يجب على الحكومات أن تضع ضمن أولويتها برامج فعالة تهتم بذوي الاحتياجات الخاصة، وإشراكهم في القرار السياسي، والإعلامي، والاقتصادي، والاجتماعي للدولة، فهل يمكن أن نشاهد في يوم من الأيام مسؤولاً حكوميا من ذوي الاحتياجات الخاصة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *