وجهة نظر

الراهن السياسي بالمغرب

توطئة الإصلاح سنة كونية، وقاعدته الأساسية الاختيار الديمقراطي، والذي صنفه المشرع الدستوري ضمن ثوابت الأمة، بعد الدين الإسلامي السمح والملكية الدستورية، والوحدة الوطنية. وكل مشروع إصلاحي انزاح عن هذه الثوابت مخالف للدستور. إنه الضامن للحرية والكرامة والمسؤولية والعدل. في إطار الشرعية والسيادة. ولن يكون إلا في ظل الاستقرار. باعتبار أن السلطة هي التوزيع العادل لقيم الديمقراطية. وتحقيق المصالح الايجابية مرتبط بالقيم الراقية. والممارسة السياسية والمدنية تنطلق من رؤية فكرية ومعرفية وطبيعة النظام السياسي الذي نشتغل فيه. مع استحضار الوضع الدولي الذي يعج بالأحداث. فهناك تدافع قوي بين الدول الكبرى. إضافة إلى أزمات عابرة للقارات، وحروب وانقلابات. لهذا بقدر ما ننفتح على العالم، بقدر ما تكون لنا خصوصية مسجلة خاصة على مستوى التوازن بين الرأسمال المادي و غير المادي. لأن الحروب المستقبلية تنصب على المرجعيات ومعايير نمط العيش المختار. ومن تم تشكل الاستحقاقات اختبارات لمدى الملاءمة مع الاختيار الديمقراطي. وهذا أمر بنيوي وهيكلي في التقويم. والمشهد السياسي اليوم مختلف لما سبق. والأمور غير مفهومة على مستوى الخرائط. فهل فعلا تطفو رائحة الديمقراطية من خبايا المؤسسات المنتخبة ؟ إذا كان الجواب بالنفي فإن الانعكاس ليس في صالح الأمة ومواطنيها. ويضر الذات والموضوع، ويخلخل الدال ويشوش على المدلول. فما هي تجليات ما وقع؟

اختيار الأزمة أم أزمة الاختيار

هل نقارب أزمة سياسية أم سياسات عمومية للأزمة؟ كيف نفسر تطور حظوظ الأقلية والتقليص من الفئة المتوسطة وقهقرة الفئات المستضعفة؟

هل يمكن الحديث عن قرارات سياسية؟ كيف نرى بصدق مستوى الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية؟

هل يمكن الحديث عن فاعلين سياسيين؟ ما هي نسبة القرارات والمشاريع والاصلاحات التي لبت حاجيات المواطنات والمواطنين؟ أكبر من ذلك ما هي نسبة تنزيل مخرجات اللقاءات التي يشرف عليها جلالة الملك فعليا؟ أين مشروع الدولة الاجتماعية؟ أين الحماية الاجتماعية؟ أين أصحاب المساعدة الطبية و ما هو مصيرهم في ظل أغلبية مريحة مركزيا واقليميا؟ ام هو تغول بلغة أحد القادة السياسيين. لماذا يعرقل التنسيق بين الفرق والمجموعات النيابية المعارضة ؟ لماذا نعتمد التأويل المغلوط للدستور من أجل تبرير غياب رئيس الحكومة للتواصل مع البرلمان؟ مع الإشارة هذه فرصة سانحة للتواصل مع البرلمان والمواطنين والمواطنات؟ إن السلطة التنفيذية تعتمد الشرعية الرقمية غير المفهومة من أجل تبرير ما تريد؟ إن المطلوب هو التجانس من أجل إنجاح المبادرات والاجتهاد في الاستمرارية والتحصين تجنبا لكل عواقب لا تبشر بخير. وهذا ما نراه منعكسا اليوم على مستوى الجماعات الترابية. حيث نلمس اعطابا على مستوى التنمية. ولا غرو أن السنة الثالثة من عمرها ستكون حلبة لصراع المصالح في أغلب الحالات ، وقد انطلق المشوار للأسف الشديد. والسؤال المطروح هل الأغلبية اليوم في وضع محمود مع الشعب؟ هل حقق الشعب مبتغاه من خلال العمل الحكومي ام أن السائد هو القبيلة و الغنيمة حسب تعبير الجابري رحمه الله، ومنطق الشيخ والمريد سياسيا وليس روحيا حسب عالم الاجتماع الدكتور عبدالله الحمودي؟ إن هذا الاختيار للأسف حرك الإعلام الرقمي بقوة، وأصبحت الأزمة بنيوية غير قابلة للتفكيك.

إن بنك المغرب حدد سعر الفائدة الرئيسي في3 في المئة، من أجل التقليص من التضخم، المحدد للاستثمار والتشغيل و الأسعار. وتفاقم العجز التجاري سنة 2022 إلى 56.4 في المئة. وهناك احتجاجات على التعيينات خاصة في التعليم العالي. حتى أن بعض الاساتذة عبروا على هذا ببؤس المباريات الجامعية، والإجرام الجامعي. أما الأمن الغذائي فيسائل الحكومة على السياسات الفلاحية، والميثاق الجديد للاستثمار الذي كان من المتوقع أن يركز على أولويات الغذاء والطاقة و الماء والصحة. كل هذا يعزز السيادة الوطنية. وتراجعت مبيعات الفوسفاط ومشتقاته إلى 46.87 مليار درهم. خلال شهر غشت 2023. باختصار هل نحس جميعا بالعمل الحكومي نحو الايجابية ؟ سؤال مفتوح للجميع.

الأحزاب السياسية و المشهد السياسي.

يجب أن نميز بين العمل الحزبي والعمل السياسي. فالعمل الحزبي مؤطر دستوريا و قانونيا وتنظيميا. أما الفعل السياسي فهو يسكننا جميعا ونسكنه.

إن العمل الحزبي يطرح مجموعة من القضايا أهمها الاختيار الديمقراطي الذي ينطلق من احترام زمان و مكان وتوصيات وقرارات المؤتمرات العامة للأحزاب السياسية. لكن للأسف بعض المسؤولين يتوقون إلى تدبير أحزابهم أكثر من ولايتين متتاليتين . كل هذا يطرح مصداقية هذه الأحزاب في الساحة السياسية. وعندما نجد اضطرابات داخل حزب معين نطرح سؤال البوصلة الفكرية، والسياسية و التنظيمية للحزب. ومدى قدرتها على مسايرة المستجدات المطردة. أمام هذا المعطى، كل حزب يجب أن يقوم خطابه السياسي، ومنهجه في الإصلاح، ومشروعيته في إطار التزاحم، والإكراهات التدبيرية، والارتقاء السياسي بدل تكريس المشهد العميق والمهيمن. والتجديد الديمقراطي. واليوم هل يمكن الحديث عن روح سياسية تسري في عروق الأحزاب السياسية؟ هل يمكن الحديث عن مضمون سياسي للأحزاب السياسية؟ أي نقد سياسي نقوم به وبأي أفق ديمقراطي؟ وماذا عن التأطير السياسي؟ إن هناك بعض الإشارات السياسية الإيجابية لكنها تبقى غير كافية بالمقارنة بالتحديات المطروحة.

خلاصات واستنتاجات

إننا أثناء التحليل لابد من استحضار قضيتنا الوطنية التي تعرف مقاربة شمولية بتوجيهات ملكية بناء على دبلوماسية الوضوح والطموح. والوسطية والاعتدال. أما الزلزال فنسأل الله تعالى أن يتغمد الموتى برحمته، ويشفي المرضى والمصابين. ونتمنى أن تتم كل العمليات المبرمجة انطلاقا من الحكامة الجيدة، و ربط المسؤولية بالمحاسبة. أما تعديل مدونة الاسرة فيؤكد جلالة الملك على ما يلي: “حريصون على ان يتم إصلاح المدونة في إطار مقاصد الشريعة وخصوصيات المجتمع. ونتمنى أن تكون لجنة الإشراف في مستوى المنهجية الملكية، احتراما للإرادة الشعبية. ونؤكد أخيرا على ان المساهمة في الإصلاح السياسي تشترط احترام كل سلطة ما لها وما عليها، والمواطنة الصادقة، وتمثل الاختيار الديمقراطي وربط المسؤولية بالمحاسبة، واحترام مبادئ الحكامة الجيدة واعتماد بوصلة فكرية تؤطر الفعل السياسي ، لأن العمل السياسي بدون رؤية فكرية عبث وعمى وبؤس. فهل ستعرف السنة الثالثة للعمل السياسي عامة و العمل الحكومي خاصة تحولات سياسية جادة أم أن الأمر سيزداد تعقيدا ومحنة على الإنسان والعمران؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *