وجهة نظر

شهوة الكراسي

الشهوة هي شيء فطري في الانسان تتقاذفه يمينا وشمالا ،تجد ان له شهوة الاكل ،وشهوة الملبس، وشهوة الجنس، وغيرها من الشهوات التي اودعها الله فيه ولا يستطيع ان يدفعها، لكن يستطيع ان يظبطها ويقومها ويجعلها في مصلحته دون ان يضر بنفسه ولا بالاخر. فالنفس كالطفل ان تهمله شب على حب الرضاع وان تفطمه ينفطم .

لكن هناك شهوة اخرى يكون فيها حظ النفس هو المسيطر وتتصادم فيها كل الرغبات، وتنقشع فيها كل الملذات ،انها شهوة الكراسي والتطلع الى السلطة ،والمسؤولية ،طلبا في امتيازاتها وحرصا على اقتحام ما يسيل لعاب الكثيرين له .

كثير هم الذين لا يلجون السياسة بدافع خدمة المواطن والسعي في مصلحته بل يجدون في السياسة ومناصبها مغرما ومكانا لتسلق الدرجات في الأعمال ،والاستثمار، والجاه والنفوذ، ويسعون لذلك بشتى الطرق حتى ولو اقتضى منهم ذلك صرف كل ما جمعوه من اموال في تجارة او عمل في سبيل الوصول الى كرسي البرلمان او السلطة كيفما كان نوعها وبريقها .

هذا البريق واللمعان الاخاذ الذي يجعل لسان الكثيرين يسيل لمجرد ان تبدا الانتخابات التشريعية هو في تصورهم ليس سوى جلسات برلمانية يجلس فيها البرلماني على كرسي وثير ،ويستمع فيه لاسئلة وردود الوزراء ،وراتب شهري يصل لثلاث ملايين سنتيم وامتيازات اخرى، وقليل منهم من يعلم ان البرلمان يحتاج الى طاقات وقدرات وكفاءات داخل اللجان لانتاج القوانين التنظيمية والتشريعات التي تهم المواطن في شتى المجالات ، وليس الى عاهات تهدم اكثر مما تبني .

شهوة الكراسي هي التي تجني على المؤسسات السياسية سواء الحزبية او على مستوى الدولة ،فالذي لا يفقه شيئا فيها يتطلع اليها وتهوى نفسه ان يخوض غمار الدخول اليها من باب البرلمان ،فتصبح الاحزاب ومؤسسات الدولة مرتعا للعاهات المستديمة التي تقبر احلام المواطنين وتركز الجهود على الاغتناء من هذه المناصب .

سئل سلمان الفارسي يوما عن زهده في الامارة فقال لحلاوة رضاعها ومرارة فطامها ، نعم هي المسؤولية التي تجعل الانسان يستبيح عذريتها ويستطيب رضاعها ،ويقبل عليها بكل جوارحه، ناسيا انه يقبل على حمل ثقيل وأمانة كبيرة ستطوق عنقه يوم العرض على الله، ويحمل وزرها امام المواطنين الذين ينتظرون منه الإصلاح .

الكراسي براقة وجذابة، والنفس ثواقة لكل ما يبهج اساريرها، ويحرك ركودها ،وما أوتي المسلم الا من هذه النفس الثواقة، التي تثوق الى ما يبهجها ويفرحها ،ولو كان ذلك على حساب المبادئ والاخلاق التي تعارف عليها الناس او التي توجد في المنظومة الأخلاقية للمسلمين .

جميل ان ينخرط المرء في العمل السياسي وان يتسلق المراتب في النضال والعمل السياسي الملتزم بضوابط الديمقراطية، لكن المستقبح ان يصبح العمل السياسي مليئا بالانتهازيين الذين لا يظهرون الا في لحظة القطاف والحصاد السياسي .

إن العمل السياسي اذا لم يطبعه الاتزان ووضوح الرؤية والتصور ولم يكن مبنيا على النضال من القاعدة والالتصاق بالمواطن مع التحلي بالاخلاق التي هي الخيط الناظم في هذا كله فلنكبر على سياستنا وسياسيينا اربعا فالكراسي زائلة واهم مايبقى هو ماعملت وماتركت.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “العمق المغربي”