وجهة نظر

من شب على شيء شاب عليه

كثيراً ما نجد أمثال شعبية تتردد على سمعنا، وذلك لأنها في بعض الأحيان قد تفي بالغرض وتساعدنا على اختصار كلامنا بجملة واحدة، يمكن أن نشرح من خلالها كل ما يدور في عقلنا فمثل “من شب على شيء شاب عليه”. هو من بين الأمثلة التي غالبا ما نسمعها في مجالسنا، حيث تتجلى حكمته في حسن التربية والتعليم والتدريب على الاعمال الصالحة والسنن الحميدة والفضلى والعمل الجاد منذ صغرنا، وخصوصا عندما نجد ابائنا وامهاتنا وكل العائلة التي حولنا سعيدة ومؤمنة من شقائنا ومستعينة بنا على الحياة في كبرهم.

ولكن في الحقيقة هناك الكثير منا من يجهل مصدر هذا المثل التاريخي العظيم والراقي، فحسب بعض المؤرخين والكتاب فان أحداث هذه القصة الواقعية دارت فعلا بين أبي يزيد البسطامي وابنه ” حيث قام أبي يزيد البسطامي للصلاة في الليل، فرأى ابنه الصغير يرغب في مشاركته في قيام الليل. فشفق الاب على ابنه نظرا لصغر سنه خصوصا وأن هناك برد قوي وقارس ذلك اليوم، فأمره بالرجوع إلى فراشه. فرد عليه الابن بسؤال عن سبب قيامه هو للصلاة. فأجاب الأب بأن الله هو من أمره بذلك. فرد عليه الابن بأن الله قال في كتابه الكريم سورة المزمل الآية 20: ۞ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ۞ فسأله الأب من هؤلاء الذين قاموا مع الرسول” صلى الله عليه وسلم” يابني، فيجيب الابن بأنهم أصحابه وعائلته وابنائه. فلهذا يا ابي لا تحرمني من شرف صحبتك في طاعة الله. فيتفاجأ الأب من فطنة وذكاء ابنه، فيقول له: يا بني أنت طفل صغير ولم تبلغ الحلم بعد. فيرد الابن بأن الناس عندما توقد النار تبدأ بصغار قطع الحطب لتشعل كبارها، فلهذا فإني أخشى أن يبدأ الله بي قبل الكبار إن أهملت طاعته. فينتفض الأب من خشية الله ويقول: قم يا بني فأنت أولى بالله من أبيك. ثم قال: كلمته المشهورة “من شبّ على شيء شاب عليه”، التي راحت مثلاً يُضرب به على المرء الذي يعتاد في كبره فعل ما كان يفعله في صغره.

فهذه القصة الرائعة اذن قد تُظهر لنا مدى أهمية التربية السليمة والعمل الصالح والجاد منذ الصغر، وكيف أن هذه التربية قد تنعكس على سلوك الإنسان في كبره. فالابن في هذه القصة، تربى على الطاعة والعبادة والصبر والعمل الجاد، فأصبح حريصًا على ذلك في صغره وكبره. بينما لو كان الأب قد تساهل في تربيته كما يفعل الكثير منا شفقة ورأفة بأطفالهم بحكم سنهم الصغير وعدم الرغبة في ارهاقهم وتعودهم على الحياة الشاقة والحرمان الذي عاشوه في بعض الأحيان، مثلا قولهم لهم :” لا تنظفي البيت لا تطبخي وتعجني لا تعمل ولا ولا…. انتما مازلتم صغار على المسئولية، كما اننا لا نرغب أن تتعبا كما تعبنا نحن في صغرنا ” وبالتالي فبهذا قد نعودهم على الكسل والأمور السلبية التي قد تعيق حياتهم عند الكبر او خصوصا عندما نكون في أمس الحاجة إليهما لمساعدتنا وتحمل المسئولية عنا عند الكبر، لأنه بهذا التصرف سيتعودون على اكمال حياتهما بنفس العادات التي أخدوها في الصغر من قلة المسئولية والجدية.

فلا شك ولا محالة أن الوقت الذي قد يفوتنا اليوم لن يعود مرة ثانية. أو ربما قد يعود للأحسن إذا ما أحسنا التصرف وأدركنا الأخطاء بكل صدر رحب وحوار جاد مع أبنائنا وجيلنا القادم وعودناهم على تحمل المسئولية بشكل تدريجي منذ الصغر. واختم مقالي ببيتين هما:

وكيف مَلامَتي مُذْ شابَ رأسي…………………… على خُلُقٍ نشأتُ به طفلا؟

الا بتحسين نفسي وحملها على ما يُزَينُها…………… حتمًا سأعيشُ سالما والقَوْلُ في جَميلُ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ يومين

    وفقكم الله وجعل النجاح حليفكم