وجهة نظر

ميناء الداخلة والمبادرة الأطلسية

مقدمة

امتد المغرب عبر تاريخه السياسي، منذ ما يزيد على 20 قرنا ،على ساحليين بحريين الأول بالبحر الابيض المتوسط والثاني على المحيط الأطلسي مما كرس حدوده السياسية (1)، وفي نفس الوقت وفر له موقعا جيوستراتيجي خاص(2). لكن هذا لم يسهم في تحوله إلى قوة بحرية ، حيث حتى في عهد تمدده الامبراطوري بقي قوة عسكرية برية(3). فعلى الرغم من أن كل التهديدات الخارجية التي كانت تأتيه عبر سواحله المتوسطية ، أو سواحلة الأطلسية ، فلم يتوفر حتى في عهود قوته السياسية والعسكرية على أسطول بحري قوي .إذ رغم محاولات بعض السلاطين الموحدين والمرينيين وكذا محاولات السلطان سيدي محمد بن عبد الله لتكوين أسطول بحري (4) إلا أن هذه المحاولات كانت تبوء بالفشل . ولعل هذا ما سمح بالتسرب الأوربي إلى المغرب وسهل استعماره من طرف فرنسا(5) وإسبانيا . لكن بتولي الملك محمد السادس الحكم تبنت الدولة استراتيجية تروم تكريس سيادتها البحرية والانفتاح على محيطها الإقليمي من خلال انجاز ميناء المتوسط وعلى عمقها الافريقي ة التمركز على من خلال إنجاز ميناء الداخلة

ومن ثمة سيتم تقسيم هذا البحث إلى محورين أساسيين:

الأول : يتطرق إلى ميناء طنجة ميناء والاندماج في الحركة التجارية العالمية

والثاني : ميناء الداخلة والانفتاح على الواجهة الأطلسية

1- ميناء طنجة المتوسط والاندماج في الحركة التجارية العالمية

أولى الملك محمد السادس منذ بداية حكمه أهمية كبرى لمنطقة الشمال التي كانت مهمشة اقتصاديا وسياسيا في عهد والده الملك الحسن الثاني(6) . فقد أعلن بمناسبة الذكرى الثالثة لعيد العرش بتاريخ 30 يوليوز2002عن إنشاء ميناء طنجة المتوسط، وفق رؤية استراتيجية تقوم على إدماج المملكة في الحركة التجارية العالمية . وبهذا الصدد أشار في خطاب إطلاق المشروع في فبراير 2003: «المغرب بهذا المشروع يعمق جذور انتمائه للفضاء الأورو – متوسطي ولمحيطه المغاربي والعربي، ويعزز هويته المتميزة كقطب للتبادل بين أوروبا وبين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، ويدعم دوره المحوري كفاعل وشريك في المبادلات الدولية». وخلص إلى القول إن المشروع يبقى «قاعدة اقتصادية متينة ذات مستوى دولي ومناطق اقتصادية حرة، تمكنها من تطوير مؤهلتها الغنية لجعلها نموذجا للتنمية الجهوية المندمجة».

1-1- ميناء طنجة المتوسط كمنصة مينائية مندمجة

منذ انطلاق ميناء«طنجة المتوسط»، اكتسى هذا المشروع طابعا ضخما، سواء في الحجم وفي الاستثمارات، ومكَّن المركب المينائي طنجة المتوسط ، الذي يمتد على مساحة ألف هكتار، من تطوير منصة مينائية مندمجة عالية الأداء، تتمحور حول أنشطة إعادة الشحن والتصدير والاستيراد واللوجستيك ذات القيمة المُضافة وذلك من خلال ضمه ل3 موانئ: الأول هو «ميناء طنجة المتوسط 1»، الذي يتوفر على محطتين خاصتين بالحاويات، ومحطة للسكة الحديدية، ومحطة المحروقات، ومحطة البضائع المتنوعة، ومحطة للسيارات.أما الميناء الثاني فهو «طنجة المتوسط 2»، ويتوفر على محطتين خاصتين بالحاويات.بينما يبقى الميناء الثالث، هو «ميناء طنجة المتوسط للركاب»، ويشتمل على مناطق الولوج والتفتيش الحدودي، وأرصفة إركاب المسافرين والنقل الدولي الطرقي، ومناطق التنظيم والمحطة البحرية.(7)

1-2 ميناء طنجة المتوسط كمنصة مينائية مندمجة صناعية واستثمارية دولية

يشتمل ميناء طنجة المتوسط على «مركز طنجة المتوسط للأعمال»، الذي يتوفر على منصة صناعية كبرى، وهي منصة تدرج ضمن رؤية طويلة الأمد للتنمية، استنادا على قاعدة أرضية مخصصة لهذا الغرض تبلغ مساحتها 50 مليون متر مربع. حيث يتم استثمار هذه المساحة تدريجيا، وفقا لأفضل المعايير العالمية، في بناء مجمعات صناعية ولوجستية. وتشمل هذه المنصة الصناعية الكبرى ست مناطق للأنشطة المطورة على مساحة 1600 هكتار، وبلغ حجم المعاملات عند التصدير 72 مليار درهم (7.8 مليار دولار). ويتعلق الأمر أولا بالمنطقة الحرة طنجة متعددة الأنشطة، على مساحة 400 هكتار، وتشمل السيارات والطيران والإلكترونيات والنسيج. وثانيا بمنطقة «رونو طنجة المتوسط»، وفيها أول مصنع لإنتاج السيارات في أفريقيا على مساحة 300 هكتار. وثالثا بمنطقة «طنجة أوتوموتيف سيتي»، وهي منطقة حرة على مساحة 300 هكتار مخصصة لقطاع السيارات، وتقع على بعد كيلومترين من مصنع «رونو طنجة المتوسط». ورابعا بمنطقة «تطوان بارك»، وتقع على مساحة 150 هكتارا مخصصة للصناعات الخفيفة، والتصنيع والتجارة والخدمات اللوجيستية. وخامسا بمنطقة «تطوان شور»، وهي منطقة مخصصة لمهن ترحيل الخدمات (أوف شورينغ) وتقع على مساحة 6 هكتارات. وسادسا بمنطقة حرة لوجيستية، وتقع على مساحة 200 هكتار محاذية للميناء ومخصصة للأنشطة اللوجيستية. ولعل هذا ما جعل هذا المركب المينائي يستقطب منذ إنشائه وطيلة سنوات تطويره استثمارا إجماليا بقيمة 78 مليار درهم (8 مليارات دولار) على الجانب المتعلق بالميناء والجانب الصناعي. ومن ثم نجد أن شركات دولية مثل «آي بي إم ترمينالز»، و«أرغيت»، و«رونو»، و«سيمنز»، و«دلفي»، و«داهر»، و«لير»، و«يازاكي»، حققت استثمارات كبيرة في «طنجة المتوسط». كما يمثل ميناء «طنجة المتوسط» قطبا صناعيا لأكثر من 800 شركة عالمية ناشطة في مجالات مختلفة من الصناعات، والطائرات، والنسيج، واللوجستيك، والخدمات، والتجارة، بحجم مبادلات يفوق 72 مليار درهم (7.8 مليار دولار).

وبالتالي ، فقد وضع ميناء «طنجة المتوسط» من خلال هاتين المنصتين المغرب ضمن أهم دول الربط الملاحي عالمياً، حيث صرح فؤاد بريني، رئيس الوكالة الخاصة «طنجة المتوسط»، المشرفة على المركب المينائي طنجة المتوسط “بأن هذا المشروع الرائد الذي أطلقه العاهل المغربي الملك محمد السادس قد ساهم في إدماج المغرب ضمن الدول العشرين الأولى من حيث الربط الملاحي، مشيرا إلى أن المملكة تمكنت من احتلال الرتبة السادسة عشرة عالميا في هذا المجال في سنة 2017، بعدما كانت تحتل الرتبة 83 سنة 2005. وأضاف بريني، أن قرب المركب المينائي طنجة المتوسط من أوروبا (14 كيلومترا من إسبانيا)، يسمح له بأن يكون منصة متكاملة حقيقية، أصبحت في ظرف 10 سنوات أول ميناء تصدير مغربي، إذ يعالج سنويا ما قيمته 88 مليار درهم (8.5 مليار دولار). وأوضح أن الرحلات المتعددة إلى الساحل الأوروبي تيسر عمليات التصدير إلى حد كبير، مشيرا إلى أنه يمكن أن تغادر طلبية شمال المغرب، وتعبر مضيق جبل طارق، لتصل في أقل من 24 ساعة إلى برشلونة بإسبانيا بواسطة شاحنة، بينما تستغرق الرحلة من شنغهاي 22 يوما على متن السفينة، بعد أن كانت تستغرق السلع للوصول إلى ميناء الدار البيضاء قبل ميناء طنجة المتوسط 56 يوما.”(8)وبالتالي ، أضحى الميناء يشكل الطريق البحرية السريعة الثانية من خلال مرور أكثر من 100 ألف سفينة سنويا، و200 سفينة شحن يوميا من المضيق.

2-ميناء الداخلة والانفتاح على الواجهة الأطلسية

يتوفر المغرب بالواجهة الأطلسية على عدة موانئ وظيفية بالدار البيضاء، والمحمدية، والجرف الأصفر والميناء الجديد لآسفي التي أنجزت لاستيراد وتصدير منتجات طاقية وصناعية وفلاحية. غير أن بناء مركب مينائي بالداخلة، يعتبر ضمن التصور الملكي مشروعا إستراتيجيا لا يقتصر فقط على تنمية الأقاليم الجنوبية للمملكة بل يعد ضمن الإستراتيجية الملكية الإفريقية بوابة لولوج منطقة غرب إفريقيا(9).

2-1 ميناء الداخلة كرافعة تنموية جهوية

يشكل هذا المشروع الضخم ،الذي تم وضع تصوره في 2016، رافعة اقتصادية في التنمية الاقتصادية، الاجتماعية والصناعية للأقاليم الجنوبية وآلية إدماجية لهذه الأقاليم في النسيج الوطني في إطار الجهوية المتقدمة . وفي هذا السياق أكد العاهل المغربي في خطاب بتاريخ 6 نونبر 2013، بمناسبة الذكرى 38 للمسيرة الخضراء، حرصه « علـى ضـمـان شـروط النجاح لهذا النموذج الطمـوح، القائم على الإبداع وروح التشارك، فإنه سيتم تزويده بآليات ناجعة للحكامة المسؤولة، فضلاً عن كونه يندرج في إطار الجهوية المتقدمة، التـي تخـول اختصاصات واسعة للمجالس المنتخبة. ويظـل هـدفنـا الأسمى، جعل أقاليمنا الجنوبية فضاء للتنمية المندمجة، والعيش الكريم لأبنائها، وتعزيز بعدهـا الجيو-استراتيجي، كقطـب جـهـوي للربط والمبادلات بيـن أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء». وبالتالي فهذا النموذج المقترح يتوخى إرساء دينامية سوسيو-اقتصادية جديدة للتنمية، حاملة للنمو، ومـدرة لفرص الشغل، بالمشاركة الفاعلة لمواطني الأقاليم الجنوبية. وهـو يستهدف تنميـة مسؤولة ومستدامة، تقـوم على التوازن بين خلق الثروات وتوفير فرص الشغل، والإعداد المستدام للتراب، وحماية البيئة، وإنعاش الثقافة، واستفادة الساكنة المحليـة مـن ثـروات المنطقة. ولتجسيد عملي لهذا المشروع أعلن العاهل المغربي بتاريخ 6 نونبر 2015 تخصيص ميزانية قدرها 77 مليار درهم (ما يعادل 8 ملايير دولار أمريكي)، بهدف تسريع التنمية والاندماج الاجتماعي والاقتصادي في الصحراء (النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية) الذي شمل مشاريع مهيكلة، على غرار الطريق السريع تيزنيت-العيون-الداخلة وميناء الصيد في لمهيريز ، و تشييد مركز استشفائي جامعي في العيون ومجمع للتكنولوجيا في فم الواد وميناء الداخلة الأطلسي.( 10)

وهكذا سيساهم ميناء الداخلة الأطلسي في الدفع بالدينامية التنموية والطفرة الاقتصادية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية عموما وجهة الداخلة – وادي الذهب على وجه الخصوص، في جميع القطاعات الإنتاجية (الصيد البحري والتجارة والسياحة والصناعة والفلاحة وغيرها). إذ من المتوقع أن يكون لهذه البنية التحتية المينائية وقع إيجابي كبير على النسيج الاجتماعي لمدينة الداخلة وسائر أنحاء الجهة، لاسيما من حيث دعم قطاع التشغيل، عبر خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لمواكبة هذه الدينامية الاقتصادية المتنامية ، من خلال توفره على منطقة صناعية ولوجستيكية، ومنطقة لتعزيز الرواج والتبادل التجاري، وأخرى خاصة بتثمين أنشطة الصيد البحري، حيث من المنتظر أن يستقبل الميناء بواخر تجارية كبرى وأخرى تختص بالصيد في أعالي البحار، مما سيساهم في تعزيز موقعه ضمن الطوط الملاحة الدولية.

2-2 ميناء الداخلة والانفتاح على البوابة الافريقية الأطلسية

يبدو أن مشروع ميناء الداخلة الأطلسي لا يشكل فقط رافعة اقتصادية لتنمية جهوية للمناطق الصحراوية، يل يندرج ضمن رؤية استراتيجية ملكية شمولية تسعى إلى توطيد الروابط الاقتصادية بين المغرب وعمقه الإفريقي، وأن يشكل واجهة بحرية للاندماج الاقتصادي وقطباً للإشعاع القاري والدولي.(11)إذ يبرز ميناء الداخلة الأطلسي، الذي يعد أحد المشاريع الهيكلية الكبرى المدرجة في إطار النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، كورش استراتيجي من شأنه تعزيز وترسيخ البعد الإفريقي للمملكة و دعم وتمتين الروابط الاقتصادية والتجارية التي ينسجها المغرب مع عمقه الإفريقي، ليشكل بذلك رافعة أساسية للتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري والدولي للمملكة.إذ من المرتقب أن يساهم هذا المشروع الاستراتيجي بقوة في إبراز جهة الداخلة – وادي الذهب، باعتبارها بوابة لبلدان القارة الإفريقية ومركز جذب لمستثمرين مغاربة وأجانب مهتمين بالتصدير إلى إفريقيا، لاسيما في إطار منطقة التبادل الحر القارية.إذ سيأخذ مشروع ميناء الداخلة الأطلسي بعين الاعتبار أهمية الارتباط بالطريق السريع الذي سيربط بين تيزنيت والداخلة ومنها إلى الحدود المغربية – الموريتانية وباقي بلدان القارة الإفريقية، مساهما بذلك في دعم توجه المملكة نحو توطيد علاقات التعاون جنوب – جنوب.(12) وقد ظهر هذا التوجه واضحا من خلال الخطاب الذي ألقاه الملك بمناسبة الذكرى 45 للمسيرة حينما أكد أن ” ميناء الداخلة سيشكل آلية وانطلاقا من هذه الرؤية، ستكون الواجهة الأطلسية، بجنوب المملكة، قبالة الصحراء المغربية، واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي.فإضافة إلى ميناء طنجة -المتوسط، الذي يحتل مركز الصدارة بين موانئ إفريقيا، سيساهم ميناء الداخلة الأطلسي، في تعزيز هذا التوجه. وسنواصل العمل على تطوير اقتصاد بحري حقيقي، بهذه الأقاليم العزيزة علينا؛ لما تتوفر عليه، في برها وبحرها، من موارد وإمكانات، كفيلة بجعلها جسرا وصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي.”

2-3 ميناء الداخلة والمبادرة الأطلسية

يبدو بأن هناك مجموعة من العوامل التي كانت من وراء بلورة المبادرة الأطلسية والتي هيأت الأرضية المناسبة للإعلان عنها والمرتبطة بالأساس بمبادرة الحكم الذاتي

– من مبادرة الحكم الذاتي إلى المبادرة الأطلسية

كانت هناك مجموعة من التطورات الدولية والاقليمية ساهمت في الإعلان عن هذه المبادرة والتي حددها الملك محمد السادس من خلال الخطاب الملكي السالف الذكر في التطورات الإيجابية التي عرفها ملف الصحراء والمواقف الإيجابية من مبادرة الحكم الذاتي التي عرفت في السنوات الأخيرة تطورات ملموسة، على عدة مستويات :

-فعلى مستوى الأمم المتحدة : أقبرت القرارات الأخيرة لمجلس الأمن، المقاربات والأطروحات المتجاوزة وغير الواقعية. كما أكدت على المشاركة الفعلية للأطراف المعنية الحقيقية، في هذا النزاع الإقليمي؛ ورسخت بشكل لا رجعة فيه، الحل السياسي، الذي يقوم على الواقعية والتوافق.

وهو ما ينسجم مع المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي تحظى بدعم مجلس الأمن، والقوى الكبرى، باعتبارها الخيار الطبيعي الوحيد لتسوية هذا النزاع. وبالموازاة مع ذلك، ترفض الأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي، الانسياق وراء نزوعات الأطراف الأخرى. فقد بلغ عدد الدول، التي لا تعترف بالكيان الوهمي 163 دولة، أي 85% من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.

-أما على مستوى الاتحاد الإفريقي : فقد تخلصت هذه المنظمة، بفضل رجوع المغرب إلى بيته الإفريقي، من المناورات التي كانت ضحيتها لعدة سنوات. وأصبحت تعتمد على مقاربة بناءة، تقوم على تقديم الدعم الكامل، للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة، بشكل حصري، من خلال أمينها العام ومجلس الأمن.

-وعلى المستوى القانوني والدبلوماسي : فتحت عدة دول شقيقة، قنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة؛ في اعتراف واضح وصريح بمغربية الصحراء،وتعبيرا عن ثقتها في الأمن والاستقرار والرخاء، الذي تنعم به أقاليمنا الجنوبية.كما أكمل المغرب خلال هذه السنة، ترسيم مجالاته البحرية، بجمعها في إطار منظومة القانون المغربي، في التزام بمبادئ القانون الدولي.

وسيظل المغرب ملتزما بالحوار مع جارتنا إسبانيا، بخصوص أماكن التداخل بين المياه الإقليمية للبلدين الصديقين، في إطار قانون البحار، واحترام الشراكة التي تجمعهما، وبعيدا عن فرض الأمر الواقع من جانب واحد. فتوضيح نطاق وحدود المجالات البحرية، الواقعة تحت سيادة المملكة، سيدعم المخطط، الرامي إلى تعزيز الدينامية الاقتصادية والاجتماعية.

– أما على المستوى الاقتصادي ، فقد تعزز هذا التوجه باعتماد القوى الدولية الكبرى لمواقف بناءة، ومنها إبرام شراكات استراتيجية واقتصادية، تشمل دون تحفظ أو استثناء، الأقاليم الجنوبية للمملكة، كجزء لايتجزأ من التراب المغربي.

واستنادا إلى هذه المكتسبات، يؤكد المغرب التزامه الصادق، بالتعاون مع معالي الأمين العام للأمم المتحدة، في إطار احترام قرارات مجلس الأمن، من أجل التوصل إلى حل نهائي، على أساس مبادرة الحكم الذاتي.

وبالنظر لمختلف هذه المكاسب التي زادت من ترسيخ مغربية الصحراء، على الصعيد الدولي، فقد اعتبر العاهل المغربي أنه قد حان الأوان ، لجعل المنطقة قاطرة للتنمية، على المستوى الإقليمي والقاري.فاستكمالا للمشاريع الكبرى، التي تشهدها أقاليمنا الجنوبية، يقول العاهل المغربي ، ” فقد حان الوقت، لاستثمار المؤهلات الكثيرة، التي يزخر بها مجالها البحري. وانطلاقا من هذه الرؤية، ستكون الواجهة الأطلسية، بجنوب المملكة، قبالة الصحراء المغربية، واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي.

– الإعلان الملكي عن المبادرة الأطلسية

في الخطاب الملكي ل 6 نوفمبر 2023 الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء، والذي أعلن فيه عن المبادرة الأطلسية ، ظهر بأن إنجاز ميناء الداخلة يندرج في أفق استراتيجي يتجاوز الابعاد الجهوية المحدودة والقارية الموسعة ، ليندرج في إطار التحولات الجيوستراتيجية التي يعرفها العالم تتمثل في المتغيرات الجيوستراتيجية العالمية خلال العقدين الماضيين التي أعادت وضع القارة الإفريقية في قلب اهتمامات القوى الكبرى، خاصة بعد تداعيات جائحة كوفيد – 19 والنزاع الروسي الأوكراني والأزمات الطاقية والغذائية والمناخية، وتنامي الصراع الدولي على الموارد والمعادن والمواقع الاستراتيجية. كما تتمثل أيضا في المتغيرات التي عرفتها دول الساحل بعد الانسحاب الفرنسي من بعض دول المنطقة والتمدد الروسي فيها . بالإضافة إلى الموقع الجيوستراتيجي للمنطقة الافريقية الأطلسية إذ أن البحار والمحيطات التي تحد إفريقيا (المحيط الهندي، البحر الأحمر، البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي) تمنحها ميزة استراتيجية تمكنها من الإشراف على أهم مضائق وممرات التجارة الدولية (مضيق جبل طارق، قناة السويس، … )، ومن ثم تأتي أهمية هذه المبادرة كأرضية لاستثمار هذه المؤهلات الإستراتيجية التي تتمتع بها القارة، وفق مقاربة تشاركية تمكن بلدان الساحل من منفذ بحري على الواجهة الأطلسية المغربية.وتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي . وبهذا الصدد أكد العاهل المغربي على استعداد المغرب لتقديم دعمه عبر إتاحة البنية التحتية الخاصة بالطرق، والموانئ، والسكك الحديدية. ‏أكد الملك أيضًا على ضرورة تطوير البنية التحتية في دول الساحل وربطها بشبكات النقل والاتصالات الإقليمية لضمان نجاح هذه المبادرة، بهدف تعزيز النمو الاقتصادي في المنطقة وتحسين التواصل والتجارة بين دول الساحل والعالم الخارجي. ولتجسيد هذه المبادرة عمليا ، تم التوقيع في المؤتمر المنعقد بمراكش يوم السبت 23 ديسمبر 2023 ، على اتفاق بين دول الساحل والمغرب، الشيء الذي يمثل خطوة أولية نحو تحقيق هذه المبادرة.(13) ‏

خاتمة

يبدو أن المغرب الذي أدار ظهره للبحر لقرون متواصلة ، رغم امتداد مجاله على ضفتين بحريتين متوسطية ومحيطية ، قد ركز منذ تولي الملك محمد السادس(14) على تقوية قدراته البحرية وتكريس سيادته البحرية. حيث عمل منذ سنة 2004 على إنجاز أكبر مركب مينائي للاندماج في التجارة الدولية عبر مضيق جبل طارق ، وفي نفس الوقت يقوي وجوده العسكري من خلال إنشاء قاعدة عسكرية قرب القصر الصغير،التي أكدت توجهاته المتوسطية الجديدة التي تهدف إلى تقوية حضوره في منطقة استراتيجية وعدم ترك المجال فارغا لإسبانيا وحدها، مثلما كشف عن توجه عسكري جديد يقوم على عدم غض الطرف على أهم حدود بحرية للمملكة والمطلة على مضيق جبل طارق بكل أهميته الاستراتيجية الدولية، وهي تلك الحدود البحرية التي تجعلها موجودة إلى جانب إسبانيا وبريطانيا وأيضا الولايات المتحدة من خلال قاعدة ” روتا ” في خليج قادس . وقد استغل المغرب توجس الولايات المتحدة من استهداف تنظيم القاعدة للبوارج والسفن الحربية التي تمر من المضيق، بعدما انتبه إثر قرصة الأذن التي تعرض لها بعد أزمة جزيرة ليلى / بيريخيل مع إسبانيا، إلى أن بحريته هي أضعف جهاز عسكري لديه، وبعد تمكنه من الظفر بموقع شريك استراتيجي للحلف الأطلسي عام 2004، بدأ يعمل في اتجاه تطوير بحريته التي باتت تشارك في مناورات مع إسبانيا في عرض مضيق جبل طارق، وكان ذلك المدخل المناسب ” للتفاوض ” مع الولايات المتحدة ومعها بريطانيا من أجل أن ينضم إلى نادي الدول الممتلكة لقواعد عسكرية على البحر الأبيض المتوسط .غير أن تعزيز تواجده التجاري والعسكري بالمنطقة المتوسطية لم يثنه عن تكريس سيادته البحرية على الواجهة الأطلسية من خلال تكريس حدوده البحرية مع جزر الكناري وفي نفس الوقت العمل على إنجاز ميناء الداخلة لتكريس عمقه الافريقي على الواجهة الأطلسية خاصة على الصعيد التجاري والاقتصادي خاصة مع دول غرب افريقيا ودول الساحل.

هوامش

1-كان للمغرب حـدود طبيعية واضحة؛ بـحيث كـان يحده غربا المحيط الأطلسي ، وشمالا البحر المتوسط و شرقا نهر ملوية و جنوبا الصحراء. ولعل ميزة هذه الحدود هي أنها كلها حدود طبيعية و ليست مصطنعة ؛ الشيء الذي ساعد على تكريس و بلورة خصوصية الدولة بالمغرب التي تجلت في بلورة حدود سياسية قارة. فالمحيط الأطلسي و البحر المتوسط و الصحراء كلها حواجز طبيعية من الصعب تغييرها أو التأثير أما نهر ملوية الذي يعتبر مـن الحـدود الـتي يمكن تجاوزها و التأثير فيها ؛ فـإنـه قـد شـكـل مـع ذلـك حـدودا تـاريـخـيـة بين المغرب و باقي الكيانات السياسية في منطقة شمال افريقيا

2- تميز المغرب بموقع جيو استراتيجي في منطقة البحر المتوسط ، و الذي يبرز من خلال :

– إشرافه على مضيق جبل طارق الذي يعتبر البوابة الرئيسية للدخول أو الخروج من المنطقة

– قربه الكبير من الضفة الأوربية من خلال جواره لاسبانيا و الجزيرة الخضراء التي تعتبر القاعدة الأمامية لأي تدخل في أوربا .

– توفره على شريط ساحلي على المحيط الأطلسي .

3- سواء في عهد الموحدين أو السعديين ، أو العلويين

4-اهتم السلطان سيدي محمد بن عبد الله اهتماما بالغا بالجهاد البحري وذلك لوعيه بالدور الخطير الذي تلبعه الثغور المغربية على المحيط الأطلسي، فاتجه إلى تبني سياسة دفاعية تهدف أساسا إلى الوقوف في وجه الاطماع الأوروبية

محمد زروق الجهاد البحري في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله

مجلة دعوة الحق العدد 274 أبريل 1989

5- كانت بداية الاحتلال العسكري الفرنسي بقنبلة بارجة كاليلي لمدينة الدارالبيضاء في 1907

6- لعب ميناء طنجة المتوسط دورا رئيسيا في تعزيز التنمية الاقتصادية لجهة الشمال، إذ يشكل المشروع منذ إنشائه محركا لخلق الثروة، من خلال استراتيجية تتمحور حول خلق فرص الشغل، وتعزيز الصادرات وإعادة التوازن لتنمية منطقة الشمال. وتأكد أثرها الاقتصادي والاجتماعي على المنطقة من خلال توفير 65 ألف فرصة عمل جديدة.

7-حاتم البطيوي فؤاد البريني – ميناء «طنجة المتوسط» كما يبدو من الجو

جريدة الشرق الأوسط 2 أبريل 2018 ـ

8-ن م

9- يعد ميناء طنجة المتوسط مركزا محوريا لإعادة الشحن بالنسبة لتدفقات البضائع العالمية. ويقدم خدمات بحرية تربط آسيا وأوروبا وأفريقيا والأميركتين.ويمثل «طنجة المتوسط» قطبا لوجيستيا موصولا بأكثر من 174 ميناء عالميا، بقدرة استيعابية لتسعة ملايين حاوية، وسبعة ملايين راكب، و700 ألف شاحنة، ومليون سيارة، و15 مليون طن من المحروقات.

الملك يدشن ميناء طنجة المتوسط للركاب هسبريس – الأربعاء 30 يونيو 2010 –

10- أكدت “جون أفريك” في مقال بعنوان “المغرب.. ميناء الداخلة الأطلسي، محطة إستراتيجية بالنسبة لغرب إفريقيا”، أنه على الواجهة المتوسطية، وبعد نجاح طنجة المتوسطي، الذي أضحى أول ميناء للحاويات في الحوض، ستتعزز الريادة المغربية قريبا من خلال انطلاق أنشطة ميناء الناظور غرب المتوسط.

Jeune afrique 17/7/2021

11- سيتم إنشاء ميناء بالمياه العميقة على الساحل الأطلسي لجهة الداخلة – وادي الذهب، وفقا للمكونات الثلاثة التالية: ميناء تجاري على عمق -16م / صفر هيدروغرافي، ميناء مخصص للصيد الساحلي وفي أعالي البحار، وميناء مخصص لصناعة السفن.وسيشيد هذا الميناء بمحاذاة منطقة اقتصادية تمتد على مساحة تقدر بـ 1650 هكتار، وتهدف إلى تقديم خدمات صناعية ولوجستيكية وتجارية عالية الجودة.

7- سعد أبو الدهاج ميناء الداخلة الأطلسي.. ورش استراتيجي لترسيخ البعد الإفريقي للمملكة

Map expressالإثنين, 3 مايو, 2021 –

12-بهذا الصدد، قال المدير الجهوي لوزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الاخضر والرقمي، بوشعيب قيري، إن مشروع الميناء الأطلسي، الذي يأتي في سياق منظومة من المشاريع التي تستهدف تأهيل جهة الداخلة – وادي الذهب، يشكل منصة للدفع نحو تطوير أنشطة الصيد البحري وتقوية المبادلات التجارية، لاسيما مع الدول الإفريقية

ن م

13- خلال هذا المؤتمر أكد الوزراء الممثلون لبوركينا فاسو، مالي، النيجر، وتشاد، على التزامهم بالمبادرة الملكية التي أطلقها الملك محمد السادس لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي ، حيث اعتبروا أن القارة السمراء تعيش على وقع تحولات كبرى ومصيرية، تمس مختلف الأبعاد الجغرافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية والبيئية والثقافية، كما تواجه إشكالات عميقة وبنيوية، تفاقمها التغيرات المناخية وأزمة الغذاء، مبرزين أن المبادرة الملكية الأطلسية تستمد أهميتها من قدرتها على الإسهام في مجابهة كل هذه التحديات والمتغيرات. في حين أكد ‏وزير الخارجية ، ناصر بوريطة، في كلمته خلال الافتتاح، على الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الساحل، مشيرًا إلى الرابطة العميقة بين المغرب ودول الساحل بالاستشهاد بمقولة مونين: “لأنه أنتم نحن ونحن أنتم”، مؤكدًا أن التحديات التي تواجه الساحل هي تحديات للمغرب أيضًا

‏ الصحيفة ابتاريخ 25 دجنبر 2023 –

14-كان السلطان سيدي محمد بن عبد الله يدرك جيدا لأهمية الاستراتيجية للثغور المغربية على المحيط الأطلسي، وذلك نتيجة للاهتمام المتزايد الذي أصبح لهذا المحيط في المواصلات الدولية بين أوروبا الغربية وأمريكا وبينها وبين الشرق الأقصى عبر راس الرجاء الصلاح، فاقر سياسة دفاعية لتحصين السواحل المغربية الأطلسية، وهذا ما أشار إليه سفيره أحمد بن المهدي الغزال قائلا: “وشرع سيدنا – أيده الله – في عمارة الثغور وتشييد ما هده منها تتابع الأزمنة والدهور، وحصنها بالعدد الكبير من المدافع والعدد حتى صارت ممنوعة من العدو محفوظة من عين حاسد إذا حسد ”

محمد زروق الجهاد البحري في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله

دعوة الحق العدد 274 رمضان/ أبريل 1989- ص

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *