أحرج أيت الطالب.. غياب أنظمة الحماية وراء فداحة خسائر حريق مستشفى مراكش

علمت جريدة “العمق” من مصدر موثوق أن البناية التي اندلع فيها حريق، أمس الأربعاء، داخل مستشفى ابن طفيل بمراكش، تفتقد لنظام استشعار الحريق، الأمر الذي منع من اكتشافه في وقت مبكر وتسبب في الخسائر المادية الفادحة، وأعاد إلى الأذهان فضائح المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش، وخصوصا مستشفى ابن طفيل الذي طالما دافع عنه وزير الصحة والحماية الاجتماعية ووعد بتأهيله.
وقال مصدر جريدة “العمق” إن الحريق الذي اندلع بسبب خلل في نظام التكييف بغرفة استراحة الأطر الصحية بالطابق الرابع، لم يستشعره أي أحد إلى حين وصول الدخان إلى الطرف الآخر من الطابق، خصوصا وأن أمس الأربعاء كان يوم إضراب للأطر الصحية مما يعني قلة الحركة وقلة الأطر المتواجدين في المستشفى.
وأعاد الحريق المذكور إلى الأذهان سلسلة اختلالات المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش، الذي يعد مستشفى ابن طفيل أحد مكوناته الأساسية، والأكثر سوداوية نظرا لكثرة الاختلالات والمشاكل التي يعاني منها، والتي فضحتها جريدة “العمق” في أكثر من مقال.
ومازالت تظهر الاختلالات العمرانية في مستشفى ابن طفيل واحدة تلو الأخرى، دون أن يتم معالجة أي منها إلى حدود كتابة هذه الأسطر، ودون تقديم أي جهة للمحاسبة أو تحميلها المسؤولية.
مستعجلات معطلة
ومازال قسم المستعجلات بالمستشفى المذكور مغلقا منذ ما يزيد من 3 سنوات، بسبب “اختلالات عمرانية خطيرة” كما جاء على لسان وزير الصحة والحماية الاجتماعية خالد آيت الطالب في جواب على سؤال كتابي في شهر يوليوز 2022، مؤكدا وجود تشققات في الجدران والأعمدة والأرضية.
وقال الوزير في جوابه المؤرخ بـ 09 دجنبر 2022 “في إطار تحسين ظروف استقبال المرضى الوافدين على مستعجلات مستشفى ابن طفيل، وكذا الاستفادة من جميع العلاجات الضرورية في أحسن وجه أبرم المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش صفقة تتعلق بعملية صيانة وإعادة تأهيل مستعجلات مستشفى ابن طفيل، إلا أنه وخلال أعمال الصيانة لوحظ ظهور عدة تشققات في أماكن مختلفة وخاصة في منطقة الروافد؛ والأعمدة والأرضيات”.
وتابع الوزير، في الجواب الذي تتوفر جريدة “العمق” على نسخة منه “لذلك، ارتأى المركز الاستشفائي الجامعي إنجاز خبرة تقنية من أجل تقييم الأضرار والمخاطر المحتملة، خلصت نتائجها إلى ضرورة هدم المبنى بالكامل لأن عملية الصيانة والتأهيل ستكون صعبة ومكلفة وهو الأمر الذي أكده الخبير القانوني في الهندسة المدنية”، مسترسلا “وبناء عليه، قرر المركز الاستشفائي محمد السادس بمراكش هدم البناية وإعادة بنائها وذلك تفاديا للمخاطر المحتملة على المرضى والمهنيين وباقي المرتفقين”.
إلى ذلك، تحاشى الوزير كشف الجهة المسؤولة عن التشققات وأسبابها وتفاصيل الصفقة التي عقدها المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش لصيانة وإعادة تأهيل مستعجلات مستشفى ابن طفيل”، بالرغم من تكليفها المال العام مبلغا مقدرا بحوالي 8 ملايين درهم.
ويتسبب إغلاق قسم المستعجلات بالمستشفى المذكور في توليد ضغط زائد على قسم المستعجلات بمستشفى الرازي، الذي لا يخلو بدوره من اختلالات وأزمات، دون أن تتخذ الوزارة أي إجراء لتخفيف هذا الضغط الذي عمر لسنوات.
بناية مهجورة
ومازالت بناية أخرى من نفس حجم البناية التي تعرضت للحريق، مغلقة وخارج الخدمة منذ عام 2018، وهي البناية التي كانت في السابق تضم جناحا لأمراض النساء والتوليد قبل نقل المصلحة إلى مستشفى الأم والطفل، وتضم 7 قاعات جراحية تتسع كل واحدة منها إلى سريرين أو ثلاثة، والقاعات السبع مجهزة بمزودات الأكسجين ومعدات الجراحة، كما يمكنها استيعاب 130 سريرا بوضعية عادية غير مكتظة، وتتوفر على مصلحة إنعاش سعتها 10 أسرة.
وأغلقت البناء خلال سنة 2018 من أجل “إصلاحات”، وبقيت منذ ذلك الحين مغلقة، رغم القرارات العديدة والوعود التي صدرت عن الإدارة من أجل إعادة فتحها، آخرها خلال شهر أبريل 2020 حيث تم الإعلان أنه تم الشروع في تهييئها لاستقبال مرضى “كورونا”، دون أن يتم ذلك.
المعطيات الموثوقة التي حصلت عليها جريدة “العمق”، أكدت أن السبب الرئيسي في بقاء البناية مغلقة طيلة هذه المدة هو “خلل في صفقة المصاعد”، و”اختلاف” بين إدارة المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس وبين الشركة الفائزة بالصفقة، وأن الشركة قررت قبل مدة اللجوء إلى القضاء، فيما مازالت إدارة المركز تلتزم الصمت بخصوص القضية.
وفي تفاصيل القضية أوضح مصدر “العمق” أن المستشفى تعاقد مع مكتب دراسات من أجل إجراء الدراسة الأولية للمصاعد، وخلص إلى أن البناية تتحمل نوع المصاعد الذي يفتح من الجهتين، الأمر الذي أسس عليه المركز الاستشفائي الجامعي صفقته مع شركة المصاعد، التي سلمت المصاعد مفككة للمستشفى في المرحلة الأولى غير أنها لما أرادت تركيبها تفاجأت بعد تلاؤم المصاعد المقتناة مع البناية واستحالة استخدامها، مما دفعها لمطالبة الإدارة بتعويضها في الخسائر قبل استبدال المصاعد بأخرى مناسبة، وهو ما رفضته الإدارة وبقي الملف معلقا إلى اليوم.
الأكثر من ذلك، بقيت المصاعد المفككة والتي بقي ثمنها بذمة إدارة المركز الاستشفائي الجامعي بسبب تحملها مسؤولية إجراء الدراسة الأولية، (بقيت) موضوعة بجانب البناية في مكان معرض لأشعة الشمس والمطر طيلة المدة المذكورة، وإلى غاية كتابة هذه الأسطر.
وفي الوقت الذي قطع خالد آيت الطالب وعدا بتجهيز البناية لفتحها لمواجهة موجة “كورونا” في شهر غشت من سنة 2020 ظهر والي جهة مراكش آسفي كريم قسي الحلو في مقطع فيديو بثته القناة الثانية “دوزيم” في نشرتها الإخبارية ليوم 19 غشت 2020، يؤكد من خلاله “عدم إمكانية فتح البناية بسبب عدم توفرها على المصاعد”، كما شدد على “عدم إمكانية استخدام المنزلق الذي تم تشييده في بداية الجائحة”، وذلك بالرغم من كونه شيد لغاية فتح البناية أمام مرضى “كوفيد19”.
كما سبق لجريدة “العمق” سبق لها أكثر من مرة التطرق لموضوع البناية المذكورة، سواء خلال انفجار فضحية “السل” بالمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش، أو في بداية جائحة “كورونا”، ونبهت إلى “خطورة” المنزلق المشيد على حياة المرضى، كما سلطت الضوء أكثر من مرة على مطالب الأطر الصحية والنقابات بفتح تحقيق حول “اختلالات” الصفقة المذكورة، وكذا سبب الاستمرار في إغلاق البناية رغم الحاجة الماسة لها، ومطالبهم بربط المسؤولية بالمحاسبة.
اترك تعليقاً