سياسة

أزمة مالية تخنق المجلس الإقليمي لتنغير .. وكراء مقر بـ78 مليون سنتيم يعصف بالميزانية

يعيش المجلس الإقليمي لتنغير منذ أشهر أزمة خانقة تُهدد ميزانيته، فجّرها الكشف عن السومة الكرائية المُبالغ فيها لمقر المجلس، والتي تصل إلى 65 ألف درهم شهريا، مما يفاقم أزمة المجلس المالية، الناتجة عن تقليص الميزانية المخصصة له بنسبة 50%، وتراكم الأحكام القضائية ضده والتي وصلت إلى ملياري سنتيم.

وفجّر عضو المجلس الإقليمي لتنغير، حساين أوعنوز، المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، فضيحة من العيار الثقيل، بكشفه عن كراء مقر المجلس بمبلغ 65 ألف درهم شهريا، وهو المقر الذي كانت تستخدمه عمالة تنغير منذ عام 2009 تاريخ إحداث الإقليم إلى غاية 2023.

وأشار أوعنوز في حديث مع جريدة “العمق” إلى أنه تم خلال الدورة الأخيرة للمجلس الإقليمي، تخفيض السومة الكرائية إلى 35 ألف درهم، مشيرا إلى أن القانون المغربي ينص على زيادة الكراء وليس تخفيضه، متسائلا في السياق ذاته، “عما إذا كان تقييم السومة الكرائية للمقر عند اكترائه شابه اختلال ما أم أن هناك” تواطؤات غير مكشوفة وراء ذلك”؟

في سياق متصل، كشف المتحدث ذاته، استعمال نائبين لرئيس المجلس الإقليمي لتنغير، لسيارات المصلحة في الذهاب والإياب إلى مقرات عملهم، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بأستاذين يستعملان سيارات المجلس، من أجل الإلتحاق بالمدارس التي يدرسون بها.

وعاد  حساين، ليوضح أكثر في تدوينة على حسابه بـ”فيسبوك”، مسجلا أن “الريع والفساد شاع وأصبح البعض يعتبره حقا مشروعا، علما ان أعضاء المجلس الإقليمي لم يتقبلوا أن أتساءل عن سبب وظروف استغلال سيارة المجلس ليلا ويوم السبت، أي خارج أوقات العمل، لأغراض شخصية. مثلا من مكان سكناهم إلى المدرسة على مسافة تقدر بـ150كلم”.

وأضاف: “لم يعد يشعر بالحرج وهو يستعمل سيارات الدولة والجماعات والمؤسسات العمومية خارج أوقات العمل ولأغراض شخصية لا علاقة لها بالمهام المفوض له”، مطالبا في المقابل السلطات بفتح بحث حول ظروف وملابسات استعمال سيارة المجلس التي هي من المال العام ووضعت رهن إشارة الموظفين والمنتخبين لأغراض مصلحية ووظيفية وليس لاستعمال لأغراض شخصية وعائلية.

صعوبات مالية

قال رشيد أغزاف، رئيس المؤسسة المغربية للشفافية ومحاربة الفساد، إن المؤسسة تنظر في ملف اكتراء مقر المجلس الإقليمي بمبلغ 65 ألف درهم شهريًا من زاويتين؛ الزاوية الأولى تتعلق بالصعوبات المالية الكبيرة التي يعاني منها المجلس الإقليمي، مما يخلق تحديات في تدبير الشأن التنموي وممارسة المجلس للاختصاصات المسندة إليه بمقتضى القانون التنظيمي 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم.

والزاوية الثانية تتعلق بمسألة احترام مسطرة الكراء، والتي من المفترض أن تتم في إطار صفقة عمومية، نظرًا لأن الأمر يتعلق بأموال عمومية تخضع لمساطر قانونية خاصة، متسائلا كيف تم تحديد هذه السومة الكرائية المرتفعة جدًا، مشيرًا إلى إمكانية إيجاد مقر أقل تكلفة أو حتى بناء مقر خاص بالمجلس الإقليمي عبر البحث عن التمويل أو شراكات أو أقساط شهرية قد تكون أقل قيمة من مبلغ الكراء الحالي، مما سيعفي المجلس مستقبلاً من اللجوء إلى الكراء.

وأشار أغزاف إلى أن ساكنة الإقليم يعانون من تراكمات سوء تدبير المجالس الإقليمية لولايات انتدابية متعددة، مع غياب تام لتصور واضح لدى المجلس الإقليمي لحل أزمة ندرة الماء الصالح للشرب وضعف كبير في مستوى العرض الصحي، وخاصة خدمات النقل الصحي، مسجلا ضمن تصريح لجريدة “العمق”، أن هناك مشاكل كبيرة، على مستوى خدمات النقل المدرسي، مما ينعكس سلبًا على معدلات استمرار التلاميذ والتلميذات في متابعتهم لدراستهم، مع تزايد نسب الهدر المدرسي على جميع المستويات الدراسية.

وأوضح أن هذه المجالات تدخل ضمن الاختصاصات الذاتية للمجالس الإقليمية، وفقًا للقانون التنظيمي 112.14. وأكد أنه كان من الممكن توفير المبالغ المالية المخصصة لاكتراء المقر وتخصيصها لمعالجة ولو جزء من هذه المشاكل. فعلى سبيل المثال، مجموع مبالغ الكراء لمدة سنة يصل إلى 78 مليون سنتيم، وهو مبلغ كان يمكن أن يساهم في التخفيف من حدة المشاكل.

كما كشف أغزاف أن مقر المجلس الإقليمي كان يُكترى سابقًا بمبلغ 25 ألف درهم شهريًا، مما يثير التساؤل حول جدوى تغيير المقر في ظل الصعوبات المالية.

خلافات سياسية

بالمقابل، أقر محمد أدو، النائب الأول لرئيس المجلس الإقليمي لتنغير، بأنّ سومة كراء مقر المجلس الحالي تصل إلى 65 ألف درهم شهريا، موضحا أنّ هذا القرار جاء بناء على اقتراح من عامل الإقليم السابق، وذلك بشكل مؤقت إلى حين تشييد مقر دائم للمجلس، لافتا إلى أن إثارة أحد أعضاء المجلس لنقطة كراء المقر مرده، إلى  خلافات سياسية بينه وبين الحزب الذي ينتمي إليه.

وأضاف أدو في تصريح لجريدة “العمق” أنّ المقر الذي تمّ كراؤه كان يُستخدم سابقا كمقر لعمالة تنغير، وكانت العمالة تدفع 8 ملايين سنتيم شهريا مقابل ذلك، بما في ذلك إقامة العامل التي كانت تكلف 15 ألف درهم شهريا، مبرزا أن المجلس احتفظ بالمقر وخفض قيمة الكراء إلى 65 ألف درهم، وقد تمت المصادقة على ذلك بالإجماع في دورة المجلس، بما في ذلك صوت العضو الذي أثار هذه النقطة.

وبعدما أوضح النائب الأول لرئيس المجلس الإقليمي لتنغير، أن كلفة كراء المقر تصل إلى  78 مليون سنتيم سنويا، ذكر أدو أنّ المجلس خصص قطعتي أرض لبناء مقره الجديد، إضافة إلى تخصيص ميزانية قدرها 200 مليون سنتيم لهذا الغرض، مشيرا إلى أنّ وزارة الداخلية وعدت بالمساهمة في تمويل مشروع البناء بنسبة 60٪، بينما سيتكلف المجلس بنسبة 40٪ المتبقية، حيث من المرجح أن تكون الدراسات التقنية للمشروع، جاهزة في غضون شهري شتنبر أو أكتوبر المقبلين.

تخفيض السومة الكرائية

وأفاد أدو أنّ المجلس الإقليمي لتنغير، صادق في دورته المنعقدة في 10 يونيو الماضي، على تخفيض قيمة إيجار المقر الحالي بنسبة 50%، ليصبح 35 ألف درهم شهريا، موضحا أنّ هناك مفاوضات جارية مع صاحب المقر لقبول هذا العرض، لافتا في هذا الإطار إلى أنّ “عقد إيجار المقر الحالي سينتهي في شهر شتنبر، وأنّ المجلس سيبلغ صاحب المقر بقراره، وفي حال رفضه سيبحث المجلس عن مقر جديد”.

وأبرز النائب الأول لرئيس المجلس الإقليمي لتنغير، أنّ المجلس يبذل جهودا كبيرة للتغلب على الأزمة المالية، التي يواجهها نتيجة لتراجع الاعتمادات المالية بنسبة 50٪، مذكرا أنّ الميزانية في عهد المجلس السابق كانت تصل إلى 23 مليون درهم، بينما تراجعت مع هذا المجلس إلى 13 مليون درهم فقط، أي بانخفاض قدره 10 ملايين درهم، مؤكدا أن المجلس لم يستسلم لهذا التراجع، بل دخل في شراكات مع مؤسسات عمومية ومنتخبة من أجل تنمية الإقليم.

أحكام قضائية

وشدد المتحدث ذاته، أنّ المجلس يواجه تحديات مالية كبيرة نتيجة لتراجع ميزانية التسيير وعدم كفايتها لتغطية احتياجاته، مشيرا إلى المجلس صدرت ضده أحكام قضائية تُلزمُه بدفع ملياري سنتيم، غير أنه تمكن من الفوز بـ 7 أحكام قضائية في هذه القضايا، وأنّ وزارة الداخلية قد تحمّلت مسؤولية دفع هذه المبالغ، وذلك على اعتبار أنّ عامل الإقليم في سنوات 2012 و2013 و2014 هو من كان آمرا بالصرف.

وتعليقا على استخدام سيارات المجلس في أغراض شخصية، قال النائب الأول لرئيس المجلس الإقليمي لتنغير، إن سيارات المجلس مخصصة للاستخدامات الإدارية وحضور الاجتماعات الرسمية، وليس لأغراض شخصية، كما يدعي العضو في المجلس حساين أعنوز، موضحا أن بعض نواب الرئيس موظفين، وليس لديهم تفرغ كامل، وبالتالي فإنّ سيارات المجلس هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لتنقلهم إلى مقرّ العمل لحضور الاجتماعات، ولا يمكنهم الاعتماد على سيارات الأجرة في كلّ مرة للتنقل.

في غضون ذلك، قال أدو، إن بعض نواب الرئيس في المجلس الإقيليمي لتنغير، يضطرون أحيانا إلى دفع تكاليف البنزين من جيوبهم الخاصة، وذلك بسبب عدم كفاية الميزانية المخصصة للوقود، والتي لا تتجاوز 20 مليون سنتيم في السنة، بينما كانت تصل إلى 70 مليون سنتيم في عهد المجلس السابق، مشيرا إلى أنّ هذا الانخفاض في الميزانية يُعيق قدرة المجلس على تلبية احتياجاته من الوقود لتشغيل سياراته وآلياته، خاصة فيما يتعلق بعمليات فتح الطرقات وغيرها من المهام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *