منتدى العمق

ها قد وضعت الانتخابات أوزارها، فماذا عن تشكيل الحكومة؟

بعد أن وضعت الانتخابات أوزارها و عيّن الملك ابن كيران رئيسا للحكومة ، انتقل الحِمل الذي كان يُثقل كاهل الكتلة الناخبة و التي بوّأت حزب العدالة و التنمية المرتبة الأولى إلى كاهل رئيس الحكومة حيث تعتبر مرحلة تشكيل الحكومة المرحلة الأشقّ مقارنة مع يوم الاقتراع الذي يتطلّب ما يتطلّبه يوم الامتحان من انتباه و مراجعة مسبقة للدّروس و القوانين المنظّمة لعملية التصويت و الفرز ، و الإحاطة باللّعب و الخدع القانونية و غير القانونية المتوقّعة التي قد لا تخطر على بال و التي ربّما حاول تشخيصها بعض اللّاعبين في العملية ، رسميين كانوا أو احتياطيّين ، و إن كانت تتطلّب الإعداد الجيّد و التدبير المحكم فإنّ الحملة الانتخابية و عمليات الطعن بعد ذلك هي كذلك أخفّ وطئا من الساعات و الأيّام التي يباشر خلالها الرئيس تشكيل الحكومة التي يفترض أن يتولّى قيّادتها للسّنوات الخمس التالية .

لو كانت لرئيس الحكومة حرية مطلقة لاختيار الوزراء من داخل الحزب و من خارجه فلا شكّ أنّ النتيجة ستكون حكومة أكثر انسجاما إلى درجة المثالية و أقرب إلى تصوّر الحزب على الأقل نظريّا حول الحقائب الوزارية و عددها و من سيتولّاها ، و بما أنّ حزب عبد الإله ابن كيران لا يتوفّر على الأغلبيّة المطلقة و هذا في نهاية المطاف سبب ذاتي ينضاف إلى أسباب أخرى موضوعية متعلّقة بنظام الحكم ، فتشكيل الحكومة دون تقديم تنازلات يعتبر أمرا مستحيلا ، و ليس المقصود بذلك غير التنازل عن تطلّعات قواعد الحزب و تصوّرات منظّريه ، و انتظارات المصوّتين له و الكتلة الناخبة عموما ، و التنازل عن السّقف العالي الذي تشيّده بحسن نية دردشات المواقع الاجتماعية و مزايدات الخصوم السيّاسيين حول تشكيلة الحكومة و عدد أفرادها و عدد و أسماء الأحزاب المكوّنة لها .

و أعتقد أنّ رئيس الحكومة كلّما جلس أمام المفاوضين من الأحزاب حول المشاركة في الحكومة ابتداء أو حول اقتسام الحقائب الوزارية و توزيعها حسب أهميّة كلّ واحدة منها و حسب قامة كلّ حزب في البرلمان يستحضر أنّ من خلفه تطلّعات عموم المواطنين إلى الحرص على الحكمة و الحكامة ، و النجاعة و الكفاءة ، و البعد قدر الإمكان عن الترضيات بواسطة خلق حقائب إضافية و تكثير سواد الوزراء و المنتدبين و الكتّاب على حساب المال العام و بدون ضرورة ، كما يستحضر أن مِن حوله و بعيدا عن الطاولة و ربّما أبعد كثيرا ، مَن لهم آراء نافذة إن لم تكن على الأقلّ مؤثّرة في موضوع التشكيلة الحكومية .

هو موقف لا يحسده عليه إلّا جاهل بالعقبات و الصّعوبات ، و الضّغوطات و الابتزازات ، و التدخّلات و التداخلات التي تعترض طريق تشكيل الحكومة ، حيث على رئيس الحكومة التّعامل مع الزاهد في الحقيبة و الحريص عليها أشدّ الحرص ، و التفاوض مع من يعرف حق قدره و من يعتبر نفسه مركز الكون الذي تدور حوله باقي الكواكب ، ومع من يملك قراره و ذاك الذي يأتمر بالمكالمات الهاتفية و الرسائل القصيرة ، قد يستعين في موقفه هذا بإخوان له من داخل الحزب و من خارجه و قد يستنير بقول رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ” سدّدوا و قاربوا ” ، و قد يستأنس بالقول المشهور ” فوق الطاقة لا تلام ” ولكن حتما لن ينقشع غبار هذه المفاوضات عن فريق الأحلام .