أدب وفنون

“سنة عند الفرنسيين”.. فيلم يرصد صداما ثقافيا في وجدان طفل مغربي

يستعد المنتج والمخرج المغربي عبد الفتاح الروم لعرض فيلمه السينمائي”سنة عند الفرنسيين” في القاعات السينمائية المغربية ابتداء من الأربعاء 21 يونيو الجاري.

ويحكي الفيلم، المقتبس من رواية الكاتب فؤاد العروي التي تحمل ذات الإسم تاريخا يعود إلى نهاية الستينيات من القرن الماضي (1969 عام وصول الأمريكيين إلى القمر)، عن الطفل المغربي “مهدي كتيم” المنحدر من وسط متواضع ببني ملال، بعد التحاقه وهو في العاشرة من عمره، بفضل منحة حصل عليها، بثانوية “ليوطي” بالدار البيضاء، حيث سيعيش بعيدا عن قريته لمدة سنة غاص خلالها في أجواء فرنسا وخصوصياتها.

وحسب بلاغ لصناع الفيلم، فإن الطفل “مهدي” سيكتشف نمط عيش الفرنسيين المغاير تماما لما كان يعيشه من قبل مع عائلته، ليجد نفسه غريبا في هذا ويخوض تجربة صدام ثقافي، إلا أنه خلال “سنة في ضيافة الفرنسيين” سيتمكن من التعايش مع هذا العالم والتميز في دراسته.

ووفقا لذات المصدر، فإن المخرج عبد الفتاح الروم سيرصد على مدى (98 دقيقة)، عالمين متباعدين (بعد القمر عن الأرض)، مبرزا التناقض والاختلاف بينهما دون إصدار أحكام مسبقة أو تفضيل لأي منهما.

كما يطرح الفيلم في قالب كوميدي قضايا معقدة وخلافية مثل تأثير الاستعمار والإزدواج الثقافي وأحكام القيمة العنصرية باعتبارها قضايا عالقة بين الثقافتين المغربية والفرنسية.

ويرى المخرج، أنه “يوجد في المغرب العديد من الأطفال مثل مهدي الذين ينجحون في أماكن أخرى من العالم”، موضحا أن هذا الفيلم يسلط الضوء على “جرأة وإرادة وعبقرية وشجاعة المغاربة، الذين يتغلبون على الصعوبات والعقبات في بلاد المهجر”.

يشار في الفيلم الذي هجرة بعض مغاربة الداخل للدراسة بالبعثات الفرنسية بالمغرب عددا من الأسماء الفنية أبرزهم نجل المخرج الطفل سيف الروم، ووالدته رشيدة الروم، صونيا عكاشة، رشيد الوالي، عز العرب الكغاط، فضلا عن ممثلين أجانب من بينهم مارك صامويل، أنطوان شينيارد، جيريمي بانستر، سيباستيان لالان، وماري غايل.

تسلط كاميرا المخرج عبد الفتاح الروم الضوء على المهدي منذ وصوله إلى مدرسة البعثة الفرنسية بالدارالبيضاء رفقة أحد أقاربه “المختار”، ليجد نفسه أمام عالم غريب يبدو منذ الوهلة الأولى بعيدا عنه.

وترصد الكاميرا طريقة استقباله من طرف حراس المؤسسة والحارس العام، وحضوره من دون أحد من أفراد أسرته بالإضافة إلى حقيبته المتلاشية، والديكين الروميين (بيبي) وهي عادة عند الأسر المغربية القروية، حيث كان الديك الرومي بمثابة هدية ثمينة وعربون للكرم، لكن هذه الهدية لا تعني شيئا عند الفرنسيين.

ويتناول الفيلم نظام المؤسسة ومرافقها، وكيف وضع الطاقم المسؤول عن القسم الداخلي “المهدي” في وضعية حرجة لعدم توفره على الحاجيات اللازمة من ملابس وغيرها بالأعداد المطلوبة في النظام الداخلي. ويشكل هذا اللقاء لتلميذ قادم من أحد المناطق المغربية النائية إلى أحد أكبر المؤسسات التعليمية الفرنسية بالدار البيضاء، هو في الحقيقة لقاء بين عالمين، بين ثقافتين مختلفتين تماما، حسب مخرجه.

منذ البداية ينقلنا الفيلم إلى التناقضات والاختلافات التي يحملها “المهدي” من المجتمع المغربي مع مؤسسة تمثل فرنسا بثقافتها ونمط عيشها وتعتبر وسيلة أساسية من وسائل استمرار وبناء المجتمع الفرنسي، كما ذكر ذلك مدير المدرسة على لسان “لوي ألتوسير” حول دور المدرسة في المجتمع.

شخصيات الفيلم تحمل جزءا من تاريخ فرنسا الاستعماري، “ميلود” الحارس وهو في الوقت نفسه أحد قدماء حرب “الهند الصينية” التي أقحمت بها فرنسا العديد من الجنود المغاربة. وشخصية “موريل” بكل تناقضاتها وهو أحد “الأقدام السود” أي الفرنسيين المزدادين في المستعمرات (الجزائر) وما لهم من خصائص بفعل هذا الانتماء الجغرافي. وتتوزع انتماءات كل أستاذ من الأساتذة الذين سيدرسون “المهدي في سنته” الأولى في مختلف التخصصات بين الشيوعي والليبرالي.

“المهدي” الذي كان يجد نفسه غريبا في هذا العالم الفرنسي، سوف يتمكن خلال سنة من الاندماج في هذا العالم، بل الانغماس به وهو ما عكسته علاقته بعائلة “دوني لوبيرجي” زميله في القسم، حيث عاش المهدي خلال العطل الدراسية مع هذه الأسرة الفرنسية ووصوله لها في البداية يبرز، أيضا، اللقاء بين عالمين وثقافتين، بين نمطين للعيش واختلاف في العلاقة التي تربط الأسرة بالأطفال. وكذلك العلاقة المعقدة بين هؤلاء الفرنسيين والمغاربة المحيطين بهم، وتأثير هذه العلاقة على علاقة “المهدي” زميل طفلهم دوني.

هنا سيكتشف “المهدي” العالم الآخر للثقافة الفرنسية ونمط عيشها، وسيتمكن من أن يصبح جزءا من هذا العالم لحد التماهي. لكن بعد ذلك، كان على المهدي إيجاد المسافة في علاقته بهذه الثقافة وهذا العالم. وهنا انتقل إلى قضاء العطلة من عند عائلة زميله الفرنسي دوني إلى عائلة أحد أقربائه “الطيب”، وهي فرصة للطفل ليكتشف عالم المغاربة بالمدينة، وكيف تم استقباله داخل أسرة الأقارب بكل الحفاوة والتلقائية المغربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *