منتدى العمق

محمد السادس .. الملك الشجاع أو “مهاتما” القرن 21

لقد تحدثنا فيى كتابات أخرى عن ثورة الملك والشعب الثالثة في عهد الملك محمد السادس،والتي انبنت أساسا على :بناء الديمقراطية، التنمية البشرية، بالقضاء على الجهل والفقر، العدالة الإجتماعية، الإنصاف والمصالحة، مواجهة التعصب والتطرف بكل أشكاله وألوانه، ومواجهة الإرهاب بلاهوادة، ونشر الأمن والطمأنينة بين الناس…

في هذه المداخلة سوف لن نتحدث عن هذه الأشياء ،ولاعن عن مدى نجاحها،أوإلى أي درجة وصلنا في الكفاح من أجل تحقيقها…

– أريد هنا أن أتحدث عن الملك محمد السادس، الذي أطلقت عليه نعت “الملك الشجاع “،لماذا؟

محمد السادس ،ملك هادئ،رزين،منفتح ،متسامح…ويقال أن من مميزات الشجاعة أيضا،هي “أن يملك الإنسان نفسه ساعة الغضب…”(حديث نبوي شريف)

وأرسطو يحدد الغضب،وكيفيه تصريفه بالشكل التالي ،يقول:”أن يغضب الإنسان فهذا أمر سهل،لكن أن يغضب من الشخص المناسب في الوقت المناسب،وللهدف المناسب،وبالأسلوب المناسب،فليس هذا بالأمر السهل..”(من كتاب أرسطو –الأخلاق).

هذه مميزات أساسية في الشجاعةالحقيقية،الشجاعة لاتوجد في التهور،والتعصب والتطرف،والإندفاع ،واستعمال العنف والقوة،والإنغلاق على الذات من أجل الترهيب ونشر الخوف،ولا في الزعاق وتكسير الطاولات،والسب والشتم،وتوظيف هذا كله في لغة الخشب،والتي حاول بعضهم تحويلها إلى حديد،بالتسلح بالسيوف والخناجر…ثم هنالك التسلط والتحكم والإستحواذ على كل شيء بالترهيب،بل وأحيانا بالتصفية الجسدية،لتغيير خريطة سياسية أو ثقافية في بعض مناطق المغرب،كما فعل بعض المجرمين في مدينة مكناس،ليظهروا كأبطال في المقاومة والوطنية والسياسة،التي سرقوها من أسيادهم الحقيقيين….
لنعد إلى مميزات ملكنا..

– هناك أشياء لايرى الناس منها إلا الظاهر والمظاهر ؟ !!

من رؤيتنا للملك محمد السادس يتجول في شوارع مدن المغرب،أو شوارع دول شقيقة وصديقة،ويأخذ الصور المتنوعة مع مواطني تلك الدول ،أو مع مواطنين مغاربة في الداخل والخارج..

إن الأشياء التي لم يننتبه إليها الناس في سلوك الملك هذا،بالإضافة إلى التواضع،يمكن أن نعتبر سلوكه هذا عبارة عن رسائل هي غاية في الشجاعة،والدعوة إلى التعايش والسلم والتهادن والتساكن بين الناس على اختلاف أعراقهم وعقائدهم…

لقد ٍرأيناه يتجول في أزقة تونس الشعبية،-ومرة مع ولي عهده مولاي الحسن-،وذلك بعد الضربة الإرهابية التي أصابت تونس،وزعزعت استقرارها …إن هذا التصرف من الملك،فيه رسالة إلى العالم وإلى سكان تونس الشقيقة،أن الإسلام هو دين التسامح والتعايش،وأن الذين يقومون الآن بتفجير أنفسهم،وقتل الناس الأبرياء،لاعلاقة لهم بالإسلام،وأن هناك أياد خفيةتحركهم من أجل خلق وضع عدم الإستقرار والفوضى،…إذن يجب التصدي لهؤلاء المجرمين،ليس بالإجراءات الأمنية وحسب،وإنما بالتحدي والتحلي بالشجاعة،والقدرة على المواجهة،وإبعاد الخوف والجبن،اللذين هما من أهداف المجرمين الإرهابيين،،يريدون أن تسكن الأنفس حالات من الرعب والخوف،وعدم الإطمئنان،وبالتالي إيقاف عجلة السير العادي للمجتمع والدولة والإقتصاد…

والنقطة الثانية التي يريد الملك إرسالها إلى العالم،هي أن تونس مستقرة،وأن الإرهاب لا يمكن أن يوقف الحياة والسير العادي لمرافق الدولة والمجتمع،أو أن يشل المرفق الحيوي في الإقتصاد ،ألا وهو القطاع السياحي…

عندما يظهر ملك من المغرب الأقصى،أعزل بلا جيش ولا أمن ولا شرطة،يتجول بين المواطنين العاديين،في شوارع المدينة القديمة ،ويتبضع من أسواقها… هذا شيء مذهل ،وهل هناك شجاعة أكثر من هذه؟

إنه يبث الإطمئنان في النفوس ،للسكان المحليين وللأجانب الوافدين للسياحة والإستجمام…(وإخواننا في تونس الآن، يردون لنا الصرف ناقصا في قضيتنا الوطنية !!…ما علينا ستبدي لهم الأيام).

ونفس الشيء يمكن أن يقال –اليوم – عن فرنسا- حيث يتواجدالملك أواخر غشت وبداية سبتمب 016- بعد العملية الإرهابية التي ضربت فرنسا… حسب التقارير الفرنسية أصبح الفرنسيون يعيشون رعبا وخوفا لامثيل له في تاريخهم الطويل، ومنذ الإحتلال النازي لفرنسا في الحرب العالمية الثانية… أصبح الكل يتجه بأصابع الإتهام نحو المسلمين،ويعتبرونهم السبب فيما يعيشونه من رعب،وأنهم المسؤولين عن كل الأرواح التي أزهقت… ىبطبيعة الحال هناك جهات تريد تثبيث هذه الرؤية المغلوطة في عقول الفرنسيين،وتزكيها بعض الصحف والكتابات ذات التوجهات العنصرية …

لكن عموم الشعب الفرنسي ودولته ،بدأوا يفهمون اللعبة،ومراميها وأبعادها وأسبابها ،والمحركين لها ..الآن الملك في فرنسا،يتجول كل يوم في شوارعها ،ويدخل أسواقها ومكتباتها،وهوبذلك يبعث رسائل واضحة غير مشفرة،مفادها ،أولا ،أن الإسلام بريءمن الإرهاب،وثانيا ،على الفرنسيين ألا يسكنهم الخوف والرعب ،فيعتصمون في دورهم ولا يخرجون،لأن مثل هذا السلوك سيجعل الإرهاب ينتصر على إرادة التصدي والعيش المتساكن والمتسامح..

سلوك الملك فيه الكثير من الشجاعة والإقدام،ومن الحكمة والتبيان، على أن الفعل أكثر من الرسائل الديبلوماسية والمواساة اللغوية..
ليس هناك أي رئيس دولة في العالم أو ملك، يقوم بمثل ما يقوم به الملك محمد السادس،وفي دول عرفت ضربات إرهابية خطيرة وقاسية مثل تونس وفرنسا..

أي رئيس سيرفض ،ولو قالوا له ،ستكون معك كتيبة عسكرية وفرق أمنية مدربة.. والملك ليس معه إلا إرادته وحبه للناس ،وحبه للتعايش والتساكن والتواجد بينهم،وحبه الإطلاع عن قرب عن أحوالهم ومعاشهم، وكيفية تصرفهم مع أحوال الدهر، ومشاكل السياسة والإقتصاد…

كما أنه يقدم مساعد بسيكولوجية مهمة لشعوب المناطق التي عرفت ضربات إرهابية قاسية.

إنها رسائل حب وتعايش ،وفي نفس الوقت تحد وشجاعة،وكأن لسان حاله يقول للإرهاب وللإرهابيين،ولمن وراءهم،سوف لن تستطيعوا إرهابنا ،أو أن تعشش أفعالكم في نفوسنا الخوف والرعب والجبن،إننا نتحداكم وسنهزمكم كما هزمت كل حركات الترهيب العنصرية والإبادة الجماعية في الماضي،وجماعات الحقد والكراهية المتولدة عن التزمت والتطرف الديني والعقائدي…

إني أرى الملك محمد السادس في حبه للسلم وكراهيته للعنف،وتمسكه القوي بالتعايش والتساكن بين الناس،وعمله الدؤوب من أجل السلم ونشر الأمن ،سواء بين الشعوب أو الجماعات والأفراد ..

أرى فيه نفحة وروحا من داعية السلم الكبير،في القرن العشرين،المهاتما غاندي،الذي أطلق عليه شاعر الهند الكبير،طاغور،لقب ” المهاتما”Mahatma،أي “الروح السامية”… كما سميت فلسفة غاندي بالساتياغراها Satiagraha ،وتعني القوة المتولدة عن الحب وعدم استعمال العنف،أو نشر الكراهية …

ومحمد السادس يجسم بحق تلك الروح السامية، التي تنبعث منها قوة ذات جاذبية كبرى،وهي متولدة عن الحب ونبذ العنف والكراهية..
وهل هناك في العالم الآن، من داعية للسلم ونبذ العنف والكراهية أكثر من ملك المغرب،سواء داخل وطنه أو خارجه،إنه يجسد روحا وعملا،الحب بكل معانيه الإنسانية السامية …

– الشجاعة أيضا،هي أنه أظهر للعالم أجمع،أن هناك شعبا يمارس حريته وديمقراطيته  لوحده،وبمؤسساته المنتخبة والمستقلة،ولاأحد يتدخل في سيرها ،أويطعن في قراراتها،وقد يكون ملك البلاد ،خارج الوطن ولمدة طويلة قد تصل للشهر،والأمور تسير وكأنه موجود،والكل في استقرار وطمأنينة ،وأمن وسلام،لأن هناك ثقة متبادلة بين الملك وشعبه…
هذه أشياء لانراها في أية دولة ،وحتى الدول ذات الديمقراطيات العريقة،حيث لا يستطيع الرئيس الغياب عن دولته أكثر من ثلاثة أيام،أما في الدول المتخلفة ،فهذا مستبعد ومن سابع المستحيلات،ففي هذه الدول الأخيرة ،الرئيس ينام في قصره ،والمئات من الحراس يحيطون به،وبالرغم من ذلك لايأتيه نوم بالليل ،مخافة الإنقلاب عليه،والتفكير في سؤال ،هل سيبقى غدا في الحكم؟

في بداية عهد محمد السادس ،كتب وتقوَل الكثيرون حول مصير الملكية في المغرب،أجانب ومغاربة، حتى أن منهم من اعتبره آخر ملك بالمغرب !!

هذا فيه الكثير من الجهل وعدم المعرفة بتاريخ المغرب وتراثه وتقاليده ،وطرق التفكير الجماعية به،إنهم بكل بساطة جهلاء أعماهم الحقد والحسد،وغطت أبصارهم وبصيرتهم سحب داكنة،جعلتهم لايرون تاريخ هذه الأمة المجيد الممتد لأكثر من إثنتي عشر قرنا…وأن ملوك المغرب ،ليسوا كطغاة الشرق ،ولا كقياصرة الغرب ،وإنما أناس اختارهم الشعب من وسطه،ليصلحوا أحوله الدنيوية والدينية …
أقول لأولئك الحاقدين،لاحظوا الآن هل ترون شعبا في هذه الأرض أكثر تعلقا وارتباطا بملكه أو رئيسه، ،مثل ما هو عليه الحال بالمغرب،وأقول لأولئك الذين تنبأوا بثورة “الحمص أو اللوبيا أو الكامون”،إنكم تعيشون أحلام اليقظة،وتفكرون بمنطق أهل الكهف،خرجوا فوجدوا الدنيا بغير الحالة التي كانت في عقولهم،فاحتاروا بين الرجوع لسباتهم العميق والطويل،أو التفرج على الواقع،والتمني لو أنه يتغير ليتكيفوا معه !!!

ومنهم من يشبه دعاة ق16 وق19،مثل ذو القرنين الذي ظهر بالجنوب ،وبوحمارة الذي ظهر بالشمال… إنهم مصابون بهذيان وجنون العظمة..

– ثم هناك شيء آخر لا ينتبه إليه الناس،إن الملك محمد السادس أحيا شيئا مارسه بعض أجداده، وكان يبين عن إخلاص هؤلاء الملوك لوطنهم ،وخدمته بكل تفان ومسؤولية،ثم نشر العدل والإستقرار ،والقضاء على كل ما من شأنه أن يمس وحدة البلاد وسيادته…

تذكر المصادر أن المولى إسماعيل،لم يستقر بقصوره التي بناها في مكناس ،والتي اتخذها عاصمة له،إلا في العشر سنوات الأخيره من حكمه،في حين نجده قد قضى أكثر من أربعين سنة وهو يجوب المغرب شمالا وجنوبا وشرقا وغربا،من أجل حفظ السيادة ونشر الأمن، والقضاء على السيبة،وتفقد أحوال الرعية…

والشيء نفسه وقع مع السلطان الحسن الأول ،الذي كان يقال عنه ،أن عرشه كان على جواده،حتى أنه توفي في الطريق بين مراكش وفاس،وسط خيمته المنصوبة في البراري ،ولأسباب سياسية ،أخفى حاجبه (بااحماد)موته، حتى لاتقع فتنة،وإلى حين اختيار الخلف…

محمد السادس يكسر هو الآخر ذلك التمركز المقيت وسط العاصمة الرباط،لأن ذلك المكوث يحجب الرؤية الحقيقية للواقع الذي يعيشه الشعب في مدنه وقراه،فالحقيقة السياسية توجد في الهوامش وليست في المركز ،كما يعتقد سياسيونا الجهلاء،لذلك تراهم قد “تخشرموا”على العاصمة،كسحابة من ذباب..

وهذا ما جعل بعضهم يسقط في الخطأويعتقد أن “التحكم”لايوجد إلا في الرباط،في حين أن التحكم الحقيقي هو موزع بين المدن الكبرى،وأن أدواته الضاربة ،توجد بهذه المدن ،التي يجهل سياسيونا عنها الشيء الكثير ،وبعضهم لايعرف عنها شيئا، إلا ساحة أو قاعة فيها، قد يأتيها كل خمس سنوات، ليلقي خطابا مملامكررا،ومنفرا من السياسة وأهلها..

وكم من المثقفين والسياسيين الإنتهازيين،فعلوا كل شيء من أجل الإنتقال إلى الرباط ليكونوا –وحسب اعتقادهم وانتهازيتهم- قريبين من “المخزن”،ومن أصحاب القرار،حيث تباع المناصب الكبرى في المزاد الخفي…يتحدثون عن الجهوية وهم يتمركزون !!

– وأخيرا،كمغربي يعرف تاريخ بلاده،ومطلع على ما يجري في العالم،فإني- وربما الكثير من  المغاربة يفكرون مثلي- أخاف على ملك اجتمعت فيه كل هذه الصفات الفاضلة،ملك استطاع أن يضمن حالة من الإستقرار والإطمئنان داخل بلده،ويعمل جاهدا على نشرها عبر العالم…

وخوفنا عليه نابع من خوفنا على مغربنا،وعلى وحدته واستقراره،وعلى السلم الإجتماعي الذي ينعم به… وخوفنا أيضا راجع لظروف تاريخية مرَ منها المغرب ومنذ قرون، وحتى أواخر القرن التاسع عشر.. مثلا يذكر الأفراني في كتابه النزهة، أن الناس في عهد المولى إسماعيل،وبعدما اختفى السلطان لمدة شهر،وتقول بعض المصادر أنه كان مصابا بسبب سقطة من أعلى جواده، يذكر :

أن الناس أصابها الهلع والخوف على حياة السلطان،وأضاف الأفراني أن الكثير من الناس،كان يتمنى لنفسه الموت قبل السلطان،خوفا من ضياع المال والأولاد والعرض،ومن انتشار الفتن،وما يصاحبها من قلة القوت ،وانتشار الجوع،وكثرة القتل،وتوقف دورة الإنتاج والإتجار، بسبب انتشار ظاهرة قطع الطرق … ويختم الأفراني بالقول أن الإنسان لاتعرف قيمته إلا بعد فقدانه،حيث تظهر فداحة الرزءويعظم الفقدان..

الأفراني كتب نصا فيه صورة حقيقية تحمل الكثير من المعاني والحقائق المتعلقة بالمغرب،خاصة فيما يتعلق بوجود الملك ورمزيته،وما يضمنه ذلك الوجود من أمن واستقرار وطمأنينة في النفوس،وضمان ازدهار الإقتصاد والتبادل الحر بين الناس ،وبين الداخل والخارج…

وكان الأفراني صادقا ومحقا ونقل الواقع بأمانة،بالرغم من أنه كان متعاطفا مع الدولة السعدية،رغم معاصرته للولى إسماعيل …

إن شخصية سلاطين وملوك المغرب كانت محورية وأساسية في بنية الدولة المغربية،وعاملا محددا لقوتها وازدهارها،أو لضعفها وتدهورها،ومن حظ المغرب أن توالى عليه ملوك عظام عملوا بكل قوة وصبر وعزيمة وإرادة على بناء المغرب التاريخي،الذي ساعدت في بنائه أجيال متتالية من المغاربة،مغرب تفتخر به الأجيال الحاضرة والمستقبلية…

ويعتبر محمد السادس من أعظم سلاطين المغرب،والمتميز بأسلوبه الخاص المساير لمتطلبات العصر والظرف التاريخي المغربي والعالمي..

كما يعتبر من دعاة نشر الحب والسلم والتعايش والتساكن بين الناس ،أفرادا وجماعات وشعوب،وعلى اختلاف أعراقهم ومذاهبهم وعقائدهم.

فأطال الله عمر ملكنا المستنير،حتى يتمم ما بناه الأجداد،ويزيد عليه،ويجعل من المغرب دولة ذات قوة اقتصادية وسياسية متميزة في افريقيا والعالم…

وما ذلك على إرادة ملك – بتلك المواصفات- بعزيز.