مجتمع، مغاربة العالم

شاب مغربي يتهم الشرطة الصربية بالتسبب في بتر ساقيه.. منشادات لإنقاذه وتحركات لمقاضاة صربيا

لم يكن الفتى المغربي، شهيد بنعيسى، يتخيل أن رحلته من تركيا إلى دول البلقان، ضمن المسارات الجديدة التي يقطعها الحالمون بالهجرة السرية نحو أوروبا، ستنتهي بفقدانه ساقيه الإثنين بطريقة مأساوية، وسط مطالب بإنقاذه ومقاضاة الدولة الصربية.

وفي الوقت الذي كان يظن شهيد أن نجاحه في دخول صربيا عبر الحدود البلغارية، قد قرَّبه من تحقيق حلم الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، فإن حرس الحدود الصربي كان له رأي آخر بعدما أنهى حلمه في بلوغ “الفردوس الأوروبي”، بل حتى في العودة إلى حياته الطبيعية.

الفتى البالغ من العمر 20 سنة، اتهم الشرطة الصربية بالتسبب في بتر ساقيه عقب تعرضه لاعتداء عنيف من طرف أفرادها على الحدود مع بلغاريا، قبل حوالي 5 أسابيع، أثناء محاولته الدخول إلى صربيا ضمن مجموعة من الشبان الحالمين بالوصول أوروبا.

شهيد الذي يرقد حاليا بمستشفى مدينة بيروت (Pirot) جنوب شرق صربيا، على بُعد 30 كيلومترا فقط من الحدود البلغارية، اضطر الأطباء إلى بتر ساقيه الإثنين من الركبة وحتى القدم، بسبب إصابتهما بتورم شديد جدا، ما أدى إلى موت معظم خلاياهما.

وفي الوقت الذي وجه فيه الفتى المنحدر من إقليم الدريوش، مناشدات إلى المحسنين من أجل التكفل بعلاجه وتركيب رجلين صناعيتين له، راسل ناشط حقوقي من الجالية المغربية، منظمة العفو الدولية بصربيا وهولندا، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب، من إجل إنصاف الضحية.

فصول المأساة

المأساة بدت حينما أوقفت قوات من حرس الحدود الصربية، على بعد 11 كيلومترًا من مدينة بيروت، الفتى المغربي رفقة 3 من المهاجرين غير الشرعيين الذين تمكنوا من دخول صربيا وأصبحوا في وضعية إقامة غير شرعية، لتبدأ فصول معاناة مع العنف والجوع والبرد.

شهيد كشف أن القوات الصربية أوقفتهم وقامت بتفتيشهم وتفتيش حقائبهم بطريقة مهينة، قبل أن تفاجئهم بطلب خلع كل ملابسهم، بما فيها سراويلهم وملابسهم الداخلية، من أجل إخضاعهم لعملية استجواب طويلة مليئة بالعنف والاعتداء.

يقول شهيد في شريط فيديو صوره داخل المستشفى الذي يرقد فيه حاليا: “اعتدوا علينا بالضرب وجردونا من ملابسنا وأحذيتنا وتركونا عراة حفاة بعدما أخذوا منا كل ما نملك، حتى هواتفنا، قبل أن يتم أخذنا إلى الوادي الحدودي بين صربيا وبلغاريا”.

وأوضح الفتى المغربي أنه تعرض للضرب المبرح بالهراوة لدرجة أنه لم يعد قادرا على الوقوف أو المشي، قبل أن تجبرهم القوات الصربية، على التوجه نحو الحدود البلغارية ومغادرة صربيا مشيا على الأقدام رغم عدم قدرتهم على ذلك، وتتركهم في غابة خالية.

يضيف شهيد في الفيديو الذي عاينته جريدة “العمق”، قائلا: “تركونا في وضع لاإنساني بدون أي رحمة أو شفقة، لكننا تمكنا من العودة إلى صربيا مجددا عبر نفس الحدود بعد مغادرة الشرطة، رغم صعوبة المشي وإصابتي بتورم شديد في ساقيَّ”.

وأوضح الفتى أن اثنان من زملائه تمكنا مع مواصلة رحلتهما عبر صربيا، فيما ظل هو رفقة صديق له على الحدود البلغارية لمدة 6 أيام، قبل أن يظل وحيدا ليومين آخرين بعد مغادرة صديقه، بسبب عدم قدرته على المشي.

بتر قاسٍ

وكشف شهيد أنه قضى تلك الأيام تحت وطء البرد والجوع والآلم الشديد على مستوى ساقيه داخل غابة خالية، مشيرا إلى أنه لم يتحمل الآلام في رجليه واضطر في النهاية إلى الاقتراب من التجمعات السكانية من أجل توجيه استغاثة للشرطة قصد إنقاذه.

يقول شهيد: “استجابت سيارة شرطة لندائي، وطلب أفرادها سيارة إسعاف نقلتني إلى إلى مستوصف مدينة بيروت، وهو مركز صغير”، مضيفا: “لم يعالجوني، والطاقم الصحي اكتفى بوضع الضمادات والبيتادين على ساقي”.

وبحسب المتحدث، فإن الطاقم الصحي لم يرى أن وضعه يستدعي تدخلا جراحيا، مشيرا إلى أنه مكث في هذا المستوصف 12 يوما، قبل أن يتم نقله إلى المركز الاستشفائي بمدينة “نيش” على بعد 60 كيلو من “بيروت”.

وهنا اكتشف الأطباء أن حالته خطيرة وتستدعي تدخلا جراحيا مستعجلا لإزالة التورمات وتطهير الجروح، مع خضوعه لعلاج دقيق وكثير من الأدوية والبروتينات والمضادات الحيوية، دون أن يكون لذلك أي جدوى.

يقول شهيد إن الطاقم الطبي قرر في النهاية بتر ساقيه، تفاديا لانتقال التورمات إلى باقي أنحاء جسده، مشيرا إلى أنه رفض في البداية، لكنه وافق على مضض في النهاية، تفاديا لمضاعفات أخرى خطيرة وتجنبا لخطر الوفاة.

وأضاف أن ساقيه كانتا عبارة عن كتل لحمية يابسة تعرضت لتلف شديد بسبب توقف الدورة الدموية، وكان القرار الأخير هو بترها، مشددا على أنه لم يكن هناك حل آخر.

وعقب خضوعه لعملية بتر ساقيه، لازال شهيد يرقد بنفس المستشفى ضمن فترة مراقبة طبية، موضحا أن حالته مستقرة حاليا، لكنه وجه نداء إلى الجمعيات الحقوقية لتبني ملفه، مناشدا المحسنين التدخل لمساعدته على تركيب ساقين صناعيتين.

مقاضاة الشرطة الصربية

وفي هذا الصدد، كشف الحقوقي المغربي المقيم بهولندا، جمال الدين ريان، وهو رئيس مرصد التواصل والهجرة بأمستردام، أن ما تعرض له شهيد يُعد “عملا إجراميا ارتكبته الشرطة الصربية دون عقاب”، مشددا على ضرورة تحرك منظمات حقوق الإنسان في الموضوع.

وقال ريان في تصريح لجريدة “العمق”، إن الفتى المغربي لا يزال يرقد في المستشفى حاليا، ووضعه الصحي مستقر، مشيرا إلى أنه يستشير مع بعض الحقوقيين حول إمكانية رفع دعوى ضد الشرطة الصربية لدى المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان.

وأوضح الحقوقي المغربي أنه راسل منظمة العفو الدولية بصربيا وتواصل مع فرعها بهولندا، كما راسل المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب حول الموضوع، معربا عن أسفه بسبب عدم تحرك السلطات المغربية لإنصاف مواطنها المذكور.

وشدد المتحدث على أن “الشرطة الصربية هي من تتحمل مسؤولية ما وقع جراء تعذيبها للفتى المغربي، ولكل الشبان الذين يهربون إلى أوروبا ويشتكون من المعاملة العنصرية لشرطة صربيا تجاه المهاجرين غير الشرعيين”.

ويرى رئيس مرصد التواصل والهجرة بأمستردام، أن الأولية الآن هي المطالبة بحقوق الفتى المغربي شهيد بنعيسى ورد الاعتبار له، وتحميل الدولة الصربية مصاريف إقامته وعلاجه، مشيرا إلى أنه يخطط لزيارته بالمستشفى رفقة حقوقيين آخرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *