منتدى العمق

الإعلام الغربي بين نزعة الهيمنة وخصوصية الشرعية المغربية

تجددت في الآونة الأخيرة الحملة الإعلامية التي تقودها جريدة لوموند الفرنسية ضد المغرب، حيث أعادت إنتاج سرديات مشوبة بالتحامل والاختزال، لا تستند إلى قراءة علمية موضوعية بقدر ما تعكس ذهنية استعمارية متجددة ترتدي لبوسًا إعلاميًا حديثًا. إن هذا النمط من الخطاب يندرج ضمن ما يسميه باحثو السوسيولوجيا السياسية بـ”نزعة الوصاية الفكرية” التي تحاول من خلالها بعض المنابر الغربية فرض رؤيتها على دول الجنوب، عبر صناعة روايات زائفة تُقوِّض الشرعية الوطنية وتسعى إلى تفكيك العلاقة العضوية بين الدولة ومجتمعها.

لقد استندت لوموند في حملتها إلى أخبار غير موثوقة وتحليلات سطحية، متجاهلة الطبيعة المركبة للشرعية في المغرب، القائمة على ثنائية دستورية ودينية فريدة، مكَّنت المؤسسة الملكية من التكيف المستمر مع التحولات الاجتماعية والسياسية، ومن إنتاج صيغ متجددة للتعاقد السياسي بين الحاكم والمحكوم. إن هذه الدينامية لا يمكن اختزالها في قراءة ضيقة أو إسقاطات معيارية مستوردة من تجارب مغايرة.

وإذا كانت السوسيولوجيا السياسية تؤكد أن استقرار الأنظمة يتأسس على قدرة السلطة على بناء تحالفات عضوية مع المجتمع المدني وقواه الحية، فإن التجربة المغربية تقدم نموذجًا متميزًا. فالمؤسسة الملكية تمثل رأسمالًا رمزيًا عميق الجذور، يجمع بين الشرعية التاريخية والرمزية الثقافية والبيعة الدينية، مما يجعلها ركيزة أساسية لوحدة المجتمع وضمانة لاستمرارية الدولة. إنها ليست مجرد مؤسسة سياسية، بل تعبير عن تمازج الذاكرة الجماعية مع البناء الدستوري الحديث، وهو ما يفسر قدرة المغرب على مواجهة الضغوط الخارجية وتحصين استقراره الداخلي.

إن محاولات التشويه الإعلامي، كما تجسدها لوموند، تكشف في العمق عن قصور معرفي في فهم الديناميات الاستراتيجية التي جعلت المغرب فاعلًا وازنًا في فضائه الإقليمي والدولي. فمن خلال تعزيز تنميته المستدامة، وتكريس مغربية الصحراء، وترسيخ استقرار مؤسساته، أكد المغرب أن العلاقة بين الملك والشعب ليست خطابًا بروتوكوليًا، وإنما بنية سياسية-اجتماعية متجذرة، تشكل صمام أمان ضد كل محاولات النيل من الشرعية أو التشكيك في التماسك الوطني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *