وجهة نظر

واقع ممارسة الحق في المعلومة بالمغرب بين القانون و التطبيق

يعد الحصول على المعلومات جزءًا لا يتجزأ من حقِّ حرية الرأي والتعبير، وفقًا للمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ومن المواد 10 و13 في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. إذ يُعتبر إعمال هذا الحق والوصول إلى المعلومات ركيزة أساسية لضمان المشاركة والشفافية، وهما مبدأين أساسيين في المجتمعات الديمقراطية.

من هذا المنطلق، إن التدفق الحر للمعلومات والأفكار يندرج في قلب فكرة الديمقراطية نفسها، كما أنه أمر هام بالنسبة إلى احترام حقوق الإنسان بشكل فعلي، فعندما لا يتم احترام الحق في حرية التعبير الذي يشمل حق البحث وتلقي ونقل المعلومات ، فإنه من غير الممكن ممارسة باقي الحقوق، و بالرغم من أن هذ الحق تكفله المواثيق الدولية والوطنية وعلى رأسها الدستور المغربي لسنة 2011 من خلال الفصل 27 منه، و القانون 31.13 إلا أنه تظل هناك العديد من الإكراهات و التحديات التي تعيق التفعيل الحقيقي لمبدأ الوصول الى المعلومة بشكل متساوي لكل المواطنين/ت، و من ضمنهم فاعلي و فاعلات المجتمع المدني و الصحفيين و الصحفيات، إذ يترجم ذلك وفق ما سجله المجلس الوطني لحقوق الانسان في تقريره السنوي ، حيث أن بالمقارنة مع سنة 2020، تمت ملاحظة بطء في التجاوب مع طلبات الحق في الحصول على المعلومات، حيث ارتفع متوسط مدة الاستجابة تقريبًا مرتين، من 33 إلى 61 يومًا، بالمقارنة مع السنة التي سبقتها، و هي نسبة تطرح العديد من التساؤلات حولها.

وصول المواطنين الى المعلومات بالمغرب: وصول غير متساوٍ

يضمن القانون 31.13 حق المواطنين والمواطنات في الحصول على المعلومات التي توجد في حوزة الإدارة العمومية عبر 30 مادة موزعة على سبعة أبواب، أكد من خلالها على الأهمية البالغة التي يكتسيها هذا الحق، مذكرا بمرجعتيه الدستورية والدولية، وأهدافه الرئيسية.

إلا أن من بين العوائق التي تحد من تطبيق القانون على أرض الواقع هو توسيع المجالات المستثناة من حق الحصول على المعلومات لتصل إلى 13 مجال ومنها المجالات الخمس التي استثناها الدستور، أي أن مجال الاستثناءات التي أوردها القانون في بابه الثاني واسعة ولم تحدد المعلومات المستثناة بدقة، علما أن الفقرة الثانية من الفصل27 من الدستور قد اشترطت الدقة في تحديد القانون للمجالات المستثناة، حيث إن معظم الاستثناءات تشمل جوانب تبدو فضفاضة في صياغتها أكثر من كونها دقيقة ، مما يجعلها تصبح مطية لتنصل الإدارة من واجبها في تقديم المعلومات المطلوبة فمثلا تأتي عبارة “المعلومات التي يؤدي الكشف عنها إلى إلحاق ضرر” فهي مرتبطة بحدث قد يقع وقد لا يقع والذي هو “إلحاق ضرر معين”، كما أنها تركت فراغ لم يحدد فيه أي نوع من الضرر، و من يحدد هذه المعلومات التي قد تسبب الضرر، و هذا ما يترك مجال كبير للتأويل ويحد من النفاد الى المعلومة.

وفي نفس سياق العراقيل يأتي تعبير “عدم توفر المعلومات المطلوبة” الذي ورد في منطوق المادة 18 من الباب الرابع، الذي أصبح يشكل مخرجا رئيسيا لتبرير عدم تقديم المعلومات التي طلبها المواطن من الإدارة، وبالتالي يفتح الباب أمام فراغات قانونية من شأنها التأثير على ضمان الولوج المتساوي الى المعلومات.

من جهة أخرى، المادة 27 من الباب الخامس منعت إمكانية المتابعة القضائية والتأديبية للشخص المكلف، بسبب امتناعه، “بحسن نية”، عن تسليم معلومات مخولة بموجب هذا القانون، وهنا عبارة “حسن نية” تفتح هي الاخرى ملاذا للتنصل من المسؤولية وتجعل هذا الحق رهين برغبة ونية الموظف أو الموظفة في تقديم المعلومة، و تجعل تحديات هذا القانون تفوق ما هو بيروقراطي الى ماهو ثقافي مرتبط برغبة قد تحضر عند البعض و تغيب عن آخرين.

“إن أحد أكبر المشاكل في الوصول الى المعلومات تتثمل في ثقافة عدم الافراج عن المعلومة من لدن الموظفين/ت، بكل بساطة لأن القانون 31.13 لم يكن صارما في ها النطاق خصوصا عندما استعمل عبارة ” حسن النية”.” صرح محمد أمجاهد رئيس المرصد الجهوي للحق في الحصول على المعلومة.

“لقد توجهت لأحد الإدارات العمومية من أجل وضع طلب معلومات بهدف استعمالها في بحثي الأكاديمي و طلب مني أداء تكاليف معالجة هذه المعطيات، لكنني كطالبة لم أستطع دفع ذلك” أكدت خديجة طالبة بسلك الدكتوراه بمراكش.

إن المادة الخامسة من القانون، تنص أن الحصول على المعلومات يكون بشكل مجاني، غير أن طالب المعلومات يتحمل على نفقته، التكاليف التي يستلزمها عند الاقتضاء (نسخ أو معالجة المعلومات المطلوبة وتكلفة ارسالها إليه)، و هذا ما من شأنه أن يعيق الوصول المتساوي للمعلومات ويجعلها مرتبطة بتكاليف إن غابت، غابت معها المعلومة.

تفعيل الأدوار الدستورية للمجتمع المدني عن طريق الحق في المعلومة: نحو نفق مغلق؟

بناءً على الفصل الأول من الدستور المغربي، الذي جعل النظام الدستوري للمملكة يقوم على الديمقراطية المواطنة والتشاركية، وتطبيق مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، يؤكد الدستور على دور جمعيات المجتمع المدني في المساهمة في إعداد قرارات ومشاريع للمؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وتقييمها وفقًا لشروط يحددها القانون، و هو الأمر الذي لا يمكن أن يكون دونما تفعيل حق هذه الجمعيات في النفاذ الى المعلومات، فكيف يمكن لجمعية أن تقوم بتتبع و تقييم سياسة محلية معينة دون نفاذها الى كل المعلومات التي من شأنها تسهيل ذلك.

لكن أول ما يواجه المجتمع المدني من تحديات هو أن طلبات الحصول على المعلومات يجب أن تقدم بصفة شخصية ولیس باسم الجمعية لأن القانون التنظيمي للحق في الحصول على المعلومات یسمح فقط للأفراد بتقدیم الطلبات ولا یسمح بذلك للهيئات بصفتها المعنوية. وبالرغم من هذا يستمر المجتمع المدني في تتبع و تقييم هذا القانون، ففي تقريره الأخير قام فریق عمل مشروع “الحقّ في الحصول على المعلومات كآلية للترافع والحكامة الجیدة” بجمعیة سمسم-مشاركة مواطنة باستعمال البوابة ّ المخصصة لطلب المعلومات www.chafafiya.ma لطلب الحصول على أسماء الأشخاص المكلّفين بمهمّة تلقّي طلبات الحصول على المعلومات بالإدارات والمؤسسات العمومية وكذا معلومات الاتصال الخاصة بهم. ” وهكذا، قدم فریق عمل الجمعية 80 طلبا موجّها ل 35 مؤسسة وإدارة عمومية موجودة على المنصة الإلكترونية ّwww.chafafiya.ma مقسمة كالتالي: 14 قطاع وزاري و21 مؤسسة عمومية.

وبعد انقضاء الأجل القانوني للرد على هذه الطلبات، سجلت المعطيات التالية:

تم الرد على 17 طلبا للحصول على المعلومات من أصل 80 طلبا مقدما، أي بنسبة ردّ بلغت %21، فيما لم یتم الرد ولا إرسال إشعار بتمديد الإجابة عن 63 طلبا مقدما مما جعل نسبة عدم الردّ تبلغ %79، و من أصل 17طلبا تمّ التوصل ب 11ردا إيجابيا، بنسبة إجابة كاملة بلغت % 14 فقط،و من أصل 17طلبا تمّ التوصّل بردّ بشأنهم، تمّ رفض الإجابة على طلبان بعلة أن المعلومات المطلوبة هي منشورة من طرف الإدارة في إطار النشر الاستباقي للمعلومة، كما من أصل 17طلبا تم التوصل برد بشأنهم، تم التوصل ب 4 إشعارات بالرد من المنصة، لكن بعد ولوج فضاء الإجابة تبين أنها لا تتوفر على أي محتوى أي أن الإجابة كانت فارغة.

وفي هذا الاطار يتطلب من المؤسسات الوطنية، دعم انفتاح السياسات العمومية على فضاءات جديدة لديمقراطية المشاركة والحوار العمومي، حيث لا يمكن الحديث عن انفتاح وشفافية دونما الوصول الحر للمعلومات، إذ يُفترض أن تقوم هذه المؤسسات بتوفير المعلومات الأساسية، وهذا ما يجب أن يتمثل في انخراطها الكامل في ورش النشر الاستباقي، مما سيسهل ممارسة الدور الرقابي للمجتمع المدني.

إلا أنه حسب دراسة ميدانية قامت بها منظمة ” ترانسبارنسي المغرب”، فإن هناك الكثير من منصات الويب التي تتعامل مع معلومات متشابهة وهذا ما يؤدي الى إرباك المواطنين وبالتالي خلق فوضى في المعلومات و من هذه الإدارات من لا يملك حتى موقعا الكترونيا ولا موارد بشرية مؤهلة للتعامل مع هذا الورش وفي هذا الصدد، يعلّق محمد أمجاهد: “أن المشكلة ليست في الموارد المالية، بل في الإرادة السياسية”.

القانون 31.13: قانون لم يخلق للصحفيين والصحفيات

إن قانون الحق في الحصول على المعلومات 31.13 بأبوابه الأولى والثانية والثالثة والرابعة بموادها من 1 إلى، 21 تعتبر الإطار القانوني لشكل ممارسة الصحفي للحق في المعلومة بصفته مواطنا وليس صحفيا، حيث إنه لمن الضروري الوقوف على أن الهوية المهنية للممارسة الصحفية تتأسس على ثوابت مركزية لا تتحقق بدونها المصداقية المهنية التي هي الرأسمال الأكبر للصحفي، حيث إن مدار الممارسة الصحفية قائم على البحث عن الخبر من مصادر متعددة، وإنتاجه طبقا لتحديدات مهنية يأتي على رأسها الاستثمار في الزمن الذي يعتبر بالنسبة للصحفي رئيسيا، لأنه علينا ألا نغفل أن مركزية الفعل الصحفي قائمة على “حق السبق الصحفي” وعلى واجب “جدة الخبر”، مما يفرض على الممارس للمهنة سرعة الحصول على المعلومات المكملة للخبر والتي تسند عناصر مصداقيته قبل النشر. وهنا مربط الفرس في الموضوع، حيث الموازنة بين ضغط “النشر” و”السبق الصحفي”، وبين “سرعة الحصول على المعلومات” في الوقت الذي وحسب المادة 16 من الباب الرابع من القانون فمدة الرد على طلب المعلومات تتطلب 20 يوما قابلة لتجديد وهنا فإن صفة الصحفي كمواطن هي التي تحدد حقوق وواجبات حصوله على المعلومات العمومية، بالرغم أن في النص القانوني المؤطر لممارسة مهنة الصحافة والنشر فالأمر واضح من خلال المادة 6من القانون رقم 88.13المتعلق بالصحافة و التي تحث عن حق الصحفي والمؤسسات الصحفية في الولوج الى المعلومات من مختلف المصادر باستثناء ما جاءت به الفقرة الثانية من الفصل 27 من الدستور.

بالإضافة إن طبيعة الممارسة الصحفية تفرض السرعة والآنية، لأن إنتاج الخبر يلزم سرعة النشر والتعميم. إلا أن تعميم المعلومة فيه نقاش كبير خصوصا وحسب المادة 6 من الباب الأول والتي تتحدث حول إعادة استعمال المعلومات شريطة أن لا تسبب ضرر في المصلحة العامة وتبقى عبارة ” شريطة دون التسبب في ضرر بالمصلحة العامة” فيها فضفضة كبيرة يمكن ان تساهم في التضييق عن كيفية إعادة استعمال هذه المعلومات خصوصا في الأجناس الصحفية الكبرى مثل التحقيق الصحفي.

على الرغم من وجود إطار قانوني يكفل حق الحصول على المعلومات في المغرب، لكن لازال من المتطلب جهد كبير من أجل ضمان ولوج متساوي لهذا الحق لكل المواطنين والمواطنات، كما لازال هناك حاجة ماسة من أجل العمل على تبويب خاص بالصحفيين والصحفيات مع مراعاة أخلاقيات المهنة وشروط الممارسة المهنية، كما خلق باب خاص يؤطر طلبات الحق في الحصول على المعلومات للمجتمع المدني من أجل تمكينه فعليا من تفعيل أدواره الدستورية، وفي هذا الصدد قدم لنا السيد محمد امجاهد، رئيس المرصد الجهوي للحق في المعلومة العديد من التوصيات أتت كالتالي:

– ضرورة تعريف المفاهيم بالنسبة للمادة 2 بشكل دقيق وبانسجام مع أهداف هذا القانون، وذلك من أجل إعمال ضمان الحصول على المعلومات، وأن تدقق في الوضع القانوني للهيئات الخاصة المكلفة بمهام المرفق العام، وذلك كيفما كان شكل هذا التكليف (تدبير مفوض، امتياز، شراكة ببن القطاع العام والخاص)، عبر اعتبارها خاضعة لمجال تطبيق هذه المادة في حدود مهام المرفق العام الموكلة إليها وضرورة إدراج الجمعيات الحاصلة على صفة المنفعة العامة، وتلك التي تنال تمويلا عمومیا بمقتضى القانون، ضمن مجال تطبيق هذه المادة.

– لا بد للمشرع أن ينتبه إلى نسقة النص الدستوري، بخصوص المادتين 3 و4، حيث يجب أن يتضمن القانون مقتضيات تحظر كل شكل من أشكال التمییز في معالجة طلبات الحصول على المعلومات، سواء بسبب إعاقة، أو بسبب هوية صاحب الطلب. ویجب أن ينص صراحة على أنه من غیر المسموح به وضع قیود في وجه طالبي المعلومات بدعوى ضرورة تبرير طلبهم.

– التقليص من عدد الاستثناءات بالقانون رقم31.13 وتحديدها بدقة حتى لا يبقى هناك مجال للتأويل.

– التقليص من المدة الزمنية للاستجابة لطلب الحصول على المعلومة في 7 أيام عمل غير قابلة للتجديد.

– تيسير مسطرة الطعن في القرار السالب للإدارة فيما يخص الحق في الحصول على المعلومة.

– تحديد بدقة العقوبة في حق المكلف بتسليم المعلومات في حالة التماطل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *