متى ينتصر التفكير على “الهضم” في الإنتخابات؟

في كل استحقاق انتخابي، يتكرر نفس المشهد: وعود كثيرة، خطابات رنانة، وجبات مجانية، وقفف توزع بسخاء، في محاولة لاستمالة الناخبين. وكأن العملية الإنتخابية، التي من المفترض أن تكون لحظة ديمقراطية تعكس إرادة الشعب، قد تحولت إلى موسم “للهضم”، لا للتفكير.
وهنا يبرز السؤال الجوهري: متى ينتصر التفكير على الهضم في الإنتخابات؟
المقصود بـ”الهضم” هنا ليس فقط الطعام أو المال الذي يوزع خلال الحملات الإنتخابية، بل هو رمز لاختزال الفعل الإنتخابي في غريزة آنية، تتحرك فيها البطون بدل العقول، إنه تعبير مجازي عن اختطاف الوعي السياسي وتحويل التصويت إلى صفقة قصيرة الأمد.
أما “التفكير”، فيمثل ذلك السلوك العقلاني المسؤول، الذي يجعل المواطن يصوت بناء على برامج الأحزاب، وسجلات مرشحيها، وقناعاته حول مستقبل مدينته أو قريته أو بلاده.
إن ضعف الوعي السياسي يجعل جزء كبير من المواطنين، خصوصا في العالم القروي أو في الأحياء الهامشية، بعيدا عن النقاش العمومي والسياسي، ما يجعلهم أكثر عرضة للتأثير بالوسائل البدائية.
كما أن فقدان الثقة وتراكم الخيبات من الوعود الكاذبة، وبرامج الأحزاب التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ، جعل شريحة من الناخبين ترى في “الربح اللحظي” (مال، قفة، خدمات) الخيار الوحيد المتاح.
بالإضافة إلى الهشاشة الإقتصادية والحاجة الماسة تجعل المواطن يفكر في “اليوم”، لا في “المستقبل”، فيضحي بصوته مقابل مقابل مادي مؤقت.
تردي الخطاب السياسي كذلك حينما لا تكون هناك برامج واضحة، ولا مشاريع مقنعة، يسهل استبدال الإقناع العقلاني بالإستمالة العاطفية أو المادية.
ورغم هذا الواقع، هناك بوادر أمل لا يمكن إنكارها:
– وعي متزايد لدى فئة من الشباب المغربي بأهمية المشاركة السياسية الواعية.
– انتشار المبادرات المدنية والتوعوية التي تفضح أساليب “شراء الذمم”.
– ظهور مرشحين وأحزاب يعتمدون على خطاب عقلاني ومقترحات عملية بدل الوعود الفارغة.
– التنامي التدريجي لثقافة المحاسبة، حيث بدأ المواطنون يطالبون بجرد الحصيلة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
إن عنصر التفكير يمكن أن ينتصر، عندما يصبح صوت المواطن أداة للتغيير، لا مجرد سلعة.
عندما يدرك الناس أن انتخاب ممثلين غير أكفاء هو مشاركة غير مباشرة في الفساد.
عندما تتراجع الأمية السياسية ويعلو صوت البرامج على الأطباق.
وعندما يتعامل الناخب مع الانتخابات كفرصة لبناء المستقبل، لا كوسيلة لحل مشاكل آنية…
إن الإنتقال من الهضم إلى التفكير ليس بالأمر السهل، لكنه ليس مستحيلا، إنه مسار طويل، يبدأ بالتربية السياسية داخل المدارس، ويمر عبر إعلام مهني ومسؤول، ولا يكتمل دون مواطن يؤمن أن صوته له قيمة، وقادر على إحداث فرق.
ففي النهاية، لا ديمقراطية حقيقية دون وعي، ولا وعي دون تفكير.
اترك تعليقاً