سياسة

من تحدي المشاركة السياسية إلى إدارة الشأن الداخلي.. يتيم يعيد قراءة تجربة العدالة والتنمية (ح3)

يُقدم القيادي بحزب العدالة والتنمية والوزير الأسبق محمد يتيم، قراءة مفصلة لتجربة حزبه السياسية والتنظيمية، انطلاقا من تحديات المشاركة السياسية وتدبير الشأن العام خلال الولايتين الحكوميتين السابقتين، إلى تحديات تدبير الشأن الداخلي للحزب، وذلك بناء على تشخيص يقوم على إبراز المنجزات والمكتسبات ورصد مكامن للخلل والإخفاقات بناء على رؤية تحليلية من الداخل، وهي القراءة التي خصّ بها يتيم جريدة “العمق المغربي”، على أن يتم نشرها ضمن سلسلة من الحلقات.

وفيما يلي نص الحلقة الثالثة:

محطات مفصلية في تاريخ حزب العدالة والتنمية 

إن الحديث عن تجربة حزب العدالة والتنمية، يتعين أن يمر ضرورة  بالوقوف عند محطات أساسية في تاريخه وبالأساس عند تجربة مؤسسه الدكتور الخطيب والرعيل الأول من مناضلي الحزب، وهي  تجربة فيها مراحل من  المشاركة المؤسساتية من موقع المعارضة، وأخرى من موقع  التدبير وإن كان التموقع في المعارضة هو الخط الغالب عليها وهو ما نعرض له بإيجاز في هذا العمل .

       محطات في المسار النضالي للدكتور عبد الكريم الخطيب:

لا ينفصل مسار الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، عن مسار الدكتور الخطيب رحمه، الرجل الذي كان رجل مقاومة بامتياز، ومن المؤسسين لجيش التحرير وأحد قياداته إلى جانب قادة آخرين منهم: حسن صفي الدين وعباس المسعدي والغالي العراقي وعبد الرحمن اليوسفي والدكتور عبد الكريم الخطيب..

وقد كان للعمل النضالي للمقاومة وجيش التحرير دور في تسريع عودة الملك محمد الخامس من المنفى. وكان الدكتور الخطيب مع عدد من رجال المقاومة وجيش التحرير قد رفض مبادرة “إيكس ليبان” التي كان من بين مقترحاتها تكوين مجلس وصاية دون اعتبار رجوع الملك من منفاه. وصعد المجاهدون من مقاومتهم أكثر فأكثر، مما أدى إلى إفشال الاتفاقية، مما اضطر سلطات الاستعمار الفرنسي إلى محاولة تهدئة الأوضاع، بإرجاع محمد الخامس من منفاه، 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1955.

 –   من النضال ضد الاستعمار إلى النضال ضد الاستبداد.. المناهضة المبكرة لفكرة الحزب الوحيد

وفي السنوات التي أعقبت استقلال المغرب، كانت موضة الحزب الوحيد “موضة ” سائدة في العالم العربي .

لم تسلم الحياة السياسية المغربية من تأثيراتها، مما أدى إلى ظهور استقطاب سياسي في المغرب المستقل حديثا بين تيارين اثنين: دعاة الحزب الوحيد من جهة، ودعاة انفتاح الحياة السياسية بالبلاد على التعددية الحزبية.

وكان الدكتور الخطيب من رواد الرفض للهيمنة والاستبداد السياسي، مما جعله يقود حركة شعبية رافضة للهيمنة والاستبداد السياسي، ومما حذا به مع عدد من رفاقه من بينهم المحجوبي أحرضان ورفيقه في الكفاح بن عبد الله الوكوتي إلى تأسيس حزب سياسي تحت اسم “الحركة الشعبية”.

وكان حزب الشورى والاستقلال، قد تعرض لحملة تضييق وتصفية لعدد من مناضلية من قبل التوجهات المتأثرة بفكرة الحزب الوحيد، فكانت الحركة الشعبية حركة سياسية معارضة لهذا التوجه ومناهضة لسياسة الحزب الوحيد، وداعية ومناضلة من أجل دعم الحريات العامة.

و كان على رأس هذا التوجه، وذاك الموقف يومها كل من الدكتور الخطيب والمحجوبي أحرضان ومبارك البكاي والحسن اليوسي، حيث سيتم في شهر شباط (فبراير) 1959 الإعلان الرسمي لتأسيس حزب الحركة الشعبية، وسيعقد  المؤتمر التأسيسي للحزب، في شهر كانون الأول (ديسمبر) من نفس السنة والذي حدد التوجهات في ثلاث ثوابت: الاشتراكية الإسلامية، وحدة شمال إفريقيا، الملكية الدستورية.

    الحركة الشعبية والمشاركة في تدبير الشأن العام   

تعتبر المرحلة الأولي من مراحل تطور المسار السياسي لحزب الحركة الشعبية مرحلة مشاركة في التدبير، حيث تسجل هذه المرحلة مشاركة الحزب في أول انتخابات جماعية في تاريخ المغرب سنة 1960.

كما ستتميز بمشاركته في الحكومة التي ترأسها محمد الخامس ثم الحسن الثاني، وتقلد أحد قادته أي المحجوبي أحرضان منصب وزير الدفاع، كما تقلد الدكتور الخطيب، منصب وزير الشغل و وزير الشؤون الإفريقية  بعد ذلك بسنة واحدة.

وخلال مؤتمره الثاني المنعقد بمدينة مراكش، سنة 1962، سيعلن عن الحزب عن برنامجه السياسي حيث سيطالب بتطوير الحياة السياسية، من خلال المطالبة بإقامة ملكية دستورية، وسيكون الحزب حاضرا  في لجنة صياغة أول دستور للبلاد حيث سيكون من أكثر المدافعين عن إدماج صفة أمير المؤمنين، دين الدولة الإسلام.

ستشارك الحركة الشعبية سنة 1963 في أول انتخابات تشريعية تشهدها البلاد، وسيتم اختيار الدكتور الخطيب رئيسا لأول مجلس نواب في المملكة المغربية قبل أن يعلن الملك الحسن الثاني بتاريخ 7 يونيو 1965، حالة الاستثناء.

    من الحركة الشعبية إلى الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية

رفض الدكتور الخطيب الذي كان رئيسا لمجلس النواب آنذاك، هذا القرار رفضا قاطعا، باعتباره انتكاسة خطيرة في تعزيز مسار الحريات العامة، وردّة عن الدستور، ويشكل بابا مفتوحا لكل التجاوزات.

ونتيجة للاختلاف حول الموقف من حالة الاستثناء مع المحجوبي أحرضان، سيحدث انشقاق في الحزب في فبراير 1967 بتأسيس الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية من قبل الدكتور الخطيب وعدد من الشخصيات من قبيل بنعبد الله الوكوتي وبوخرطة ومحمد البكاي.

وقد استمدت تسمية الحزب تلك أصولها من تطلع الدكتور الخطيب ورفاقه لحياة سياسية تسودها قيم الحرية والعدل، في ظل دستور يصوغه مجلس تأسيسي ينتخبه الشعب مباشرة فجاءت تسمية: الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية معبرة عن المشروع السياسي للحزب.

سيصدر الحزب مذكرة تاريخية عكست رؤيته لشروط الخروج من المأزق السياسي الذي دخلت إليه البلاد، والتي تلخصت في أربعة شروط وهي: اعتماد الكتاب والسنة في كل مناحي الحياة، تدعيم الديمقراطية والخروج الفوري من حالة الاستثناء، إجراء انتخابات نزيهة وحكومة مسؤولة ومنبثقة من أغلبية برلمانية، تطهير القضاء وإصلاحه إصلاحا شاملا، الاهتمام بالثقافة الأمازيغية.

  • الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية وخيار المعارضة بعد حالة الاستثناء

اختار الدكتور الخطيب ورفيقه بن عبد الله الوكوتي تجميد الحزب للمشاركة في الانتخابات بسبب استمرار تأزم الأوضاع السياسية في المغرب، ورفضه لتزكية ما سماه بـ “مسلسل الزور” بسبب التزوير والتلاعب بالانتخابات.

وتوجه الدكتور الخطيب للانشغال بقضايا الأمة من خلال الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني والجمعية المغربية لمساندة الجهاد الأفغاني والجمعية المغربية لمساندة مسلمي البوسنة والهرسك.

    محطة مفصلية في تاريخ الحزب 

كانت بعض التظاهرات التي تنظم في تلك القضايا، مناسبة للتعرف على مناضلي الحركة الإسلامية (حركة الإصلاح والتجديد)، لتبدأ انطلاقة جديدة لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، حيث سيفضي ذلك إلى اندماج مكونات من الحركة الإسلامية في الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية.

و نقصد أساسا حركة التوحيد والإصلاح، التي هي حصيلة مكونين من مكونات الحركة الإسلامية، ويتعلق الأمر بحركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي التي هي الأخرى كانت حينها توليفا بين عدد من الفصائل الإسلامية،   وكانت كل من حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي قد أعلنت عن توحيد تنظيمها في نفس السنة مما يمكن معه اعتبار سنة 1996 سنة الائتلاف،   مؤتمر استثنائي للحزب     .

وقد شكلت لحظة انعقاد المؤتمر الاستثنائي شهر يونيو 1996 لحظة فارقة في تاريخ الحزب، وهو المؤتمر الذي سيدشن رسميا التحاق عدد من أطر حركة التوحيد والإصلاح  بهيئات الحزب،   وسيتوج المؤتمر بانتخاب الدكتور عبد الكريم الخطيب أمينا عاما للحزب  كما سيتم انتخاب الدكتور سعد الدين العثماني نائبا له، وسيصبح عدد من قياديي الحركة وبعض أعضائها أعضاء في الأمانة للحزب، و ستسهم الحركة من خلال عدد من أعضائها في الجهات والأقاليم في تأسيس هيئات الحزب الإقليمية والجهوية

  • الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية والاستحقاقات الانتخابية .

وقد سجلت المشاركة في الانتخابات الجماعية لسنة 1996 ظهور خلاف فيما يتعلق  بحجم المشارك، حيث  كان الدكتور الخطيب يؤكد على أن المشاركة ينبغي أن تكون موسعة  بالشكل الذي يحافظ على صورة  الحزب وهيبته، بينما كان المنطق الذي حكم تقدير المكونات الجديدة المندمجة في الحزب ، أن تكون مشاركة الحزب  متدرجة ومحكومة بهاجس “الانسياب اللطيف” في الحياة السياسية الوطنية ، وهو ما انتهى بإحجام الحزب عن المشاركة  ، في حين ترشح بعض أعضائه بطريقة مستقلة

 –     تمثيل الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية في البرلمان.

سيشارك الحزب في الانتخابات التشريعية لسنة 1997، حيث سيحصل على تسعة مقاعد.وبعد انتخابات الإعادة في بعض الدوائر سيحصل على ثلاثة مقاعد إضافية ، كما سيلتحق برلمانيان اثنان بصفوفه، مما رفع عدد أعضاء فريقه البرلماني إلى 14.

وخلال مجلسه الوطني المنعقد عام 1998 قرر الحزب تغيير اسمه إلى حزب العدالة والتنمية، واتخذ “المصباح ” التقليدي رمزا انتخابيا له.

  • من المساندة النقدية إلى المعارضة

أما فيما يخص التموقع السياسي للحزب خلال تلك المرحلة، فإنه سيتطور مما كان قد اصطلح علي تسميته آنذاك ب “المساندة النقدية ” إلى المعارضة . وكان الحزب قد اعتذر عن المشاركة في حكومة السيد عبد الرحمن اليوسفي (حكومة التناوب) مع إعلان مساندة الحكومة مساندة نقدية، حيث كان قد قدر أن الظرفية السياسية الخاصة المتميزة بتجربة التناوب التوافقي التي أنهت تاريخا طويلا من المشاكسة السياسية في البلاد، تقتضي الإسهام إيجابا في دعم التجربة مع المحافظة على مسافة منها، خاصة وأن عرض المشاركة في الحكومة كان عرضا رمزيا لم يكن يستجيب لتطلعات الحزب.

سيقرر الحزب الانتقال لموقع المعارضة سنة 1999 حين خلص إلى أن هناك توجهات داخل الحكومة تمس بالمرجعية الإسلامية ، وهو التحليل الذي بلغ مداه خاصة بعد الإعلان عما سمي بـ ” الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية” ، التي جاءت بمقتضيات تمس بالمرجعية الإسلامية ، وما نتج عن ذلك من استقطاب اجتماعي مالت فيه الكفة إلى التوجه المدافع عن المرجعية الإسلامية.

سينخرط الحزب والحركة في التصدي لتلك الخطة فكريا وسياسيا لتلك، وسيسهم في تنظيم مسيرة مليونية تعتبر من بين أكبر المسيرات التي عرفها المغرب، و    ثم جاء التحكيم الملكي واضحا حين أعلن جلالة الملك في خطاب افتتاح السنة التشريعية لسنة 2003، أنه لا يمكنه، بصفته أميرا للمؤمنين، أن “يحل حراما أو أن يحرم حلالا”.

    تطور متصاعد في ولوج الحزب في العمل المؤسساتي

سيعمل الحزب بالتوازي مع التقدم في إعادة هيكلته مركزيا ووطنيا بالتقدم تدريجيا في تعزيز موقعه في الخارطة السياسية إذ أنه سيحصل في انتخابات عام 1997 بتسعة مقاعد في مجلس النواب، ويشكل فريقا برلمانيا بمجلس النواب، بعد التحاق بعض النواب المستقلين ـ 42 مقعدا في سنة 2002 وسيحقق الحزب خلال الانتخابات الموالية نقلة نوعية بحصوله على  46 مقعدا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *