أدب وفنون، مجتمع

بينهم طه عبد الرحمان.. قطر تحتفي بنخبة من المثقفين العرب بـ”جائزة الدوحة”

في احتفال ثقافي شهده جمع كبير من الشخصيات والمثقفين من مختلف البلدان العربية، عقدت جائزة الدوحة للكتاب العربي، مساء أمس الأحد، دورتها التأسيسية.

وأعلنت الجائزة، في بيان رسمي، قبل أيام، عن إطلاق الجائزة والاحتفاء “بتكريم نخبة من المتخصصين في العلوم الإنسانية والشرعية، الذين أثروا المكتبة العربية بالمصنفات العلمية الرصينة والأطروحات الفلسفية والتاريخية البحثية القيمة”.

واحتوت قائمة المكرمين أسماء علمية بارزة ومتنوعة، مثّلت طيفًا واسعًا من المشتغلين في الفكر العربي والشرعي من مختلف البلدان التي شملها فضاء اللغة العربية.

ويتعلق الأمر بكل من وطه عبد الرحمن من المغرب، أيمن فؤاد سيد من مصر، جيرار جهامي من لبنان، سعد البازعي من السعودية، غانم قدوري الحمد من العراق، فيحاء عبد الهادي من فلسطين، قطب مصطفى سانو من غينيا، محمد محمد أبو موسى من مصر، مصطفى عقيل الخطيب من قطر، ناصر الدين سعيدوني من الجزائر.

حياة للعلم

تكوّن برنامج إطلاق الجائزة من ندوة صباحية تحت عنوان “حياة للعلم: مسارات وشهادات”، والتي جاءت في جلستين، ضمت كل واحدة منهما 5 متحدثين، ألقى فيها الأساتذة المكرمون خطابًا حول تجربتهم العريضة مع الكتاب والكتابة.

وقد استُهِلت الندوة الصباحية بكلمة ترحيبية ألقاها المستشار الإعلامي للجائزة عبد الرحمن المري، إذ قدم فيها رؤية الجائزة ومنطلقاتها، كما أفصح عن أهداف الجائزة ومجالاتها ومواعيد انطلاقها.

وذكر المري أن الجائزة تطمح إلى استعادة التقدير الضروري المطلوب تجاه الثقافة العربية وقيمتها، الذي من شأنه أن يعزز لدى أمة الضاد “الإحساس بالأمانة، فيأخذها بصدق ووفاء ومسؤولية نحو التفكير في العربية، والنهوض بها”.

وقال إن الجائزة تأتي في ظل مسارات “كثرت فيها تحديات العلم بين شعوب العالم وحضاراته، ودخلت فيها اللغات -بحسبانها أوعية ثقافية- في تسابق نحو التصدر في إنتاج الأفكار الأصيلة، ونيل قصب السبق في مجالات المعارف المختلفة”.

وفي هذا السياق، أشاد المري بتأسيس قطر جائزة “تكون رافعة لمستوى التأليف النوعي، ومساهمة بنحو فاعل ومؤثر في تعزيز الجدة والأصالة، ودافعة إلى مدارات تفكير مكتوب بلسان عربي مبين، يكون أرحب سعة وأكثر إنتاجًا، كما يكون أجود بناء وأعمق أثرًا”.

البلاغة والفلسفة

استفتح العالم اللغوي المصري محمد أبو موسى الجلسة الأولى، التي أدارها الدكتور سيدينا ساداتي، باستعراض جانب من مسيرته مع البلاغة العربية، والتي ابتدأها في مطلع تحصيله العلمي في خمسينيات القرن الماضي.

واستفاض من بعده الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن -في كلمته- بحديث حول البواعث العميقة التي دفعته إلى عالم التصنيف الفلسفي، محددًا ثنائية “الثغر والمرابطة” التي وجهت موقفه تجاه التفكير والتأليف.

وسرد المؤرخ الجزائري ناصر الدين سعيدوني قصة رحلته العلمية التي خاضها بين رحاب الجغرافيا واللغة العربية، وقادته من بعدُ إلى التخصص في علم التاريخ، الذي وسم أغلب إنتاجه.

ومن ثم تحدث الباحث اللبناني جيرار جهامي عن سيرته العلمية المتمحورة حول الفلسفة العربية والمنطق، في حين ألقى المحقق العراقي غانم قدوري الحمد ضوءًا سِيَريًّا على تطور اهتمامه بالدراسات القرآنية والعلوم الشرعية حتى بلوغه درجة الاختصاص.

ومن جانبه، أدار الأكاديمي السوداني الصديق عمر الصديق الجلسة الثانية، وابتدأ الحديث فيها مع المؤرخ القطري مصطفى عقيل الخطيب، متناولًا تحول اهتماماته نحو التاريخ، لا سيما التاريخ في الخليج العربي.

وجاءت كلمة المحقق والمؤرخ المصري أيمن فؤاد سيد التي تحدث فيها عن مدارج ارتقائه في علمي التاريخ والتحقيق، والعلاقة بينهما، مستشهدًا بأولى تجاربه مع الوثائق، التي وصل بها إلى ذروة تحقيقه لكتب تاريخية وأدبية مركزية في تراث الثقافة الإسلامية.

وقدمت المؤرخة الباحثة في التاريخ الشفوي الفلسطيني فيحاء عبد الهادي خطبة بليغة حول دور المرأة الفلسطينية الجوهري في النضال التحرري المستمر منذ الاحتلال.

وألقى الأكاديمي السعودي سعد البازعي أمام الجمع العلمي كلمة استعاد فيها أولى ذكرياته مع الكتاب، والتي تطورت بشكل كبير بعد الدراسة في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تعرف على مدارس النقد المختلفة، وتوّج هذه المعرفة برؤية منهجية ناقدة تجاه المنتج الثقافي غير العربي، تمتاز بالانفتاح الواعي الذي يوازن بين مرجعية الانتماء إلى الثقافة العربية، وضرورات القراءة التي تفرضها منجزات الثقافات الأخرى.

واختتم الشيخ الغاني قطب مصطفى سانو كلمات الجلسة الثانية بخطاب فصيح، أودع فيه خلاصة تاريخه في تحصيل العلم الشرعي، الذي بدأه في قريته الصغيرة في جمهورية غينيا، مرورًا بدراسته في المملكة العربية السعودية، حيث تعلم اللغة العربية إلى حد الإتقان، وصولًا إلى جهوده المبذولة في التأليف والإنتاج بالعربية، معبّرًا عن اعتزازه الكبير بانتمائه إلى ثقافة “الضاد” الواسعة.

جائزة الكتاب

وقال الدكتور عبد الواحد العلمي المدير التنفيذي لجائزة الدوحة للكتاب العربي إن الجائزة تهدف لتقدير جهود الباحثين حق قدرها، والتنويه بثمراتهم العلمية والفكرية والمعرفية.

وأضاف العلمي أنه ضمن أهداف الجائزة “تشجيع الأفراد والمؤسسات على تقديم أفضل إنتاج معرفي في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وتكريم الدراسات الرصينة، والتعريف بها والإشادة بجهود أصحابها، فضلًا عن دعم دور النشر الرائدة، للارتقاء بجودة الكتاب العربي شكلًا ومضمونًا”.

وأوضح أنه يمكن الترشح للجائزة في فئتين: فئة الكتاب المفرد، ويُشترط فيه أن يكون مؤلفًا باللغة العربية، وأن ينتمي موضوعه إلى أحد المجالات المعرفية للجائزة، وأن يكون نُشِر ورقيًّا (وله رقم إيداع دولي) خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وألا يقل عدد كلماته عن 30 ألفًا، وأن يلتزم المؤلف بالضوابط العلمية منهجًا وتوثيقًا، وأن يشكّل الكتاب إضافة نوعية إلى الثقافة العربية.

أما الفئة الثانية فهي فئة الإنجاز، ويُشتَرط في الترشح لها (سواء أكان فردًا أم مؤسسة) بروز إنتاج معرفي، فيه رفد للفكر والإبداع في الثقافة العربية، وتميز بالجدة والأصالة، وأن يشكّل إضافة إلى المعرفة والثقافة الإنسانية.

كما يجب على دار النشر المترشحة أن تكون ملتزمة بقوانين الملكية الفكرية ونُظمها، وعليها أن تقدم الملفات والوثائق المؤيدة مرفقة مع استمارة الترشح، حيث يمكن الترشح في أي من الفئتين، على أن يندرج العمل في أحد المجالات المعرفية التي تعلن عنها الجائزة كل عام، وتشمل هذا العام العلوم الشرعية والدراسات الإسلامية، والدراسات اللغوية والأدبية، والعلوم التاريخية، والدراسات الاجتماعية والفلسفية، والمعاجم والموسوعات، وتحقيق النصوص.

وفي كلمة للمكرمين بالجائزة في دورتها التأسيسية، قالت مدير مركز الرواة للدراسات والأبحاث فيحاء عبد الهادي: “نعبّر عن اعتزازنا وفخرنا باختيارنا للتتويج بالجائزة في دورتها التأسيسية، التي تمثل انتصارًا للثقافة والفكر والإبداع في زمن نحن في أشد الحاجة فيه إلى التمسك بثقافتنا وهويتنا العربية؛ لأن الثقافة هي السلاح الرئيس الذي يمكّننا من الوقوف أمام استلاب مجتمعنا العربي”.

وأضافت أن الاهتمام الحقيقي بالثقافة يرتبط بشكل وثيق بوضع إستراتيجيات ثقافية عربية تحترم الكُتّاب والمفكرين والعلماء في مجالات البحث العلمي، والتشجيع على مزيد من الإبداع، مبينة أن الإعلان عن الجائزة تكريم للباحثين، وكذلك لدور النشر العربية.

وأشارت الدكتورة فيحاء عبد الهادي إلى أن الجائزة تأتي لدعم الكتاب العربي، في الوقت الذي تتعرض فيه الثقافة العربية في فلسطين إلى التدمير على يد الاحتلال الإسرائيلي، الذي مارس أبشع الجرائم حتى طالت الثقافة، فدمر الأرشيف الوطني في غزة، وأتلف آلاف الوثائق التاريخية، وأحرق المكتبات والمتاحف في عدوان سافر على الثقافة العربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *