وجهة نظر

الأزمة.. هبة وانبعاث الأمة

لا شك بأن للأزمة /الفاجعة مفاعيلها السلبية الرهيبة على الأرواح والممتلكات والمعمار والنفسيات، ولا شك بأنها كلما اشتدت إلا وانفرجت “إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا”، ولكن، لاشك أيضا بأن لها مفاعيل إيجابية عجيبة.

فبقدر الفاجعة كانت الهبة الوطنية الكبرى، رسمية وشعبية، وتحول الألم إلى طاقة خارقة للوحدة والتضامن والعمل .

لا غرابة … نحن أمة عتيقة، عريقة جدا تعودت كلما حلت بها فاجعة، وكثيرة هي في تاريخنا، أن تتصرف فعلا كأمة، تتعالى وتتسامى روابطها على كل الروابط الحديثة أوالمستحدثة( مؤسسات، دولة، وسائط، سلطة ..الخ ) لتلامس بل وتتجاوز عتبة وحدة الروح، في ألمها وشجنها وهبتها وانبعاثها .

في كتاب المؤرخ الفرنسي الكبير شارل أندري جوليان 1891_1991 “Le Maroc face aux impérialistes 1415 _1956 ” الصادر سنة 1978، كما في الأجزاء الثلاثة من كتاب المؤرخ المغربي الرائد عبد الله العروي “مجمل تاريخ المغرب” الصادر سنة 1984، والذي يستشهد فيه الأستاذ العروي نفسه بعلمية ودقة المؤرخ الفرنسي واصفا إياه بأنه من أحسن وربما أحسن من كتب عن تاريخ المغرب

من المؤرخين الأجانب، يقف القارئ على الحقيقة العلمية والتاريخية لعراقة أمتنا المغربية.

بالرجوع إلى التاريخ الإسلامي، نحن ثاني دولة إسلامية استقلت عن الدولة العباسية وأعلنت نفسها دولة سنة 789 ميلادية، وبذلك فعمرنا الإسلامي يناهز الثلاثة عشرة قرنا .

وأما عمرنا الممتد بعيدا خلف هذا التاريخ فيعود لما قبل الميلاد، بل وما قبل التاريخ، الفينيقيون على سبيل الذكر كانوا هنا كمستعمرين مابين القرن السادس والثامن قبل الميلاد .وقبلهم وبعدهم كانت هنا أطماع الوندال والرومان وأطماع إمبراطوريات وقوى أخرى، كما حلت بنا فواجع وانتكاسات كبرى، وكان أبناء “مازيغ”، جدنا الأول على أرض المغرب ( واسمه يعني من ضمن ما يعنيه الرجل الحر)، وإخوتهم ممن استعربوا وأسلموا ينصهرون في بعضهم، إذ امتزجت الدماء والأرواح والأنساب والأعراق مشكلة أمة بكل ما يعنيه ويرمز له معنى الأمة “كمجتمع فوق وطني له تاريخ “.

أمة أعطت للتاريخ دروسا في قدرتها على النهوض بعد كل كبوة / فاجعة سواء أكانت زلزالا أومجاعة أووباءا، أوجائحة أوجفافا، أوحربا وتحرشا واعتداءا .

غير بعيد عن لحظتنا الحزينة الراهنة، داهمتنا منذ بضع سنين جائحة كورونا، ولم تكن إمكانياتنا لتسعفنا على حسن وديمومة المقاومة والنجاح في ذلك …ولكن إرادة الدولة / الأمة انتصرت.

واليوم، وقد حل بنا أحد أسوأ أقدارنا، ونحن نحصي موتانا وجرحانا وأراملنا وأيتامنا وخرابنا، اليوم وقد تحولت قرى ومداشر إلى مقابر، اليوم ونحن نمشي على جرحنا … فها هي الأمة التي فينا تنبعث لهزم الأزمة.

مثلما فجع الجميع، هب الجميع : ملك وشعب، أشخاص ومؤسسات، خاصة وعوام، هنا وهناك، كل مما عنده ينفق .

لا مجال هنا لسياسة أوإيديولوجية، ولا لجنس أوسن أوعرق أولون أوموقع .

لا أولوية غير دفن الموتى،وإنقاذ وإسعاف الجرحى والناجين، وتوفير المأوى والماء واللباس والدواء والغذاء والرعاية النفسية والطبية ..

تامغربيت هوعنوان أمتنا المغربية .

أمتنا التي من شدة عراقتها وإشعاعها داخل الجنس البشري منذ أن وجد، تألم لألمها وبكى لبكاءها الأصدقاء والأشقاء، ودعى وصلى من أجلها المؤمنون من كل الديانات في كل البقاع والقارات.

أمة لا بد أنها ستنتصر، بهبتها ودعم الإنسيين humanistes الصادقين من المحبين والمتعاطفين، وليس السياسويين المكيافيليين.

أمة ستنتصر خصوصا بسيادتها ….وعزتها وكرامتها لأنه ” تموت الحرة ولا ترضع من ثديها “.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *