مجتمع

هل تتراجع الفرنسية لصالح الإنجليزية فعلا في المملكة المغربية؟

سلطت الصحيفة الفرنسية “جون أفريك” الضوء على تراجع اللغة الفرنسية ببعض دول القارة الإفريقية، ومن بينها المغرب، لصالح الإنجليزية، وربطت ذلك بتراجع التأثير السياسي الفرنسي على القارة الإفريقية.

وقالت الصحيفة إن موضوع تراجع اللغة الفرنسية كان موضعا رئيسيا لوسائل الإعلام خلال العامين الأخيرين ، واللذين شهدا توترات عميقة بين باريس والرباط بسبب ملف الصحراء المغربية وقضية التأشيرات. كما ان هذا الموضوع أثير مجددا بعد زلزال الحوزر الذي ضرب مناطق متفرقة من المملكة في الثامن من شتنبر الماضي، والذي أبدى خلاله البلدان عبر مواقع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي “عداء متبادلاً وغير مسبوق”، وفق تعبير المصدر.

وفي التاسع والعشرين من شتنبر الماضي، رفض وزير الصناعة والتجارة المغربي رياض مزور التحدث باللغة الفرنسية عندما طلب منه أحد الصحفيين ذلك خلال المناظرة الأفريقية للحد من المخاطر الصحية المنعقدة في مدينة مراكش.

وظهر الوزير في مقطع فيديو أثناء فعاليات النسخة الثانية من المناظرة يرفض طلب صحفي بتحدث الفرنسية، قائلا إنه يفضل التكلم باللغة العربية أو الإنجليزية أو الإسبانية.

ويأتي موقف الوزير المغربي بعد أيام من حملة إلكترونية في المغرب تطالب بفرض تأشيرات على الفرنسيين عقب تشديد باريس شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس، بالإضافة إلى خطاب وجهه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغاربة أثار حالة من الاستياء بينهم.

وقالت الصحيفة إن هذا يمكن أن يؤثر على “النخب” الاقتصادية والسياسية والطبقات العليا في البلاد، والتي كانت في السابق تفتخر بتوجهها الفرنكفوني.

وأضافت أن الحديث عن التوجه نحو الانجليزية التي تحظى بإقبال متزايد في المملكة بدل الفرنسية يقابله خطوة يصعب تخطيها على الأقل في الوقت الحالي والمتمثلة في كون النخب وأطفالهم لا يزالون يجيدون الفرنسية، وكذلك الجزء الكبير من الموظفين (بما في ذلك الجيش والدرك والشرطة) يتحدثون بالفرنسية، بالإضافة إلى الجزء الكبير من المغاربة الذين تجاوزوا سن الأربعين والذين درسوا في فترة كانت فيها المدرسة العامة تقدم تعليمًا جيدًا أو سافروا إلى فرنسا.

وأشار المصدر أيضا إلى أن التأثير الفرنسي ما زال قويًا في العديد من الجوانب، بما في ذلك اللوحات وأسماء الشوارع ولافتات المتاجر التي غالباً ما تكون باللغة الفرنسية، حتى إذا كانت بعض الإعلانات تميل هنا وهناك إلى العربية والإنجليزية.

وتابعت الصحيفة بالقول: “تستقبل فرنسا – حيث تقدم المؤسسات التعليمية العالية أفضل نسبة جودة مقابل السعر – لا تزال تعددًا كبيرًا من الطلاب من المغرب (46,371 بين 2021 و2022) مقارنة بالدول الأخرى، وتزيد المعاهد الفرنسية في المملكة من أنشطتها رغبة منها في الإبقاء على الفرنكفونية في البلاد”.

في المقابل، قالت جون أفريك “إنه من الصعب أن ننكر أن انتشار الإنجليزية في المغرب هو واقع. بشكل خاص بين الأجيال الأصغر سناً وخاصة في المناطق الحضرية، والتي تفضل هذه اللغة بزيادة، مع الخلط بينها وبين الدارجة، مشيرة إلى أن هناك أسباب عديدة تفسر تراجع اهتمامهم بالفرنسية”.

ومن بين هذه الأسباب، تقول الصحيفة، أولاً، الإنجليزية هي اللغة الأولى في العالم، وهي لغة التجارة والمفاوضات والبحث والتعليم بامتياز، علاوة على ذلك، الكثير من الطلاب المغاربة الذين يسافرون إلى الخارج يختارون تخصصات متعلقة بالمالية والبنوك والأعمال، لأنه من الطبيعي أن يتعلموا في قطاعات تجلب الأموال.

كما أن الإنجليزية هي أيضًا لغة وسائل التواصل الاجتماعي (تيك توك، إنستغرام…) ووسائل الترفيه الشاملة (السينما، منصات البث، الكتب الأكثر مبيعًا للمراهقين، الموسيقى)، وذلك راجع لكون الشباب المغاربة منفتحين ويتابعون ما يجري في هذا العالم.

لفترة طويلة، كانت اللغة الفرنسية أيضًا مؤشرًا اجتماعيًا. يجيد الأطفال الذين كان لديهم فرصة الدراسة في المدارس الخاصة أو المدارس الفرنسية، والنمو في عائلات تتحدث الفرنسية بطلاقة، وغالباً ما يتحدثون اللغة بشكل مثالي، في كثير من الأحيان على حساب اللغة العربية. بينما يتأخرون أطفال الطبقات الاجتماعية الأدنى، نظرًا لعدم وجود مدرسة عامة فعالة.

وأضافت الصحيفة أن الإنجليزية، التي تتميز بالبساطة وسهولة الوصول إليها، تحقق نوعا من المساواة بين المغاربة. عكس الفرنسية التي كانت مؤشرا واضحا على الطبقات التي تعيش في المغرب، إذ كانت العائلات الثرية تتحدثها بطلاقة في حين تفشل الطبقات الدنيا في ذلك.

ولفتت “جون أفريك” إلى أن انتشار الانجليزية في المغرب مرده إلى ظهور النموذج الأمريكي الإنجليزي كأكثر حداثة وسلاسة من النموذج الفرنسي.

وفي السياق ذاته، قالت الباحثة ومديرة قسم اللغات والثقافات والحضارات في الجامعة الدولية بالرباط، سارة مجدوبي، في تصريح للصحيفة الفرنسية، “إن المغاربة بسبب تاريخهم المرتبط بالهجرة متعددو اللغات، فالعديد منهم يجيدون على الأقل لغة ثانية بمستوى متقدم أو متوسط. وهذا يعد ميزة لا تُنكر، والإنجليزية تصبح في النهاية إضافة جديدة إلى تركيبتهم اللغوية والثقافية”.

وبالرغم من توجه وزارة التربية الوطنية نحو تعميم اللغة الإنجليزية في المدارس المغربية، تضيف الصحيفة، ستظل اللغة الفرنسية جزءًا من التراث بشكل ضمني، لأنها أيضًا أثرت في الثقافة المغربية، وسيظل الأشخاص الذين يشعرون بقربهم من هذا التراث مستمرون في ممارستها. ولكن لتحقيق ذلك، من الضروري أيضًا أن تظل فرنسا مفتوحة على نفسها بدلاً من الانغلاق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • فهمي
    منذ 6 أشهر

    لماذا لا لمواطن يتقن اللغتين العربية بالآمازيغية حتى السنة الإشهادية الإعدادي مع امتلاك قواعد الفرنسية وشيء من الإنجليزية وإتقان الفرنسية مع الثانية باكالوريا وإتقان الإنجليزية في الجامعي دون أن ننسى الرياضة كل حسب ومؤهلاته الجسمانية مع تكفل الدولة بمصارف القطاعات الرياضية وخلق بنك المعلومات الأبطال

  • الإنجليزية لغة عالمية و الفرنسية متجاوزة
    منذ 6 أشهر

    الإنجليزية لغة عالمية و لغة المستجدات العلمية يجب على يعتمد عليها و إلا سيصبح متجاوزا