منتدى العمق

نظرة تحليلية : فيسبوك بين الماضي والحاضر …

رضوان زريعة – في بداية الموقع الأزرق “الفايسبوك” كان يدخل ضمن ثقافة الهامش، لكن ما حدث في العالم وما ساده من تطورات وخصوصا في الدول العربية بعد سنة 2010، أصبح هذا الموقع يُشكل ظاهرة ثقافية تفرض نفسها على الإنسان، فبعدما كان مُنحصراً على فئة خاصة من الشباب، وكانت وظيفته تتجلى في التواصل بين الأفراد وتبادل المعلومات والصور فيما بينهم، أصبح في الوقت الراهن ظاهرة تحكمها أنساق ثقافية وسياسية وتنوع رواده وأخد يحتل الصدارة، وهذا ما يشكل خطراً كبيراً وخاصة في ظل الحرية المتاحة للفرد داخل الفضاء الرقمي؛ في مقالنا هذا سنعمل على تأريخ بسيط لمراحل الموقع الأزرق مع تحليل متواضع لكل مرحلة على حدة، لعل القارئ لهذا المقال يحس بهذا الخطر المحدق بنا كأفراد داخل منظومة اجتماعية يُفترض فيها التعايش السلمي فيما بينها وتشجيع ثقافة الحوار البناء والفعال مهما كان الاختلاف، مُبتعدين بذلك عن البُغض والكراهية، ولعله يحاول توجيه سلوكه نحو الايجابية واستحضار العقل أثناء التعامل مع هذا الموقع وغيره من الوسائط الاجتماعية الأخرى …

أولا : مرحلة التشكيل والنضج :

سنة 2003 كان أول ظهور للموقع الأزرق، وكان يسمى آنذاك بــ (فايس ماتش FaceMatch) حيث كان مخصصاً لجامعة هارد فارد الأمريكية والتي كان يدرس بها مؤسس الموقع، وكان تصفح هذا الموقع من لدن طلبة هذه الجامعة فقط، وكان لابد من دعوة العضو من لدن مؤسس الموقع لكي يتصفحه، ثم تغير اسمه إلى (Thefacebook) وبدأ يعمم على بعض الجامعات كجامعة ستانفورد وكولومبيا، ليشمل بعد ذلك جميع كليات مدينة بوستن وجامعة ايفي ليج، وشيئاً فشيئا أصبح متاحاً لجامعات في كندا والولايات المتحدة سنة 2004، لينفتح بعد ذلك على فئة أخرى وهي موظفي الشركات، وبالخصوص شركة مايكروسوفت وآبل سنة 2005، ثم في سنة 2006 بدأ يتوسع أكثر وفتح أبوابه أمام البالغين من العمر 30 سنة فأكثر والمتوفرين على بريد الكتروني صحيح، ثم في سنة 2008 أعلن القائمون على الموقع عن اتخاد مقر دولي له في لندن، ليبدأ الموقع الأزرق في شق طريقه نحو العالمية، ويبدأ في تطوير شكله، وتم بعدها فتح العديد من المميزات الجديدة أمام رواده، إلى أن وصل للدول العربية والذين كانوا في الأول يستخدمه الأقلية منهم، لحين شمل الغالبية في أواخر سنة 2010 وهي الفترة التي سبقت مرحلة مهمة لعب فيها الموقع الأزرق دوراً مهماً لدى العرب.

ثــانياً : مرحلة ايصال صوت الجماهير :

هذه المرحلة هي التي يمكن أن نقول أن هذا الموقع لعب فيها دوراً كبيراً لدى أفراد الدول العربية، فقد عمل على إيصال صوت الجماهير الشعبية إلى مراكز السلطة في الدول، وشكل إعلاماً بديلا وحراً فقام بتغطية الحراك الشعبي الذي عرفته مختلف البلدان العربية آنذاك، حيث كان ينقل الاحداث بسرعة فائقة وبدون أي رقابة، مما أدى في الأخير إلى سقوط عدة أنظمة (تونس ومصر نموذجا) وتغيير دساتير في دول أخرى كالمغرب .

ثــالثاً : مرحلة التقهقر وتمجيد التفاهة والسلبية :

في هذه المرحلة والتي لا زلنا نعيشها الآن، أصبح الموقع الأزرق بمثابة فضاء تافه يُنشر فيه غسيل الأفراد، فبعدما كان رواده يعملون على استخدام العقل أثناء التعامل معه، حيث يعمدون إلى استعماله بكل تنسيق وتخطيط لنقد الأوضاع في بلدانهم أو للاستفادة منه في شيء آخر، أصبحوا الأن يستخدمون العاطفة بدل العقل فأضحت العبثية و العشوائية هي الطابع السائد فيه، وأضحى كل ما يُثير العاطفة يجد صوتاً وإقبالا وإعجاباً لدى مرتاديه (نشر صور الفتيات، صور الأموات، صور الفئات ذوي الاحتياجات الخاصة، صور مفبركة تحت غطاء المعجزات … )، وعادت العصبية القبلية فأصحبنا نجد تجمعات عديدة، هذه خاصة بالأمازيغ، وهذه خاصة بالعرب، وهذه خاصة بسواسة …وهو الأمر الذي يظهر لنا أننا صرنا حقاً نعيش مرحلة نكوص .

إلى جانب هذا صرنا نجد دكتاتورية الترفيه، فغالبية الأفراد صاروا يقضون ساعات طوال أمام الموقع الأزرق للترفيه عن النفس ووأد الوقت، إضافة لهذا نجد فضح الانحرافات الاجتماعية ونشر الفضائح الشخصية لأفراد المجتمع، فرغم أن هذه الأخيرة مُلازمة للفرد داخل أي مجتمع منذ القدم إلا أنها في زمن التكنولوجيا صارت أكثر انتشارا، وفي مُتناول الجميع إلى أن أضحت وسيلة يعمد إليها البعض لتصفية الحسابات أو للإساءة للدولة عبر توجيه سهام النقد لها وتحميلها كامل المسؤولية دون النظر إلى الأطراف الأخرى؛ كذلك نجد إبراز الذات حيث تجد العديد من الأفراد ينشرون تفاصيل حياتهم اليومية داخل هذا الموقع، فتجد فلان نشر وقت خروجه من المنزل، ثم بعدها نشر صورة له وهو في مقر العمل، وصورة له وهو يتناول وجبة غداءه، وصورة له وهو في طريق العودة …
إضافة لذلك نجد غياب العلمية والابداع الفكري والثقافي، فأغلب ما يتم نشره في الموقع الأزرق يقوم فقط على سياسة النسخ واللصق، الشيء الذي أدى إلى غياب الابداع و فقدان الأمانة العلمية (عدم ذكر مصادر المعلومات المنشورة)، وطغيان اليقينية فأصبح الغالبية يعتمدون على فيسبوك كمصدر أساسي ويقيني لاستقاء المعلومة فتجد الكثيرين يجادلون حول مسألة معينة، ويعللون حولها بالمعلومات المنشورة عبر الموقع الأزرق دون التأكد من صحتها، بالإضافة إلى استخدام أساليب لتسهيل ولوج المعلومة لفكر الإنسان وقبولها دون وضعها محل سؤال، كاستخدام عبارة هل تعلم؟ (فكل كلام يبدأ بهل تعلم يصدقه الناس)، زيادة على هذا نجد انتحال صفة شخصيات علمية مشهورة والإساءة لهم، والتشجيع على الانحرافات الفكرية وبعض السلوكيات الدخيلة على المجتمعات الاسلامية، أيضاً من الأمور السائدة في هذه المرحلة المتقهقرة تحول الجاهل إلى العالم، وتحول المغني إلى المثقف والمرشد الذي صار أعلم بحال الأمة غير أنه لا شيء، فالقضية شيء والاستدلال شيء أخر، كذلك تحول الممنوع إلى المرغوب والمخالف للقانون إلى المقبول قانونياً .

ومن هنا نخلص إلى أن موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك وغيره من الوسائط الاجتماعية، ظاهرة تفرض نفسها على الإنسان كما سبق أن أشرنا في البداية، لكن يبقى علينا نحن كأفراد توجيه سلوكياتنا داخل هذا الفضاء نحو الإيجابية واستخدامه بعقلانية، لأنه أصلاً لم تعد لنا خيارات أخرى غير أن نستخدمه جيداً فيعود علينا بالفضل والتغيير نحو الأحسن، أو نستخدمه بشكل سلبي فيعود علينا بما لا تحمد عقباه، ولنا أكبر عبرة فيما حدث مؤخراً في تركيا وبالضبط يوم الجمعة 15 يوليوز 2016، هذا اليوم التاريخي الذي يعتبر درساً مهماً لنا، والذي علمنا من خلاله مرة أخرى إلى أي حد قد يصل تأثير التكنولوجيا الحديثة عندما نستخدمها بطريقة ايجابية.