مجتمع

تقرير يرسم صورة قاتمة على الجامعة المغربية ويدعو إلى إصلاح عميق

أصدرت منظمة التجديد الطلابي تقريرا حول وضعية الجامعة المغربية مع نهاية الموسم الجامعي الأخير، رصد من خلاله جملة من الاختلالات البيداغوجية والعملية في تدبير قطاع التعليم العالي، إضافة إلى مجموعة من التجاوزات في الحكامة والتدبير المالي للجامعات، وكذا عدد من التجاوزات الحقوقية في حق الطلبة والطالبات.

الفساد ينخر الجامعة المغربية

رسمت المنظمة الطلابية في تقريرها صورة قاتمة عن الجامعة المغربية من حيث الحكامة والتدبير المالي، وأكدت أنه رغم “الاختلالات الخطيرة في التدبير الإداري والمالي للجامعات والتي سبق أن نبه إليها المجلس الأعلى للحسابات في تقارير سابقة لسنوات 2010 و2011 و2012، ورغم النداءات والبيانات المتكررة التي أصدرتها منظمة التجديد الطلابي، لازالت بعض الجامعات تعيش اختلالات عديدة”، مضيفة أن تدبيرها الإداري “مازال يتميز بالعشوائية والمزاجية وغياب ربط المسؤولية بالمحاسبة مما ينعكس سلبا على مصداقية الجامعة وقيمتها العلمية”.

وسجل التقرير ذاته، “ظهور شبهات حول استعمال الرشاوي المالية من أجل التسجيل في الدكتوراه بكل من الرباط، سلا، طنجة، وجدة”، و”التأخر في إنجاز صفقات عمومية لبناء مدرجات وتوسيع البنية التحتية في كل من أسفي وتازة وكلميم”، كما أشار إلى ما وصفه بـ “بروز فضيحة تزوير النقط في كل من كلية العلوم بالقنيطرة وكلية الحقوق بسطات”.

وسجل كذلك “إغلاق جميع وحدات الماستر بكلية الحقوق بسطات دون تقديم مبررات مقنعة، ودون محاسبة المتورطين في تلاعبات التسجيل داخل هذه الوحدات”، و”تفشي الزبونية والمحسوبية في تسجيل الطلبة بسلك الماستر وعدم احترام المذكرة الوزارية بهذا الخصوص في كل من كلية الآداب الجديدة، كلية الحقوق فاس”، إضافة إلى “غياب الشفافية وغموض التدبير المالي لمداخيل التكوين المستمر في كليات بجامعات الحسن الثاني بالدارالبيضاء والحسن الأول بسطات ومحمد الخامس بالرباط”.

ضعف البنيات أثر سلبا على التحصيل العلمي

واعتبر التقرير الذي حصلت جريدة “العمق المغربي” على نسخة منه، أن الارتفاع الذي تم تسجيله في بداية الموسم المنصرم في عدد الطلبة الجامعيين، لم تستوعبه البنيات الحالية للجامعة المغربية، “مما أثر على مستوى التحصيل العلمي وأنتج ظاهرة الاكتظاظ الذي باتت تعاني منه الجامعات الكبرى (الحسن الثاني بالدار البيضاء أزيد من 100000 طالب وجامعة ابن زهر أزيد من98000 طالب)، وذلك رغم المجهود المقدر الذي بذل في عهد الحكومة الحالية لتوسيع البنية التحتية، بحيث ارتفع عدد مؤسسات التعليم العالي”، وفق نص التقرير الذي أكد أن عدد المقاعد المتوفرة بالجامعة لا يسع سوى نصف الطلبة المسجلين بها.

وتابع تقرير المنظمة الطلابية المذكورة، “مما يجعل كثيرا من الطلبة لا يجدون مقعدا في مدرجات وقاعات الدراسة، ناهيك عن الحالة المهترئة لبعض القاعات والمدرجات والمقاعد والتي تزداد سوءا مع تردي الأحوال الجوية (غرق كلية أصول الدين تطوان، كلية الحقوق فاس…). كما تعاني أغلب القاعات بمختلف المؤسسات من قلة الوسائل التقنية الضرورية من أجل تجويد ظروف التحصيل البيداغوجي”.

في السياق ذاته، أكد التقرير أن المجهود المبذول من طرف الوزارة الوصية على القطاع في توظيف عدد من الأساتذة الجامعيين لم يستطع أن يحد من ضعف نسبة التأطير، فرغم ارتفاع عدد أساتذة التعليم العالي في ولاية الوزير لحسن الداودي بنسبة 22%، مازالت بعض الجامعات تعرف ارتفاعا في عدد الطلبة مقابل الأساتذة، مثل جامعة ابن زهر بأكادير التي تصل فيها نسبة التأطير إلى 101 طالب لكل أستاذ، وجامعة ابن طفيل بالقنيطرة بنسبة 74 طالب لكل أستاذ.

“كما أن المشروع الذي فتح لطلبة الدكتوراه للتدريس في الجامعة لم يعط نتائج كبيرة، بالعكس فقد كشف عن ضرورة التأطير والتكوين المنهجي والبيداغوجي لأساتذة التعليم العالي”، يورد التقرير الذي دأبت منظمة التجديد الطلابي على إصداره نهاية كل موسم دراسي.

انتهاكات للحقوق وابتزاز للقضاء وتساهل من الدولة

أكدت منظمة التجديد الطلابي أنها سجلت “خضوع القضاء لابتزازات حزب التحكم”، بخصوص ملف الطالب عبد الرحيم حسناوي الذي توفي متأثرا بإصابة جراء هجوم مسلح لعناصر فصيل “النهج الديمقراطي القاعدي – البرنامج المرحلي” على نشاط للمنظمة ذات المرجعية الإسلامية في أبريل 2014.

وقالت “سجلنا بكل أسف خضوع القضاء لابتزازات حزب التحكم الذي دافع عن قتلة الشهيد عبد الرحيم حسناوي، بحيث رغم اعترافات المجرمين بالفعل الشنيع الذي ارتكبوه يوم 24 أبريل 2014 في مرحلة الاستئناف فقد تم تخفيض عدد من الأحكام مما شكل تحفيزا للعصابة المسلحة التي واصلت تهديداتها واعتداءاتها الجبانة في حق أعضاء منظمة التجديد الطلابي بالمركب الجامعي ظهر المهراز تحت مرأى من الإدارة الجامعية”.

وهاجمت المنظمة في التقرير نفسه الدولة، معتبرة أنها “بمختلف مؤسساتها لا تقوم بدورها الحقيقي في حماية حياة الطلاب داخل الحرم الجامعي وفي محيطه”، موضحة “إذ يسجل غضها الطرف على إصرار وترصد بعض العصابات المسلحة التي تنشط وسط الجامعة، رغم التحذيرات المتواصلة التي أطلقتها عدد من الفعاليات المدنية والمكونات الطلابية، مما أدى إلى حدوث جريمتي قتل داخل الحرم الجامعي بمراكش، وأكادير، ووقوع عدد من الجرائم البشعة والهجومات المسلحة من قبيل قضية شيماء بمكناس، مواجهات عصابات البرنامج المرحلي بفاس، مواجهات الحركة الأمازيغية والبرنامج المرحلي بأكادير ومكناس وفاس والرشيدية”.

وتابع التقرير، “رغم علم الدولة بقيام عصابة البرنامج المرحلي بتنظيم محاكمات عرفية وتنفيذ أحكام قاسية في حق الطلبة، سجل الرأي العام التهاون الواضح للدولة والتساهل مع هذا الانزلاق الخطير والتهديد الكبير للجامعة المغربية”.

وسجلت “التجديد الطلابي” أن الموسم المنصر سجل عددا من الانتهاكات المتكررة رغم الانفتاح السياسي والحقوقي النسبي الذي دخله المغرب، ورغم أن الحرية واحترام حقوق الإنسان يعتبران أهم شروط انتعاش الحياة الطلابية وتنم عن احترام السلطة لقيم العلم والمعرفة ولحرمة الجامعة.

حرمان طلبة من حقهم في التعليم العالي

واعتبر التقرير الذي توصلت جريدة “العمق المغربي” بنسخة منه، أن “عدد من رؤساء الجامعات وعمداء الكليات جعلوا من الاكتظاظ الذي تعاني منهم مؤسساتهم ذريعة لحرمان الحاصلين على شهادة الباكالوريا ما دون سنة 2015 من التسجيل، سواء من خلال اتخاذ قرار الحظر الكلي على هؤلاء في التسجيل (مثلا: كلية الحقوق بسطات..)، أو من خلال حرمانهم من التسجيل في تخصصات بعينها (مثلا: الجديدة، الرشيدية، خريبكة..)، فضلا عن عدم اعتراف بعض الكليات بشهادة الباكالوريا الحرة وحرمان الحاصلين عليها من التسجيل مطلقا (مثلا: كلية العلوم بأكادير..).

واعتبر المصدر أن هذا الإجراء الذي حرم عددا من طلبة العلم من حقهم الدستوري في استكمال مسارهم الدراسي، جعلهم يؤدون ضريبة ما وصفه بـ “تقصير الدولة في توفير الشروط الضرورية لتعليم مواطنيها ومواطناتها”، وجعل عدد منهم ينضافون لنسبة الهدر الجامعي.

الوزارة بذلت جهودا في البحث العلمي.. لكن لا تكفي

تقرير المنظمة الطلابية ذات التوجه الإسلامي، أشادت بحصيلة وزارة لحسن الداودي في مجال البحث العلمي، واعتبرت أنه يحسب لها (للوزارة) “اعتماد استراتيجية وطنية للبحث العلمي ولاابتكار في أفق2025، كما يحسب لها عدد من المجهودات الرامية للنهوض بالبحث العلمي، وخاصة ما يتعلق بالرفع من الميزانية المخصصة للبحث العلمي بما يقدر عن 639 مليون درهم سنة 2015”.

وثمنت “تشجيع الاتفاقيات بين الجامعات المغربية ونظيراتها في أوروبا في مجالات التكوين والتأطير والبحث العلمي، وإطلاق المنصة الإلكترونية الجديدة “أطروحتي”، تتعلق بقاعدة المعطيات الخاصة بأطروحات الدكتوراه المسجلة في مختلف الجامعات المغربية”.

إلى أن منظمة التجديد الطلابي اعتبرت من خلال التقرير ذاته، تلك الجهود غير كافية للنهوض بمنظومة البحث العلمي “الذي يفترض أن يكون انشغالا مركزيا للدولة باعتباره قاطرة للتنمية الحقيقية وللنهوض الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والبيئي”، مشددة أن القطاع “يعاني من أعطاب مستمرة بدءا بهشاشة بنيات البحث العلمي، وضعف في الوسائل التقنية والفنية والإمكانيات المالية، إضافة لغياب قانون إطار للباحث يحدد الحقوق والواجبات ويحمي الحرية الأكاديمية” .

إلى ذلك، سجلت المنظمة الطلابية ضعف انخراط القطاع الخاص والقطاعات الحكومية في دعم البحث العلمي وغياب إطار قانوني ينظم الوقف من أجل البحث العلمي، وكذا فقر في المكتبات العلمية سواء بالنسبة للعلوم الاجتماعية والإنسانية أو بالنسبة للعلوم الحقة، وضعف في مواكبة المستجدات العلمية.

وشدد التقرير “كما نجد ضعفا شديد في دعم الإنتاج العلمي والمجلات العلمية للطلبة الباحثين، ينضاف لضعف التأطير  البيداغوجي والتأطير المنهجي للطلبة الباحثين”.

وأضاف “يزيد من أزمة البحث العلمي بالمغرب اعتماد بعض المؤسسات الجامعية لمنطق المحسوبية والزبونية في انتقاء الطلاب بمسلكي الماستر والدكتوراه (مثال: القنيطرة، الجديدة، وجدة، طنجة ..) بدل احترام الضوابط القانونية المؤطرة لهذه العملية، مما يعدم تكافؤ الفرص بين المترشحين ويسهم في انتقاء طلبة غير مؤهلين للبحث العلمي في هذين المسلكين”. 

إشادة بالحكومة ومطالبة بإصلاح عميق

إلى ذلك، عبرت المنظمة في توصيات تقريرها السنوي حول وضعية الجامعة المغربية بالمجهود الحكومي في قطاع التعليم العالي، معتبرة إياه “تقدما كبيرا مقارنة مع ما أنجز في عهد الحكومات السابقة”.

وفي الوقت الذي اعتبرت أن المجهودات مازالت غير كافية، شددت على ضرورة القيام بـ “إصلاح عميق يعيد النظر في هوية الجامعة ووظائفها داخل المجتمع والدولة، ويجعل من تحسين ظروف التحصيل والبحث العلمي شرطا أساسيا للإصلاح والنهوض”.

وتابعت “التجديد الطلابي” في تقريرها، أنها “تعتبر محاربة الفساد المالي والإداري، وتكريس منطق الشفافية والحكامة الجيدة، وتفعيل توصيات المجلس الأعلى للحسابات، مدخلا أساسيا للإصلاح الجامعي”، داعية في الوقت ذاته إلى “صياغة ميثاق قيم وأخلاقيات الجامعة المغربية”.