خارج الحدود

بعد شهر من إضرابها عن الطعام.. فلسطينية للأنروا: وظفوني أو ستفقدوني

بأمعائها الخاوية تخوض حرباً من أجل العيش بكرامة أو الموت لكنها المرة ليست أسيرةً في سجون الاحتلال الصهيوني، بل هي أسيرةٌ في أكبر سجن بالتاريخ، في سجن مساحته تفوق ثلاثمئة كيلومتر وعدد المسجونين فيه قرابة 2 مليون متراوحين بين أطفال وشباب وشيب.

الشابة اليافعة شيرين البطريخي صاحبة الثلاثة عقود من عمرها، دخلت منذ شهر في أغرب إضراب مفتوح عن الطعام، ليس لأجل الخروج من سجنها ونيل الحرية، بل لأجل نيل الوظيفة! حالة غريبة وهل العمل بحاجة إلى وسيلة كهذه لكي يأتي.

سؤال طرحه نشطاء الفيس بوك رداً على هاشتاق “وظفوني أو ستفقدوني” الذي أطلقته شيرين، فمن النشطاء من ساندها ودعمها ووقف جانبها أمام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا والتي أطلقت شيرين إضرابها ضدها ووقفت أكثر من وقفة احتجاج أمامها. أما إجابة سؤال نشطاء التواصل عن لما الإضراب فتجيب شيرين..

لم تر والدها المتوفى أبدا لأنها تعيش في بيت خالها مع والدتها وأختها حيث تصف بداية حياتها “تخرجت من الجامعة الإسلامية تخصص دراسات إسلامية عام 2005، ولدي حلم وهو بأن أتوظف لكي أشعر بالراحة النفسية والإستقلالية ولأبدأ رحلتي الإنسانية”.
وامتدادا لمقولة الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- “لو كان الفقر رجلاً لقتلته” لم تستطع والدة شيرين الخروج من وحل الفقر منذ بداية حياتها وبعد وفاة زوجها، وكان للمرض نصيب من الفتك بجسد والدة شيرين فقد أخذ ثديها منها وخضعت للكيماوي والإشعاع.

أيضاً أمراض الشيخوخة السكر والضغط والمفاصل المزمنة، فلم يكتف المرض بإنهاك جسدها فقد أنهك جيبها المثقوب أصلاً. ولشيرين العودة بالحديث حيث أثار إضرابها عن الطعام نشطاء موقع التواصل الإجتماعي فيس بوك، فهي ليست كالفتيات اللواتي يحلمن بالفستان الأبيض؛ فالوجع والفقر والحرمان الذي ترعرعت فيه جعل حلمها هو الحصول على وظيفة لكي تكفل لها كرامتها وحقها وإنسانيتها في العيش الكريم.

تقول شيرين والتي ظهرت على قناة القدس الفضائية في لقاء مباشر وقد ذهب صوتها مع أمعائها الخاوية أُقتل كل يوم ألف مرة وأنا أرى دموع والدتي وهي تبكيني أثناء ذهابي وعودتي من امتحانات التوظيف بلا فائدة.

تبكي الأم الأرملة لأن أمنيتها أن تضمن لابنتها وظيفة قبل رحيلها، فقد ذهب أكثر من عقد من الزمان من حياة ابنتها في بيع مسليات الأطفال من ببت خالها الذي يأويها، فهي لا تمد يدها لغيرها حتى لو كان خالها الحبيب الذي لن يقصر معها أبدا.

وتؤكد البطريخي “بحثت في كل المدارس الخاصة والمؤسسات وكانت ترسل لوزارة التربية ووكالة الغوث رسائل من أجل توفير وظيفة دائمة لها وتشرح وضعها الاجتماعي وتطلب منهم أن تكون استثناء، لكن دونما أية مراعاة من طرف الوكالة” حسب قولها.

وكانت ترسل للوكالة اعتراضها على صعوبة امتحاناتهم ولوحت لهم البطريخي بإضرابها عن الطعام إن لم يوفروا لها وظيفة، مراعاة لظرفها الاجتماعي، فقد أسمعت لو ناديت حياً لكن لا حياة لمن تنادي، فالأونروا هي وكالة دولية ميزانيتها من الدول المانحة ووظيفتها توفير العمل للاجئين الفلسطينيين بأماكن لجوئهم فلماذا لا تساعد شيرين؟

أما عن الحكومة الفلسطينية في رام وظلها في غزة فتشير شيرين “هما جثتان ميتتان وجثتهما غير قابلة للتشريح لذلك وجدت في وكالة الغوث التي تمثل الفلسطينيين في الداخل والشتات، الملاذ والباب الذي تطرقه فهي لا تنظر للوكالة من باب العائد المادي الذي اتهمها به البعض وإنما لاستقرار الوضع فيها لحد كبير”.

وتؤكد البطريخي “أنا من البداية ناشدت الرئيس محمود عباس وهناك من وعد بالتواصل معه ولما خذلوني، ولم يوصلوا الصوت، أضربت تجاه الوكالة لعلها تستجيب فتوفرعلي الوقت كونها لا معيقات لديها، وإذا لم تستجب سيكون هناك ضجة ويُرسل الصوت للرئيس عن طريق وسائل الإعلام”. 

وكانت معظم وسائل الإعلام للأسف تغطي الحدث كمادة إعلامية للقناة والجهة التي تتبع لها، أما أنها لكي توصل الصوت فهذا كان بعيدا عنها، خاصة أنني في كل لقاء واتصال كنت أناشد سيادة الرئيس، فلماذا إلى الآن لم يصل الصوت؟

وتكمل البطريخي “لمن يتكلم عن الكفاءة والعدل والمعايير والمساواة بإمكانه أن يسأل عني المديرة رضا الور التي عملت في مدرستها شهرين بطالة، وكذلك يسأل المديرة ليلى أبو جربوع التي عملت في مدرستها أربعة شهور بطالة، ويسأل النائبة تهاني ربيع، وعن شهادات التقدير التي منحوها لي تقديرا لكفاءتي”.

وبحسرة وألم تكمل شيرين “أعرف أن وضع آلاف الشباب مؤلم وموجع لكنها أكثر وجعا وألما فأنا أعيش في بيت غريب ليس بيتي ولا بيت والدتي، أنا ضيفة فقط يجب أن يأتي يوم وأتركه، أليس من حقي قبل أن يأتي هذا اليوم أكون قد أمنت على نفسي”.

شيرين صمتت كل هذه الأعوام وقد كانت ولا زالت على إيمان بأن رزقها بيد الله، لكنها قررت رفض الواقع المظلم المؤلم على طريقتها الخاصة، فأضربت من فجر الرابع عشر من أيلول عن الطعام وأعلنت أنه إضراب مفتوح حتى يتم توفير وظيفة لها وأن تكون معلمة، وقد وعدت أنه لو قدم لها الرئيس عباس وظيفة ستقبل بها وتنهي إضرابها.

أعلنت شيرين أنها لن تتراجع عن إضرابها حتى يتم توظيفها، وقررت أن تكون خيمة الإعتصام متمثلة في بيت خالها الذي تعيش فيه، فلا الخيمة ولا الأرض التي تنصب عليها هي ملك للمعتصمين، وكذلك هي في بيت خالها ليس ملكها وهي ضيفة فيه.

ويبقى طلب شيرين قبل أن تسوء حالتها أن يصل صوتها لأصحاب الضمائر الحية وجمعيات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية والأجنبية وكل العالم من أجل إنقاذها، وتقول إنها في رقاب من باستطاعتهم حل القضية، ولتبقى مثالاً لألوف أنهى الحصار مستقبلهم في غزة .. وتختم شيرين بقولها وظفوني أو ستفقدوني.