وجهة نظر

البرلماني الموحي: الظاهرة التي حيرت العلماء

تحول اسم ابراهيم الموحي، هاته الأيام، إلى ” ماركة عالمية مسجلة” و أصبح رقم هاتفه و معلوماته مطلوبة جدا لدى كبريات الجرائد والمواقع والتلفزات المغربية والعالمية. الكل يتصل بي، باعتباري من أبناء جماعة واولى التي يسيرها السيد الموحي منذ أربعين عاما، و لأنني، ربما، أول من كتب وبشكل منتظم و”حاد” عن ” الظاهرة الموحية” في السياسة منذ أزيد من سبع سنوات.

كانت أسئلة الصحفيين الذين اتصلوا بي تتمحور أساسا حول السن الحقيقي للسيد الموحي ومستواه الدراسي و انتماءه السياسي و رئاسته للجماعة وعدد زوجاته وأولاده… وكانت الإجابات بالنسبة إليهم صادمة جدا جدا. وكانت ” اللازمة” التي رددتها ألسنتهم جميعا هي: كيف تمكن هذا الرجل من حكم جماعة واولى أربعين سنة بهذه المواصفات؟ وأكثر من ذلك، كيف تم انتخابه برلمانيا مرتين؟

وحقا تحقيقا محققا، فلا يمكن لذي عقل سليم و تحليل منطقي إلا أن يحس بالدهشة والإستغراب، بل والصدمة وهو يسمع أن السيد ابراهيم الموحي، الذي سيترأس، مؤقتا، افتتاح دورة البرلمان الخريفية غدا الجمعة أمام الملك، من مواليد سنة 1929، على الأوراق أما الحقيقة فعلمها عند ربي، وهي نفس سنة ميلاد الملك الراحل الحسن الثاني، رحمه الله. غير أن الشعور بالصدمة الكبرى يأتي بعد معرفة أن ” الشيخ الموحي” أمي لا يعلم الكتاب إلا أماني. رجل عجوز لا يفك شفرة الحروف العربية، و ” يشرمل” الدارجة. أما اللغات الأجنبية فلا مجال للحديث عنها. ويحكم جماعة واولى، إقليم أزيلال، منذ أربعين سنة بدون إنجاز يذكر؟ نعم. إنها الحقيقة المؤلمة المفجعة. كيف حدث ويحدث هذا في مغرب القرن ال21؟ وخطاب 9 مارس؟ و دستور2011؟ وانتخابات 2016؟ و العهد الجديد؟ ووو؟

نعم.. إنها الأسئلة الحارقة المؤرقة المحيرة. كيف لشخصية بهذا المستوى المعرفي والعلمي والتكويني والتدبيري والنضالي الهزيل، الذي يلامس الصفر، أن يسود ويحكم البلاد ويتحكم في رقاب آلاف العباد منذ عقود؟ لفهم ” الظاهرة الموحية” المعقدة، والتي حيرت علماء الأحياء وعلماء الأنتربولوجيا والأطباء النفسانيين، لابد من دراسة “الأساليب” و” الإستراتيجيات” و ” الخطط” الجهنمية التي يعتمدها ” الفيلسوف” الموحي من أجل ضمان استمرار ” حكمه” و الفوز ” الكاسح” بجميع الإنتخابات التي خاضها، ما عدا مرتين إحداهما برلمانية و الأخرى جماعية.

طبعا لبسط ” المقاربة الموحية” أو ” نظرية الموحي” المرتكزة على ” السياسة بلا علوم” بكليتها صعب وشاق ويحتاج إلى تأليف مجلدات، ولكن حسبي أن أشير، في عجالة، إلى بعض العناوين الرئيسية الأساسية، وربما العودة بالتفصيل، في مناسبات أخرى. بداية لا بد من التذكير أن السيد الموحي يستند على ” شرعية تاريخية” تتمثل في كون أبيه كان يشغل منصب ” شيخ” قبيلة كطيوة في عهد الإستعمار. وما أدراك من ” شيخ” أيام ” السيبة”.. فطبيعي جدا أن يرث الإبن ابراهيم ” سر والده” في الحكم والسلطة…
إذن، فأحد المرتكزات المهمة التي اعتمدها الموحي، وما يزال، لبسط سيطرته وسطوته على جماعة واولى هو ضمان التأييد التام و المساندة اللامشروطة لمختلف الإدارات والسلطات المحلية والإقليمية و المقابل طبعا يؤديه الموحي”هدايا” ثمينة وأخرى سمينة من “زريبته” و حقوله الشاسعة في المناسبات السعيدة ووقت الحصاد. بالإضافة إلى الولائم الدسمة على طول العام. ومن معه “المخزن” في منطقة قروية جبلية ف”فائز” و ” ناجح” لا محالة.

الأساس الثاني، الذي يستند عليه ” السوبر موحي”، بعد ضمان ” المخزن” بجانبه، هو “الكرم الحاتمي الموحي”. حيث يُعتبر بيته/قصره بمثابة ” زاوية” لا تتوقف عن استقبال ” الوفود” التي تنسل من كل حدب وصوب للظفر بوليمة شهية في ضيافة ” كبير القوم”. وولائم الموحي، ليست عادية ولا طبيعية، ف”الشاف ابراهيم” يعتمد عنصر ” الصدمة” و ” الإبهار” في إعداد الأطباق والوجبات. وقد حكى العديد، و ما أكثرهم، ممن حضروا “زرود الموحي” عن أنواع وأشكال وطرق تقديم وجبات الموحي التي لم يسبق لهم مطلقا أن رأوا مثلها بتلك الكمية والإخراج في التقديم.

ولكون الأغلبية الساحقة من ساكنة واولى فقراء معدمون، بالكاد يشترون كيلو غرام لحم وكيلو غرام فاكهة من السوق الأسبوعي، فطبيعي أن يبهرهم و يصدمهم مشهد نصف خروف مشوي على مائدة واحدة أو ” فريق” من الدجاج محمر محمول على ” البرويطة”، وفق شهادات، أو ” جفنة” من ” الديسير” من كل الألوان والأنواع والأحجام. مشهد سوريالي، لا يمكن، في نظرهم، أن يصنعه إلا رئيس. و يتم اختيار الضيوف بعناية فائقة، حيث يحضر، وجوبا، أعيان الدواوير والقبائل وهم الذين ستوكل لهم مهمة ” الهندسة الإنتخابية” في الوقت المناسب.

العنصر الرابع، ضمن ” النظرية الموحية” هو تركيزه على فئة كبار السن الأميين. حيث تعتبر هذه الفئة ” قاعدته الإنتخابية”. و هي الفئة الهشة التي يسهل الضغط عليها بالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى. هذا بالإضافة إلى أن أغلب الشباب يشتغلون خارج الجماعة في المدن الكبرى حيث أن الموحي لم يخلق فرصة عمل واحدة، اللهم التوسط للبعض للحصول على منصب “مقدم” أو”شيخ”، وهو الذي حكم الجماعة لأربعة عقود وما يزال. وبالتالي فأغلبهم لا يشاركون في عملية الإقتراع أو غير مسجلين أصلا في اللوائح الإنتخابية.

العامل الخامس المؤثر في بقاء الموحي ” أميرا” على منطقة واولى وما جاورها هو إحاطة شخصه بالكثير من ” الخرافات والأساطير” التي تتخذ بعدا عقديا و تتلبس بلبوس ديني. حيث أكد لي مجموعة من رجال ونساء المنطقة أن الموحي هو ” خليفة الله في أرض واولى” و أن الله هو من أراده في ذلك المنصب (الرئيس) و أن لديه ” حكمة” تجعله ” ينجح” كل مرة. ولو لم يرد الله أن ينجح لما نجح. و أن الله يمد له اليد ويبقيه في المنصب… وهناك من ذهب أبعد من ذلك و قال أن الجن مسخر للموحي و يعملون كجنوده في الأرض حيث ما تدخل في ملف إلا وحل بسرعة. وهذا طبعا ناتج عن علاقاته بدواليب السلطة والإدارة في الإقليم.

خلاصة:

إذن هي عوامل كثيرة، ولا يتسع المقام لذكرها كلها وبالتفصيل هنا، بعضها ” ديني عقدي” و بعضها ” اجتماعي اقتصادي” و أخرى ” سلطوي إداري” جعلت من ابراهيم الموحي ” حاكما بأمر الله” على سهول وجبال واولى منذ 40 سنة خلت. وكلها عوامل غير مرتبطة إطلاقا بكفاءته العلمية ولا بقدرته التدبيرية ولا بنضاله السياسي… فالموحي يعشق تغيير الأحزاب كما يغير جلابيبه، بل لا يجد حرجا في الحصول على تزكيات أحزاب مختلفة يوزعها على مرشحي واولى المتنافسين فيما بينهم. و من ينجح منهم ” يقتنصه” لحسابه بغض النظر عن اسم الحزب. لهذا تخلى معظم الصحافيين، ومنهم طاقم تلفزة مغربية، عن إنجاز تقارير حول الموحي الذي سيترأس البرلمان أمام الملك لأنه يرفض الحديث معهم خوفا من تكرار فضيحة الفيديو المشهور ولأن المعطيات كارثية و الشوهة كبيرة جدا جدا…