وجهة نظر

لماذا إصلاح نظام التقاعد.. ؟

جعلت حكومة بنكيران إصلاح نظام المعاشات المدنية هدفا مركزيا ومحوريا في برنامج عملها، علما أنها لا تتحمل مسؤولية تأزمه وليس لها يد في هذا الإرث الثقيل، غير أن مسؤوليتها التاريخية واستحضارها للكلفة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الباهظة المرتقبة إن لم يتم تدارك الأمر، دفعها إلى التسريع في تنزيل الإصلاح.

ولفهم مشكل نظام التقاعد وفك خيوط أزمته ومعرفة آثار وتداعيات عدم إصلاحه على الحياة الاجتماعية والمشهد السياسي المغرب، سنجيب في هذا المقال على ال5 أسئلة التالية: ما هي أنظمة التقاعد في المغرب؟ لماذا هذا الإصلاح مستعجل؟ ما السبب وراء أزمة نظام المعاشات المدنية؟ كيف كان يمكن تفادي هذه الازمة في سنة 2004 و2006 و2009؟ ماذا لو لم تقم الحكومة بإصلاح نظام المعاشات المدنية؟

على أن نبسط في مقال مقبل ركائز ومقاربة خطة إصلاح أنظمة التقاعد ومعالمها الأساسية والإجراءات الحكومية المعتمدة لمواكبة هذ الإصلاح.

أنظمة التقاعد في المغرب

يتوفر المغرب على 4 أنظمة للتقاعد؛ أولها، الصندوق المغربي للتقاعد (CMR)، يستفيد منه موظفو الدولة المدنيون -موظفو الجماعات المحلية – ومستخدمو بعض المؤسسات العمومية؛ ثانيا، النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد (RCAR)، يستفيد منه مستخدمو الجماعات المحلية غير المرسمين ومستخدمو مؤسسات عمومية؛ ثالثا، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)، ويستفيد منه أجراء القطاع الخاص؛ رابعا، النظام المسير من طرف الصندوق المهني المغربي للتقاعد (CIMR)، وهو تكميلي اختياري في القطاع الخاص. والملاحظة العامة أن كل هذه الأنظمة متأزمة وفي حاجة إلى الإصلاح غير أن أزمة الصندوق المغربي للتقاعد أكثر حدة.

ضرورة واستعجالية الاصلاح

في بداية سنة 2014 أصبحت مداخيل نظام المعاشات المدنية لا تغطي نفقاته وبالتالي تم اللجوء إلى احتياطات هذا النظام؛ وذلك بسبب العجز الناتج عن الفارق بين المساهمات والمعاشات والذي بلغ مليار درهم سنة 2014 و3 مليار سنة 2015 وما يناهز 6 مليار مرتقبة سنة 2016؛

وبحسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول التقاعد لسنة 2013 فإن كل يوم يتأخر فيه الإصلاح يكلف 60 مليون درهما أي 20 مليار درهم سنويا من قيمة تفاقم الدين المتعلق بنظام المعاشات المدنية. في حالة عدم تطبيق الإصلاح، سيتراكم العجز إلى حوالي 14 مليار درهم في 2017 ليصبح المجموع العام للعجز المتراكم 135 مليار درهم سنة 2023؛ ولم تتبق سوى سنتين (2016-2017) لإنجاز الإصلاح قبل أن يتم اللجوء قانونيا إلى رفع معدلات الاقتطاع بطريقة قسرية وتلقائية تطبيقا للمرسوم الذي يشتغل به الصندوق المغربي للتقاعد، فبحلول سنة 2018 ستصبح احتياطيات هذا النظام غير قادرة على تغطية سوى سنتين من المعاشات، وهو الشرط الذي وضعته المادة 7 من المرسوم الصادر في نونبر 1996 وطبقا لمقتضيات المادة 13 من القانون رقم 95-43 الصادر في غشت 1996، المتعلقين بتنظيم الصندوق المغربي للتقاعد، من أجل فرض رفع نسبة المساهمة من 20% إلى 42% لضمان توازن المساهمات والخدمات لمدة 10 سنوات إضافية.

أزمة نظام المعاشات المدنية؟

لعل أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى هذه الأزمة في نظام المعاشات المدنية، هو طريقة احتساب التقاعد حيث يتم ذلك بضرب عدد سنوات الخدمة في نسبة 2,5% من آخر أجر محصل عليه، بنسبة تصل إلى % 100 في حالة احتساب الامتيازات الضريبية، حيث يتجاوز المعاش المستحق آخر أجر محصل؛ حيث وصلت معدلات التعويض بالنسبة للمعاشات المدنية تبلغ في المتوسط 83 %، وهي بذلك تعد مرتفعة مقارنة مع معظم الدول الأخرى كفرنسا (50%) وكندا (44,4%) وتركيا (64,5%) والبرتغال (53,9%) والشيلي (44,9%) واليابان (34%).

معادلة الحساب هاته كانت ممكنة في السابق حيث كان هناك 12 منخرطا مقابل متقاعد واحد أما الآن فهناك 3 منخرطين مقابل متقاعد واحد، مما يجعل تطبيق هذه الطريقة غير ممكنا لأن المداخيل لم تعد تغطي النفقات؛ بمعنى آخر انتقلت نفقات التقاعد من 435 مليون درهم سنة 1986 إلى 14 مليار درهم سنة 2013 لفائدة 280 ألف متقاعد حيث تضاعفت ب34 مرة بين سنتي 1986 و2013؛

وكنتيجة لهذا أصبح مقابل كل درهم مقتطع من الأجر، يستفيد المنخرط من درهمين في المعاش في عكس تام ومطلق لقواعد عمل نظام المعاشات المدنية.

كان يمكن تفادي هذه الازمة في سنة 2004 و2006 و2009…

كان من المفروض أن يتم الإصلاح بعد أداء الدولة لمتأخراتها والمتمثلة في 11 مليار درهم انطلاقا من سنة 2004 بناء على اتفاق موقع عليه بعد توافق بين الوزير الأول الأسبق السيد ادريس جطو والنقابات، وذلك في إطار اللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح التقاعد التي تشارك فيها النقابات، لكن تأخرت المعالجة طيلة 10 سنوات مما أدى إلى تفاقم الأزمة؛

وفي سنة 2006، كان ممكنا الاكتفاء برفع سن التقاعد بسنوات أقل من المقترح حاليا ورفع المساهمة بأقل من المقترح حاليا من أجل إنجاز الإصلاح؛ كما أنه كان من الممكن أن يوفر الصندوق 85 مليار درهم لو تم الإصلاح قبل خمس سنوات.

ماذا لو لم تقم الحكومة بإصلاح نظام المعاشات المدنية

إذا لم يتم الإصلاح، كان لا قدر الله سيتوقف صرف المعاشات لفئة تهم حوالي 400 ألف مستفيد بحلول سنة 2022؛ وإذا ما أرادت الدولة معالجة عجز الصندوق المغربي للتقاعد بالاعتماد على تعديل كل مقياس على حدة، فهذا يعني 3 خيارات: أولا، إما الرفع من معدل الاقتطاع من 20% حاليا إلى 50% ابتداء من سنة 2016؛ ثانيا، تخفيض قيمة المعاشات بالنصف بما فيها المعاشات المصروفة حاليا؛ ثالثا، الرفع من سن الاحالة على التقاعد الى 77 سنة. وكلها خيارات كارثية، الأمر الذي دفع الحكومة لإعداد خطة متوازنة وإصلاح واقعي يأخذ بعين الاعتبار الحقوق والمكتسبات.

وهو ما سنقوم ببسطه في المقال المقبل إن شاء الله، حيث سنجيب على 3 أسئلة أخرى وهي: ما هي ركائز ومقاربة خطة الإصلاح؟ وماهي المعالم الأساسية لها؟ ما هي الإجراءات الحكومية المعتمدة لمواكبة إصلاح أنظمة التقاعد؟