في عيد الشباب: سؤال النخب الشابة يفرض نفسه

اليوم يحتفل المغرب بعيد الشباب، مناسبة وطنية تحمل رمزية خاصة، لأنها تعكس مكانة الشباب في مشروع بناء الوطن، وتفتح النقاش من جديد حول الدور الحقيقي الذي يجب أن يلعبه جيل اليوم في مستقبل البلاد.
عيد الشباب ليس فقط لحظة للاحتفال، بل فرصة للتأمل في أسئلة عميقة. من حقنا أن نسأل: أي نخب شبابية سنقدمها للمستقبل القريب؟ وهل نحن فعلاً ندفع في اتجاه الديمقراطية من داخل أحزابنا إذا كانت وضعية الشبيبات الحزبية كما نعيشها اليوم؟
لا أرى أمامي سوى صورة مكررة: شبيبات حزبية لا دور لها سوى الدفاع عن الحزب وتلميع صورته في المناسبات، بدل أن تكون مدارس سياسية تصنع الأطر وتؤهل الشباب. حينها يحق لنا أن نتساءل: أي نخب سنقدم غداً إذا واصلنا بهذا الشكل؟
وهنا أقولها بصدق، وبكل مسؤولية، لا يمكن أن نلوم الدولة إذا اعتمدت على عدد متزايد من التكنوقراط. هؤلاء أثبتوا في السنوات الأخيرة علو كعبهم وكفاءتهم العالية، وقدموا صورة مشرفة من الجدية والإخلاص في تنزيل الاستراتيجيات الوطنية والإجابة عن أسئلة المرحلة كما طرحها جلالة الملك. التكنوقراط اليوم يقدمون النموذج العملي للكفاءة والالتزام، بينما الشبيبات الحزبية، التي كان من المفترض أن تؤدي هذا الدور، تراجعت إلى الخلف.
في السابق، خلال السبعينات والثمانينات والتسعينات، كانت الشبيبات الحزبية فضاءً حقيقياً للنقاش والتأطير. منها خرجت نخب قادت المشهد خلال العشرين سنة الماضية. نعم، يمكن أن نفتح النقاش حول مستوى كفاءتها أو مدى وطنيتها، لكن لا يمكن أن ننكر أنها كانت ثمرة مدرسة حزبية قائمة على النقاش والجدية. اليوم، للأسف، هذه المدرسة أقفلت أبوابها تقريباً.
اللقاءات التي تنظمها الشبيبات لم تعد سوى تظاهرات شكلية، صور جماعية واحتفالات مناسباتية. لم يعد هناك تأطير ولا تكوين ولا نقاش سياسي معمق. لم يعد الهدف هو تكوين جيل واعٍ بقضاياه الوطنية والدولية، بل أصبح الهدف هو ملء القاعات والتصفيق للقيادات الحزبية.
أمام هذا الواقع، لا يمكن أن نتساءل غداً لماذا لم تنتج أحزابنا نخباً شابة قادرة على تحمل المسؤولية. ولا يمكن أن نستغرب إذا وجدت الدولة نفسها مضطرة إلى الاعتماد أكثر على التكنوقراط، لأنهم يقدمون ما لم تعد تقدمه الأحزاب. الحقيقة أن المسؤولية هنا تقع على عاتقنا نحن الشباب، وهي مسؤولية تاريخية لا يمكن التنصل منها.
أعلنها اليوم بوضوح: لم يعد ممكناً أن ننتظر إصلاحاً يأتي من شبيبات حزبية فقدت بوصلة دورها. نحن نتحمل مسؤوليتنا من داخل المجتمع المدني، من الجمعيات، من المراكز البحثية، ومنظمات غير حكومية. نحن نشتغل يومياً على تكوين وتأهيل الشباب في مختلف المجالات: السياسة، الاقتصاد، التكنولوجيا، الثقافة… نحن نؤمن أن المستقبل يصنع بالعمل الميداني الجاد، لا بالشعارات ولا بالصورة الجماعية في مهرجانات حزبية.
هذا موقف نابع من قناعة شخصية، لكنه في نفس الوقت إعلان مسؤولية تاريخية. إذا كانت الشبيبات الحزبية قد انسحبت من دورها، فنحن سنواصل الطريق من داخل المجتمع المدني. نعلم أن المهمة ليست سهلة، لكننا نؤمن أن بناء جيل وطني كفء ومؤهل هو شرط أساسي لبناء مغرب المستقبل.
لهذا لا نرفع شعار النقد من أجل النقد، بل من أجل الإصلاح. لا نعارض من أجل المعارضة، بل لنقول إننا نتحمل نصيبنا من المسؤولية. إذا غابت الأحزاب، فالمجتمع المدني حاضر. وإذا تراجعت الدينامية الحزبية، فهناك طاقات شبابية ترفض الاستسلام وتواصل العمل.
قد يظن البعض أن هذا موقف مثالي أو طوباوي، لكنه في الحقيقة موقف بطولي يفرضه علينا السياق. نعلنها اليوم: نحن جزء من الحل، ولسنا مجرد متفرجين. نحن نحمل مشروع بناء جيل وطني كفء، جيل يجيب بجدية عن أسئلة المرحلة، ويساهم في تحقيق أهداف وطنية سياسية واقتصادية واجتماعية.
قد يخسر المشهد الحزبي جزءاً من حيويته، لكن المغرب لن يخسر شبابه إذا تحملوا مسؤوليتهم. وهذا ما نعد به ونلتزم به: أن نكون الجيل الذي يملأ الفراغ، وأن نصنع بأيدينا مستقبلنا ومستقبل وطننا.
اترك تعليقاً