أخبار الساعة، مجتمع

الحق في الحصول على المعلومة خلال زلزال الحوز.. بين الواقع والممارسة

“المغرب بلد الشفافية والحريات”.. بهذه الكلمات علق الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، على تمكين مئات الصحفيين المغاربة والأجانب من تغطية أحداث الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز والمناطق المجاورة له يوم 8 شتنبر 2023.

وإذا كان 312 صحفيا أجنبيا قد قاموا بتغطية الزلزال وفقا لـتصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة، فإن الصحفيين المغاربة انخرطوا بدوهم في هذه العملية منذ الساعات الأولى التي تلت الكارثة الطبيعية، إلى جانب جمعيات المجتمع المدني التي هبت لإغاثة المنكوبين وتقديم الدعم والمساعدة لهم.

ولقد شكل الحصول على المعلومة مطلبا رئيسيا لمختلف الأطراف التي واكبت تداعيات زلزال 8 شتنبر، سواء تعلق الأمر بالصحفيين أو فعاليات المجتمع المدني أو المواطنين، باعتبار ذلك حقا من الحقوق الأساسية التي نص عليها دستور 2011 لاسيما الفصل 27 منه.

الإطار المرجعي للحق في الحصول على المعلومة

أكد الأستاذ الحسين بكار السباعي، محامي بهيئة أكادير كلميم والعيون، أن المغرب هو من بين الدول القليلة في العالم العربي التي ارتقت بالحق في الحصول على المعلومة إلى حق دستوري، من خلال الفصل 27 من دستور 2011، والذي تنص الفقرة الأولى منه على أن “للمواطنات والمواطنين الحق في الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام”.

وأوضح الأستاذ السباعي أن الحق في الحصول على المعلومة يجد له سندا في المرجعيات الدولية، وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 19)، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (المادة 19)، وكذا المادة 10 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي ألزمت الإدارات العمومية بضرورة تمكين المواطنين من الحصول على المعلومات واتخاذ التدابير الكفيلة لممارستهم لهذا الحق، تعزيزا للشفافية وترسيخا لثقافة الحكامة الجيدة.

ومن جهة أخرى، يجد الحق في الحصول على المعلومة تأصيلا في المرجعية الوطنية من خلال دستور 2011، علما أن الفقرة الثانية من الفصل 27 تنص على تقييد هذا الحق بمقتضى القانون، وذلك بهدف “حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة”.

في هذا السياق، كشف المحامي السباعي أن القانون التنظيمي 31.13 وضع لأجل تحديد مجال تطبيق الحق في الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارات العمومية، والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، وكذا شروط وكيفيات ممارسته، مسجلا أن إخراج هذا القانون يندرج في إطار تفعيل الديموقراطية التشاركية، وإرساء قواعد الحكامة، وإعمال الرقابة على عمل الحكومة والمجالس الجهوية والترابية والمؤسسات التي انتخبها المواطنون.

وأضاف ذات المتحدث أنه يجب أن تكون هناك مرونة في إعطاء المعلومات للمواطنين من طرف الإدارة والمؤسسات المعنية وتمكينهم من ممارسة الحق المكفول دستوريا، لأن ذلك يعتبر نوعا من الحكامة الجيدة وشكلا من أشكال ربط المسؤولية بالمحاسبة.

تحديات ومخاطر تعيق وصول الصحفيين إلى المعلومة خلال زلزال الحوز

تعددت التحديات التي حالت دون وصول بعض الصحفيين إلى المعلومة خلال الساعات الأولى بعد زلزال الحوز، حيث كشف أبو بكر أفنكار، رئيس التحرير بإذاعة أكادير الجهوية، أن تضرر الطرق وعزلة الدواوير المتضررة كان من بين المشاكل التي عرقلت عمل الصحفيين ووصولهم إلى المعلومة، وبالتالي نقلها إلى الرأي العام، إضافة إلى المخاطر المتعلقة بتساقط الأحجار في المناطق الجبلية واستمرار الهزات الارتدادية.

ومن بين التحديات التي تحدث عنها رئيس التحرير، حالة الصدمة التي يعيشها الإنسان المنكوب بعد الزلزال، الأمر الذي يكون سببا في رفضه التواصل مع الصحفيين في أغلب الأحيان، وهو ما يحول دون حصول هؤلاء على المعلومة من أحد مصادرها الموثوقة.

وبخصوص المعلومات التي توفرها المصادر الرسمية الموكول لها التواصل مع رجال ونساء الصحافة والإعلام، فقد أفاد المتحدث بأنها كانت متاحة للعموم، بما في ذلك التدخلات التي تقوم بها فرق الإنقاذ وأعداد الضحايا الذين جرى انتشالهم من تحت الأنقاض وكذا المصابين الذين جرى توجيههم نحو المستشفيات.

تنوع المصادر ساهم في إتاحة المعلومة للعموم

ومن جهتها، أكدت فاتن الخضري، الصحفية بإذاعة أكادير الجهوية، أن جميع المعلومات المتعلقة بزلزال الحوز كانت متاحة للعموم، بما في ذلك الصحفيين، مشيرة إلى أن تنوع مصادر المعلومة جعل الجميع على اطلاع بالكارثة منذ ساعاتها الأولى، ومكن من مواكبة تداعياتها اللاحقة.

وأوضحت الصحفية التي شاركت في تغطية الزلزال بعدد من الجماعات المتضررة بإقليم تارودانت، أن هناك العديد من المؤسسات التي سهرت على توفير المعلومة للصحفيين بشكل دائم ومحين، وفي مقدمتها وزارة الداخلية ووزارة الصحة، ومجالس الجماعات والعمالات، إضافة إلى مؤسسة محمد الخامس للتضامن وكذا التعاون الوطني…

وسجلت ذات المتحدثة أنه لم تكن هناك أية مشكلة في الحصول على المعلومة خلال الزلزال، على عكس الفترة التي تلت هذه الكارثة الطبيعية، والتي لم تتوفر فيها المعلومة بشكل دقيق، خاصة فيما يتعلق بالخطوات المستقبلية التي سيتم اتخاذها لاحتواء الأزمة.

ما بعد زلزال الحوز.. ضبابية تلف تدبير تداعيات الكارثة

أكد الأستاذ الجامعي والناشط الحقوقي عز الدين أقصبي أن الوصول إلى المعلومة حق من الحقوق الأساسية للإنسان، مشيرا إلى أن جمعية ترانسبرانسي التي يعد عضو في مجلسها الوطني انخرطت منذ سنوات في جهود الترافع على المستوى الوطني والدولي لإخراج القانون 31.13.

ويرى الأستاذ أقصبي أن “هذا القانون تعتريه مجموعة من النواقص، وهو الأمر الذي بدا جليا خلال فترة زلزال الحوز، خاصة في الشق المتعلق ببرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة”، موضحا أن “الأولوية كانت تقتضي إعطاء معلومات دقيقة عن عدد الضحايا والمصابين وتوزيعهم الجغرافي والمناطق التي ينتمون إليها، وأيضا حجم الخسائر والأضرار المادية التي طالتهم، كي يبنى البرنامج على معطيات دقيقة وشفافة”.

وأوضح ذات المتحدث أن “الضبابية هي السمة البارزة لعملية تدبير كارثة الزلزال”، باعتبار أن المعطيات التي تم توفيرها إلى حد الآن “عامة وغير دقيقة”، مشيرا إلى أن “من بين المعطيات التي يجب الكشف عنها قيمة التبرعات التي تم إيداعها بالصندوق الخاص بتدبير آثار الزلزال، مع تحديد كيف سيتم استعمالها وطبقا لأية منهجية ووفقا لأية معايير، والأمر ذاته بالنسبة للميزانية التي ستوفرها الدولة لإعادة الإعمار”.

وشدد الناشط ذاته على أن الدولة ملزمة بتوفير المعطيات كاملة ودقيقة للمواطنين، وتمكين المجتمع المدني من أن يكون طرفا في عملية إعادة الإعمار، باعتبار أن “هذه الأزمة تهم الجميع، وليس الدولة وحدها”، وفق تعبيره.

القانون 31.13 .. ضعف التطبيق يحول دون وصول المواطنين إلى المعلومة

أصدرت جمعية ترانسبرانسي بيانا بعنوان “نداء من أجل الشفافية في تدبير مخلفات زلزال 8 شتنبر 2023″، والذي دعت من خلاله الدولة، بمختلف سلطاتها، إلى “إمداد المواطنين بكافة المعطيات، بشكل استباقي، كما ينص على ذلك قانون الحق في الوصول إلى المعلومة”، وأن “تقدم كل الإحصائيات حول الزلزال والأضرار البشرية والمادية التي سببها والتي ستبنى عليها سياستها في جبر ضرر الضحايا وإعادة إعمار المناطق المنكوبة”.

وإلى جانب ذلك، طالبت الجمعية بـ”إزالة اللبس والغموض حول صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية، إذ من المهم أن يعرف الرأي العام تدخلاته وحجم ميزانيته وكيفية استعماله منذ إحداثه”، و أن “تمد (الدولة) الرأي العام بشكل منتظم بمعلومات عن حجم التبرعات ومخصصات المال العام وكيفية صرفها أولا بأول”.

ويرى الأستاذ عز الدين أقصبي أنه رغم دخول القانون 31.13 حيز التنفيذ منذ سنة 2018 إلا أن تطبيقه لا يزال ضعيفا حسب تقييم جمعية ترانسبرانسي، باعتبار أن هناك معلومات في غاية البساطة لا يستطيع المواطنون الوصول إليها، ليساهموا في مراقبة تسيير الشأن العام، وفق تعبيره.

ويتقاطع معه في الرأي المحامي بكار السباعي، والذي أكد أن “المغرب لا يزال إلى حد الساعة متخبطا في تطبيق القانون 31.13″، مشيرا إلى هناك بعض الحالات التي تمتنع فيها الإدارة عن تنفيذ مقتضيات القانون، وحينها يمكن للمواطن اللجوء إلى المحاكم الإدارية، باعتبارها عنصرا مهما في إطار إعمال الحكامة وضبط علاقة المواطن بالإدارة.

وأردف الأستاذ السباعي قائلا : “إذا كان دستور 2011 دستور الحقوق والحريات، كما تصفه مجموعة من الشهادات، الوطنية منها والأجنبية، فإن بعض القوانين التي جاءت بعده عبرت عن عجزها في إيصال الحمولة الحقوقية لبعض مواد الدستور، كما أبانت عن قصورها في تلبية رغبات المواطنين، ومنها الحق في الحصول على المعلومة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *