اقتصاد، سياسة

“مبالغ ضخمة مقابل خدمات رديئة”.. تفاصيل الشكاية التي أسقطت البدراوي وكريمين

كشفت الشكاية التي أسقطت كلا من رئيس شركة “أوزون” للنظافة، عبد العزيز البدراوي، ومحمد كريمين، الرئيس السابق لجماعة بوزنيقة، والمهندس بالجماعة مصطفى الطنجي، عن تفاصيل مثيرة حول اختلالات مالية وتدبيرية داخل جماعة بوزنيقة.

ومساء أمس الإثنين، أوقفت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، الأشخاص المذكورين، بناءً على تحقيق معمق أجراه قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، على خلفية شكاية سابقة تقدم بها مستشارون بجماعة بوزنيقة.

وتشير المعلومات الأولية إلى أن التحقيقات ركزت على عقد التدبير المفوض لقطاع النظافة، الذي تم منحه لشركة “أوزون” المملوكة للبدراوي، حيث تم الكشف عن مخالفات جسيمة في شروط العقد، وتضخم هائل في التكاليف، وغياب الشفافية في عملية التعاقد.

الشكاية التي وجهها 3 مستشارون بجماعة بوزنيقة إلى الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، كشفت عن تلاعبات مالية جسيمة في ملفات عقود التدبير المفوض، واختلاسات مالية، واستغلال النفوذ، وتضارب المصالح.

رفع ميزانية التدبير المفوض

ورصدت الشكاية مخالفات وتجاوزات تخص عقد التدبير المفوض مع شركة “أوزون” خلال الفترتين، الأولى من 2010 إلى 2017، والفترة الثانية خلال سنة.

واتهم المستشارون الثلاثة المجلس السابق لجماعة بوزنيقة، برئاسة كريمين، بتزویر ميزانية التدبير المفوض، بعدما قام خلال دورة أكتوبر 2014 بتعديل ميزانية التدبير المفوض نظرا لأن المبلغ كان مبالغا فيه بشكل كبير، حيث تم تخفيضه من مليون 14 درهم إلى 8 ملايين.

وكشفت الشكاية أنه خلال دورة نونبر 2015، تفاجأ المستشارون بأن المبلغ المحدد للاعتمادات المقبولة للسنة الفارطة لهذا الباب، هو أزيد من 14 مليون درهم، أي المبلغ الأصلي قبل التعديل.

وبحسب الشكاية، فإن رئيس المجلس ومحاسب المجلس، بررا ذلك بنفس التعليل، وهو أن السلطات الوصية ممثلة في عمالة إقليم بنسليمان هي من قامت بالتعديل.

وعندما بحثنا في الموضوع، يضيف المستشارون الثلاثة، “تأكدنا أن السلطات الوصية لم تقم بأي تعديل بل راسلت المجلس البلدي أكثر من 3 مرات ليبرر بالوثائق والفواتير فارق 6 ملايين درهم الذي يريد إلغاء التخفيض بناء عليه، وهو مالم يستجب له المجلس ليومنا هذا”.

واعتبرت الشكاية أن الأمر يتعلق هنا بـ”تزوير مقصود وبسوء نية ومثبت بمحاضر الدورات”، مشيرة إلى أنه في نفس الوقت، قام الرئيس بمعية أغلبيته برفع المبلغ بـ6 ملايين درهم إضافية في ميزانية 2016، ليصبح المبلغ الإجمالي أزيد من مليون 20 درهم.

وبرر كريمين ذلك، كما هو مدون في محضر الدورة، بأن المبلغ المضاف هو دين سابق على المجلس للشركة، وهو نفس المبلغ المذكور في النقطة السابقة.

واعتبرت الشكاية أن  الرئيس لم يستطع صرف ذاك المبلغ من ميزانية السنة السابقة، “لأنه غير قانوني نظرا لوجود مقرر التحويل الذي لم يلغى، فقام برفع ميزانية التدبير المفوض للسنة الموالية في تحايل واضح على القانون وتبذير سافر للمال العام”.

ووفق المصدر ذاته، فقد صوت المجلس البلدي لبوزنيقة خلال دورة ماي 2016، بغالبية أعضائه، على مقرر يقضي بتحويل بعض فصول ميزانية 2016، عبر تحويل مبلغ 610 مليون سنتيم من ميزانية التدبير المفوض التي كانت قد رصدت لها ميزانية تفوق حاجيات المدينة بكثير، وتحويل المبلغ المذكور لميزانيات عدة قطاعات أخرى ذات بعد اجتماعي أساسا خدمة للساكنة وحاجياتها.

وتابعت الشكاية: “بعدها أرسل الرئيس إخبارا لأعضاء المجلس يحاول من خلاله إلغاء التحويل بطريقة غير مباشرة، وهو الإخبار الذي حكمت المحكمة الإدارية بأنه مجرد إخبار وليس قرارا بإلغاء التحويل، وبالتالي فليس من حق رئيس المجلس قانونا أداء هذا المبلغ للشركة”.

وبعد أشهر قليلة، تضيف الشكاية، و”بما أنه يصعب بل يستحيل على شركة “أوزون” تبرير المبلغ الإجمالي الفلكي لميزانية 2016 عن طريق حجم النفايات والخدمة المقدمة، قام رئيس المجلس بشكل شخصي وفردي ودون الرجوع للمجلس، ضدا على القانون، بتوقيع ملحق لدفتر تحملات عقد الشركة”.

وبموجد هذا العقد، تم أداء المبلغ المحدد في الميزانية (ليس المبلغ بعد التحويل) أي حوالي 20 مليون درهم بشكل جزافي للشركة بدون أوراق ثبوتية ولا وزن للنفايات ولا تبرير للخدمة المقدمة بالمقابل، وهو ما اعترف به النائب الأول للرئيس خلال دورة ماي 2016 وموثق في محضر الدورة.

وبحسب المصدر ذاته، فقد قام رئيس المجلس، محمد كريمين، بتوجيه طلب تنازل عن الأجال القانونية للخازن الجهوي للمملكة بالدار البيضاء من أجل أداء مبلغ يفوق 842 ألف درهم لصالح شركة “أوزون”، تعود لما أسماه الرئيس “مراجعة الأثمان لسنتي 2012 و2013”.

واعتبر المشتكون أن هذا “تبذير صريح للمال العام”، متسائلين: إذ ماذا ستستفيد الجماعة من التنازل عن الأجال القانونية؟ بل بالعكس ستخسر مالا عاما إضافيا”.

وسجلت الشكاية أن كريمين وقع عدة ملحقات للعقد الأصلي بشكل انفرادي ودون الرجوع للمجلس، من بينها ملحق لمراجعة الأسعار بسبب تغيير مطرح النفايات إلى المطرح الجماعي ببني يخلف.

واعتبرت الشكاية الأمر “تدليسا وتزويرا فاضحا لأن هذا المطرح كان دائما هو المطرح الرسمي وحتى في عقد الشركة هو نفسه المطرح الرسمي، أي أنه ليس هناك أصلا أي تغيير للمطرح”.

ويرى المستشارون الثلاثة أن نقطة الإلتقاء بين كل الملحقات التي وقعها محمد كريمين مع شركة “أوزون”، هي أنها كلها آليات لأداء مزيد من المال العام لهذه الشركة بطرق “ملتوية ومشبوهة” وفق تعبيرهم.

“مخالفات” دفتر التحملات

ورصدت الشكاية اختلافا بين الأثمنة الأحادية والأثمنة المعتمدة في جدول الحساب الإجمالي، موضحة أنه حسب دفتر التحملات، لا يجوز أن يتعدى المبلغ الفعلي للخدمة المبلغ المحدد في دفتر التحملات بأكثر من %5، في حين أن نسبة التجاوز في السنة الأولى فقط وصلت %32.

وأشارت إلى أنه “لا يجوز إطلاقا نقل وجمع نفايات الأوراش العمومية والخاصة، ومع ذلك تقوم الشركة بخلط النفايات المنزلية بالأتربة ومخلفات ونفايات الأوراش العمومية والخاصة لتضخيم وزن النفايات، وبالتالي الحصول على أموال أكثر غير مستحقة، وتقوم بهذا الأمر في نقطة تحويل غير قانونية أصلا ببوزنيقة”.

ولفت المصدر ذاته إلى أن شاحنات الشركة تقوم بتفريغ النفايات بمحطة تحويل بمدينة بوزنيقة يتم فيها خلط النفايات المنزلية بالأتربة ومخلفات ونفايات الأوراش العمومية والخاصة، ثم يتم تحميلها مرة أخرى نحو المطرح الجماعي ببني يخلف، في مخالفة صريحة لدفتر التحملات.

وكشف المستشارون الثلاثة أن العامل راسل الجماعة من أجل إغلاق نقطة التحويل غير القانونية، إلا أن ذلك لم يحدث إلا قبل أيام قليلة وبشكل جزئي بعد تدخل العامل، ارتباطا بالصفقة التي حصلت عليها “أوزون” مرة أخرى، وفق تعبيرهم.

وأضافوا أنه “رغم كثرة الشكايات من السكان والفاعلين المحليين بسبب تراكم الأزبال في الشوارع، إلا أن المجلس لم يسبق له أن طبق الدعائر الزجرية في حق الشركة ولو مرة واحدة”.

وينص دفتر التحملات على منع حرق النفايات في المدينة، فيما تقول الشكاية إن الشركة تقوم بهذا الأمر دائما نهارا جهارا في الفضاء المخصص للسوق الأسبوعي، وهو ما تم توثيقه عن طريق عون قضائي.

كما أن دفتر التحملات يُلزم الشركة بالقيام باستثمارات في التجهيزات والمعدات وغيرها، فيما تكشف الشكاية أن الجزء الأكبر وأغلب الاستثمارات لم تنجز، ولا يوجد بمصالح الجماعة أي محضر يثبت هذه الاستثمارات، موضحة  “أن الشركة في الواقع لم تنجز ولا أثر لها على أرض الواقع”.

وضمن المعطيات المثيرة في الملف، أيضا، كشف الشكاية عن وجود “جزء مهم من العمال يعملون في ضيعة رئيس المجلس البلدي المتواجدة في ضواحي المدينة، وضيعة مدير شركة “أوزون”، وأحيانا في ضيعات بعض المستشارين والموظفين، بدل جمع نفايات المدينة، مما يثقل كاهل القلة المتبقية ويؤدي لانتشار النفايات في الشارع العام”.

وفي نفس السياق، كشفت الشكاية أن جماعة بوزنيقة تؤدي مصاريف مطرح النفايات عن 3 جماعات أخرى، إذ إن هناك 3 جماعات بإقليم بنسليمان، على رأسها جماعة عين تيزغة، ليست عضوا في تجمع الجماعات المحلية المرتبط بمطرح بني يخلف”.

وتابع المصدر ذاته: “وبالتالي ليس لها الحق في رمي نفاياتها في المطرح، وفي نفس الوقت شركة أوزون هي صاحبة صفقة تدبير النظافة بهاته الجماعات، فتقوم الشركة برمي أزبال هاته الجماعات في مطرح بني يخلف على أنها نفايات مدينة بوزنيقة”.

واعتبرت الشكاية أن “المبالغ التي تصرف لصالح شركة التدبير المفوض، أقل ما يقال عنها أنها مشبوهة، فهي مبالغ ضخمة جدا مقارنة بالخدمة المقدمة وبعدد سكان المدينة”، مطالبة بـ”البحث عن هذا التضخم غير الطبيعي والتبذير الكبير للمال العام”.

وبخصوص صفقة التدبير المفوض لسنة 2017، كشفت الشكاية أن الجماعة قامت بطلب عروض لتدبير قطاع النظافة والنفايات الصلبة، نالتها شركة “أوزون” مرة أخرى “بشكل مشبوه”.

وأشارت الشكاية إلى أنه بتاريخ 16 مارس 2017 خلال الدورة الاستثنائية للمجلس الجماعي لبوزنيقة، صادق المجلس بإجماع أعضائه الحاضرين على دفتر التحملات المتعلق بمرفق التطهير الصلب بالمدينة، مع تضمين جميع التعديلات التي قبلها المجلس أثناء مداولته لهذه النقطة.

ولفت المصدر ذاته إلى أنه بعد هذا التاريخ، تم إدخال عدة تعديلات على دفتر التحملات، لكنها لم تعرض مرة أخرى على المجلس للمصادقة عليها، فيمت توصلت جماعة بوزنيقة بمراسلة من وزارة الداخلية، قبل تاريخ الصفقة الذي كان هو 27 يوليوز 2017، تخص ملاحظات وتعديلات يجب إدخالها على صفقة التدبير المفوض قبل إجراء المناقصة.

المثير للريبة، يقول المشتكون، أن “الجماعة قامت باعتماد المؤشر الوطني، ومع ذلك بقي مبلغ الصفقة في نفس المستوى، علما أن المؤشر الوطني أقل من المؤشر المعتمد بأزيد من 60 بالمائة”.

وأضافوا بأنه في يوم الإثنين 9 أكتوبر 2017، وقع الرئيس أمرا بالخدمة لصالح شركة “أوزون”، دون انتظار تأشيرة وزارة الداخلية، معللا ذلك بأن تأشيرة الداخلية ليست إلزامية وأنه هو الوحيد صاحب السلطة والقرار في هذا الأمر، ودون أن تضع الشركة نسخة من العقد مسجلة كما ينص على ذلك قانون الصفقات العمومية، وفق نص الشكاية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *