مجتمع

عائدون (ح10).. سامر يسترجع صمود الأسرى المغاربة وتدخلهم البطولي لإنقاذ سكان المخيمات

لا تختلف قصة الضابط المتقاعد في القوات المسلحة الملكية، عبد الله سامر، ابن مدينة وجدة، كثيرا عن تجربة الأسير عدي عليلوش، إذ أن قاسمهما المشترك هو العذاب والمعاناة، فقد قضى سامر هو الآخر ربع قرن في معتقلات البوليساريو وسجون الجزائر، وذاق مختلف أنواع التعذيب والمعاناة، لا لشيء إلا لكونه حمل السلاح للدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، وعن مغربية الصحراء.

ويحكي الأسير عبد الله سامر ضمن برنامج “عائدون” على جريدة “العمق”، تجربته المريرة مع الأسر لمدة 25 سنة في معتقلات وسجون البوليساريو والجزائر، و ظروفَ اعتقاله وتعذيبه بشتى أنواع الأذى النفسي والجسدي بمخيمات “تندوف”، كما كشف حقائق لأول مرة عن استنطاقه من قبل مسؤولين جزائريين، ومحاولته الهروب في مرات عديدة بعدما كان يمني النفس بحلم العودة الذي لم يتأت له إلا بعد مرور ربع قرن من الزمن.

الحلقة 10: تدخل بطولي للأسرى المغاربة

بعد ساعات من التحقيق معهما داخل المقر تحت أرضي لما يسمى بـ”مديرية أمن البوليساريو”، عاد سامر ورفيقه ميلود مرة أخرى إلى الأعمال الشاقة بالمخيمات، وما يتخللها من حلقات تعذيب وجلد لظهور الأسرى بـ”الكابل” لمدة أسبوع، وهو ما لم يتحمله الأسير ميلود، نظرا لتقدمه في السن، في حين أن سامر ظل مستميتا وساعده في ذلك بنيته الجسمانية الرياضية وصغر سنه إذ لم يكن يتجاوز عمره 23 سنة.

بعد “أسبوع في الجحيم”، اقتاد الحراس سامر من جديد إلى القسم العسكري بـ”تندوف” حيث وجد هناك ضابطا جزائريا ومعه عنصر من مرتزقة البوليساريو، ويحكي سامر: “طلب مني أن أجلس، فبدأ بطرح الأسئلة عليَّ تارة بالفرنسية وتارة أخرى بالعربية.. ما هي الأسلحة التي يتوفر عليها المغرب، حتى لو كنت أعرف أنواعها ما كنت لأقول شيئا، أخبرته فقط أنني كنت أحمل معي بندقية كلاشينكوف”،

وواصل الضابط الجزائري استنطاقه قائلا: “ماذا تعرف إذن”، ليرد عليه سامر: “أنا خريج المركز الرياضي العسكري، آنذاك في سنة 1979 كان منتخب الجزائر قد انتصر على المنتخب المغربي بـ5 مقابل 1، وفي مقابلة العودة فازوا أيضا بـ3 مقابل واحد، قال لي إذن فلنتحدث في الرياضة، سألني عن رأيي في نتيجة المقابلة، وبكل روح رياضية أجبته بأن المنتخب الجزائري كان يستحق الانتصار لأنه يمتلك فرقة بعناصر ممتازة، واختيارات مدرب المنتخب المغربي آنذاك كليزو لم تكن موفقة”.

واستمر سامر في تحليله الرياضي : “إن المنتخب الجزائري قدم مقابلتين في المستوى واستحق الفوز. وواصل نقاشه مع الضابط الجزائري حول هاتين المقابلتين، قائلا: “أخبرته أن المغرب شارك في مونديال مكسيكو، وتونس في مونديال الأرجنتين، وهذه فرصة للجزائر أن تتأهل إلى مونديال 1982، هذا الكلام لم يرقه، ورد عليَّ هل تعني بأنكم متفوقين علينا بـ12 سنة، كنت أجيبه بروح رياضية، لكن الجزائريين لديهم عقدة المغرب في الدم للأسف”.

لم يستسغ الضابط الجزائري كلام سامر، فقذفه بعلبة سجائر على وجهه، ونادى على أحد الحراس ويدعى “عبد الله”، قائلا: “هذا عطيوه العصا حتى يعترف”، كذلك كان حيث أمضى الأسير 15 يوما في التعذيب إلى أن أصبح ظهره أزرقا بفعل الضرب بواسطة الأسلاك الكهربائية، قبل أن يعيدوه إلى وسط باقي الأسرى ويستمر في القيام بالأشغال الشاقة وسط المخيمات.

في إحدى احتفالات الانفصاليين بذكرى تأسيس جمهوريتهم الوهمية، سنة 1987، تم جلب الأسرى المغاربة البالغ عددهم آنذاك 600 أسير، لتقديمهم أمام الضيوف والصحافة. وتسبق هذه الاحتفالات التي تقام في شهر فبراير، تحضيرات منذ شهر دجنبر، يمولها معمر القذافي وبعض المنظمات الدولية منها هيئة حقوق الإنسان الفرنسية التي تترأسها “دانيال ميتران” (زوجة الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميرتان)، ومنظمات كتلانية وأخرى سويدية، تمول بملايين الدولارات من أجل بناء المساكن والمقرات والمدارس والمستشفيات، حتى يظهروا أمام الصحافة الدولية بأنهم منظمين جيداً.

يحكي سامر بأن المقرات والمستشفيات والمدارس ومراكز الاستقبالات والمراحيض التي تمول بناءها تلك المنظمات والقذافي لفائدة البوليساريو كلها تبنى على ظهور الأسرى المغاربة الذين يعملون ساعات طوال، تحت أعين عبد العزيز المراكشي الذي كان يتجول بينهم بسيارة “لاندروفير” مملوءة بأسلاك الكهرباء ويوزعها على الحراس من جنسيات موريتانية وجزائرية حيث يستخدمونها في جلد أي أسير يتهاون في عمله.

ومضى مستطرداً: “كنا نحفر حفرا كبيرة، ومع ذلك يرددون علينا بلهجتهم الحسانية (ما بغينا خدمتكم يا شلوحة بغينا عذابكم) وقد دامت هذه المعاناة والأعمال الشاقة سنوات قبل أن تخفف قليلا، بعد أن بدأ الصليب الأحمر الدولي في زياراته للأسرى”، واضاف سامر مسترسلاً أنه عندما كانت الصحافة الدولية تزورهم كان هو وبعض الأسرى يخبرونهم بحقيقة معاناتهم وكانوا ينالون تعذيبا مضاعفا، وكعقاب لهم، لم يكن يسمح لهم باللقاء بعناصر الصليب الأحمر الدولي سنتي 81 و82.

وكان أول لقاء لسامر بعناصر الصليب الأحمر الدولي سنة 1993، بعد أن زارت سويسرية تشتغل مع هذه المنظمة الدولية مدينة وجدة والتقت بعائلات الأسرى والشهداء المغاربة، فطلبت منها والدة سامر أن تسأل عن حال ابنها وهل لازال حيا، مباشرة بعد ذلك تمكن الأسير عبد الله سامر من اللقاء بالصليب الأحمر.

ويحكي سامر كيف أن الضباط الجزائريين ومرتزقة البوليساريو كانوا مرعوبين من صبر وتحمل الأسرى المغاربة لكل التعذيب الجسدي والنفسي الذي يمارس عليهم ليل نهار، ويقول في هذا الصدد: “كانوا يرددون فيما بينهم هاد الشلوحة (المغاربة) العصا والجوع وديما ضاحكين ومتشبثين .. هم لا يعرفون بأننا صبرنا كان من أجل الوحدة الترابية ولأننا لم نكن مرتزقة لا مجرمين ومقتنعين بقضيتنا”.

ويتذكر ابن مدينة وجدة، العمل البطولي للأسرى المغاربة الذي أنقذوا مئات العائلات الصحراوية، بعد الفيضانات التي عرفتها مخيمات “تندوف”، “لم تشهد المخيمات مثلها طيلة 24 سنة التي قضيتها هناك ، فقط الحرارة المفرطة والرياح، وفي إحدى الأيام وبينما نحن منهمكين في بناء مستشفى فوق تل، فإذا بأمطار طوفانية تضرب المخيمات وتجرف معها الأخضر واليابس”.

رمى الأسرى المغاربة ما في أيديهم وهبوا لإنقاذ النساء والأطفال والشيوخ الذين كادت تجرفهم السيول، خصوصا وأن المخيمات مبنية فوق الوديان والشعاب، كان هذا المشهد البطولي للأسرى المغاربة أمام مرأى ومسمع قيادات البوليساريو والضباط الجزائريين، “عبد العزيز المراكشي كان يراقبنا وعيناه تملأهما الدموع، في حين أن الجزائريين لم يرقهم إنقاذ الأسرى المغاربة للعائلات الصحراوية، لأنهم يريدون أن تظل العداوة مع إخوتنا الصحراويين المحتجزين بتندوف”، يضيف الأسير السابق سامر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *