وجهة نظر

جماهيري يكتب.. مزاج الدولة والمناخ الديموقراطي

أنهى ملك البلاد كل السيناريوهات التي كانت تدور حول مجال محفوظ دستوريا له، في ما يشبه التعبير عن «انحباس ديموقراطي»، وتبنى الخيار الدستوري في تأويل التصويت الشعبي.

وقد اتضح أن رئيس الدولة، لم ينصع للسيناريو الذي وضعته نخب كثيرة بناء على .. غضب شخصي من رئيس الحكومة بدا حقيقيا بفعل الترويج الإعلامي، أو نفور مزعوم بين الملك وبين رئيس الحكومة…

واتضح أن حقائق السياسة خضعت للمعيار الانتخابي، المسيج بالدستور بمبادئ التغيير العام الذي دخله المغرب منذ 2011.

وهو تغيير لا يمكن الجزم أن جزءً من الذهنية السياسية قد انتبهت إلى حمولته، ومازالت تعتقد بأن مزاج الدولة هو الذي يحدد مناخ الديموقراطية!

ويحدد اتجاه الريح في أعالي الدستور ..!

تنسى هذه النخبة أن جوهر الدولة هو أنها “شخصية معنوية”، وأن إبقاءها كـ«شخصية طبيعية»، هو نسف للدولة أصلا!

وواضح أن الملك نفسه لا يرفع شخصه فوق الدستور، وهي نقطة حاسمة وكبيرة للغاية، في التاريخ المؤسساتي للبلاد.

وكان من الممكن أن يفضي تداخل الالتباس في النص الدستوري، ـ أو عدم دقته على الأقل في التنصيص على التعيين الدستوري للأمين العام للحزب الفائز – مع الطبيعة الذاتية للدولة في ترجيح كفة ما يعيق التطبيق السليم لنص المنهجية الديموقراطية،… غير أن ذلك لم يحصل!

لا سيما بعدم البحث عن بدائل من داخل الحزب نفسه، الذي نال الأغلبية الانتخابية.. وهو الاختيار الذي كان سيجر هذا الحزب إما إلى رفض التعيين أو إلى التفجير من الداخل.. أو هما معا!

ولا ننسى أن آليات من هذا القبيل اشتغلت -وأحيانا بنجاح باهر- مع أحزاب سياسية أخرى، كانت تفاعلات النظام تنفجر فيها بسهولة مفاجئة!

ويعتقد العبد الضعيف لربه ولشعبه أن هذه خيارات قوية تروم ديموقراطية في التعيين تحمي المشاركين فيه.

ولعل ما ذهب أيضا مع التعيين هو “الدسترة” المبطنة والعملية التي تريد بعض النخب أن تعطيها للطبيعة البشرية للملكية!

النقطة الثانية هي أن الميل إلى احترام الدستور، كان في جوهره احترام خيار شعبي موجود، كما أنه أبطل الحديث عن وجود نوع من الجفاء بين القصر -وهذه المرة يتجاوز الملك كشخص- وبين رئيس والذي كان يمثل مؤسسة الحكومة.

وهنا أيضا ملمح من ملامح الإنضاج الهادئ للحياة المؤسساتية، والتعامل على قاعدة دستور جاء -وسأكرر قولها – من أجل تغيير طبيعة الدولة!

وعند دراسة مواقف هذه الدولة، لا يمكن أن يغيب عن ذهننا دراسة تكوينها وتشكلها الجديد، وهنا لا بد من التذكير بتحذير بيير بورديو من “السوسيولوجيا العفوية” la sociologie spontanée التي تعامل بها جزء من التحليلات والنخب في السياسة والإعلام مع هذا “الجفاء” وإعطائه أبعادا لا يمكن تصورها في صناعة السياسة ببلادنا!

هناك تحول لا يمكن أن ننكره، بدأت صيغه تستقر في الساحة السياسية، يحتاج إلى تفكير عميق وشجاعة أدبية كبيرة: أين يقيم الشعب في طوابق التفكير عند النخبة: فوق؟ تحت؟ أعلى ناصية الدستور أم تحت عتبة المؤسسة؟

وهل يستحق أياً كان منا أن يؤوّل الدستور بما يعطل الشعب؟

هذه الأسئلة تتفرع عنها مواقف وسلوكات، تتجاوز اللحظة السياسية المباشرة التي نعيشها!
لقد ربح المغرب الكثير:

ربح ثالث تجربة -بعد تعيين عباس الفاسي وعبد الإله بنكيران لمرتين متتاليتين- في احترام المنهجية الديموقراطية، منذ أن كان الخروج عنها دليلا على تردد الدولة في مأسسة الشرعية الانتخابية….

ربح تلازم التصويت الشعبي مع القرار الملكي ..

ربح تجاوز المزاج الخاص -الذي سعت محاولات عديدة إلى «دسترته» – نحو اعتماد معطيات الدستور الذي سعى آخرون إلى .. التعامل معه بمزاج!

ربح رجة هائلة تشبه البيغ – بونغ، ما زالت الأرض من شدتها تميد تحت أرجل اليسار، بعد أن رأى نفسه يقاد نحو مغادرة المكان السياسي، ويعيش كل مخاوف مغادرة الزمن السياسي كذلك!

ومن المحقق، بطبيعة الحال، أن جزءً من السؤال سيرتبط بممارسة السياسة في الحكومة القادمة، وبسلوك عبد الإله بنكيران كرئيس الحكومة، وما إذا كان سيوسع من استعمال صلاحياته من أجل ضمان أوسع للانتقال الديموقراطي المنشود.

ـــــــــــ

عبد الحميد جماهري رئيس تحرير جريدة الاتحاد الاشتراكي