سياسة الإلهاء على عجلتين..

لم تكن حملة توقيف الدراجات النارية حدثا عابرا، بل تجربة مكتملة الأركان في سياسة الإلهاء. مذكرة “نارسا”، التي قفزت فوق صلاحياتها لتوجه تعليمات لوكلاء الملك والشرطة القضائية والإدارية، مثلت سابقة خطيرة في المس بمبدأ فصل السلط، وأظهرت كيف يمكن لمؤسسة تقنية أن تُربك بنية دستورية صلبة.
لكن جوهر القضية لم يكن قانون السير ولا احترامه، بل في خلق حالة من الخوف الجماعي: مواطنون يتنقلون تحت تهديد مصادرة دراجاتهم، ارتباك مؤسساتي يضع الأجهزة في مواجهة بعضها البعض، ونقاش عمومي غارق في التفاصيل. ثم يأتي القرار الحكومي بتعليق الحملة ليبدو كحل “منقذ”، فيما هو في الحقيقة استكمال للعبة سياسية محبوكة.
هذه هي سياسة الإلهاء في أوضح صورها: افتعال أزمة في الهامش، تضخيمها عبر الإعلام والإشاعات، ثم التراجع عنها لتلميع صورة مؤسسة رئيس الحكومة. وبينما ينشغل الرأي العام بالخوف من الدراجة، تظل القضايا الجوهرية—البطالة، الغلاء، الهشاشة —مركونة في الظل.
الأخطر أن ما وقع لم يكن مجرد “تخربيق إداري”، بل تمرين سياسي نفسي يعتمد على سيكولوجيا الخوف والتشتيت، ويكشف أن صناعة الأزمات باتت أداة لتدبير الرأي العام أكثر من كونها مجرد أخطاء عرضية.
اترك تعليقاً