
أكد مشاركون في ندوة خصصت لمناقشة الإطار القانوني والتنظيمي للإشهار، ضمن المناظرة الوطنية الأولى للإشهار المنعقد بالدار البيضاء، الأربعاء، على الحاجة الملحة لوضع إطار قانوني واضح وفعال لتنظيم قطاع الإشهار في المغرب، مواكبة للتحولات الرقمية والتكنولوجية المتسارعة التي يعرفها المجال، مبرزين القوانين الحالية مشتتة ومتفرقة، وهو ما يخلق غموضا لدى المستثمرين والفاعلين في السوق الإعلانية، ويجعل ضبط المسؤوليات عند وقوع التجاوزات صعبا.
في هذا الإطار، قال يونس بومهدي، نائب رئيس اتحاد الصناعات، إن قطاع الإشهار في المغرب بات في حاجة ملحة إلى إطار قانوني واضح وفعال يواكب التحولات التي يعرفها المجال، موضحا أن “تحقيق الأمن القانوني لم يعد ترفا، بل أصبح ضرورة لضمان شفافية الممارسات وحماية الفاعلين الاقتصاديين والمستهلكين على حد سواء”، موضحا أن القوانين الحالية تعاني من تشتت وتشعب يجعل تطبيقها صعبا، بل يفتح الباب أمام تأويلات متناقضة، وهو ما يخلق حالة من الغموض لدى المستثمرين والفاعلين في القطاع.
وشدد على أن المطلوب اليوم هو مراجعة شاملة للمنظومة القانونية الخاصة بالإشهار، بهدف توحيد المرجعيات وتبسيط المساطر حتى تصبح أكثر انسجاما وملاءمة مع التطورات الرقمية والتكنولوجية التي يشهدها المجال، معتبرا أن هذه المسؤولية “مزدوجة”، تقع على عاتق كل من السلطات العمومية والمهنيين أنفسهم، من أجل الوصول إلى توازن يحفظ المصلحة العامة ويضمن في الوقت ذاته حرية الإبداع والتنافسية.
كما دعا بومهدي إلى إشراك الفاعلين الصناعيين والمهنيين في صياغة القوانين والمراسيم التطبيقية، لضمان أن تكون النصوص الجديدة واقعية وقابلة للتنفيذ، مشيرا إلى أن تقنين القطاع لا يعني التضييق عليه، بل بالعكس، هو السبيل إلى خلق بيئة قانونية مستقرة تُشجع الاستثمار وتُعيد الثقة في السوق الإعلانية الوطنية.
وشدد على أن “الأمن القانوني هو أساس أي تنمية اقتصادية مستدامة”، معتبرا أن إصلاح المنظومة التشريعية الخاصة بالإشهار سيمكن المغرب من تعزيز موقعه الإقليمي في هذا المجال، ويفتح آفاقا جديدة أمام الفاعلين المحليين والدوليين للمساهمة في نمو هذا السوق الحيوي.
من جهته، أكد محمد اليديني، المستشار القانوني بالأمانة العامة للحكومة، أن قطاع الإشهار في المغرب يعيش اليوم وضعا معقدا يحتاج إلى إصلاح تشريعي عميق، موضحا أن “القوانين الموجودة حاليا تبقى مجرد أوراق متراكمة لا تجد طريقها إلى التطبيق الفعلي، وهو ما يستدعي التفكير الجاد في صياغة قانون خاص بالإشهار ينظم هذا المجال الحيوي ويمنحه الإطار القانوني الذي يستحقه باعتباره رافعة أساسية للاقتصاد الوطني”.
وأوضح اليديني، خلال مشاركته في المناظرة الوطنية الأولى للإشهار المنعقدة بمدينة الدار البيضاء، أن هذا القطاع يعرف اليوم تعدد المتدخلين وتداخل الأدوار بين وكالات الإشهار وصنّاع المحتوى والمؤثرين وغيرهم من الفاعلين، مما خلق حالة من الغموض القانوني تجعل من الصعب ضبط السوق بشكل فعال أو تحديد المسؤوليات عند وقوع التجاوزات.
وشدد على أن المسؤولية مشتركة بين الدولة والمهنيين والمؤسسات الإعلامية والرقمية، من أجل وضع تصور جماعي يؤسس لقواعد واضحة تنظم هذا المجال وفق مقاربة تشاركية، مضيفا أن المطلوب ليس فقط سن قوانين جديدة، بل تحديد الجهة المخولة بالضبط والمراقبة، حتى لا تبقى النصوص القانونية حبيسة الرفوف أو قابلة لتأويلات متعددة تضعف من فعاليتها.
كما أشار اليديني إلى أن تسارع التطور التكنولوجي وظهور الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلان يفرض مراجعة شاملة للقواعد التنظيمية الحالية، لتتلاءم مع واقع الإعلانات الرقمية والمحتوى الممول، بما يضمن حماية الجمهور من التضليل الإعلاني، ويُشجع في الوقت ذاته على الإبداع والمسؤولية المهنية.
وأكد على أن بناء منظومة قانونية عصرية وفعالة في مجال الإشهار لا يخدم فقط المهنيين، بل يعزز أيضا ثقة المواطنين في الرسائل الإعلانية، ويدعم الشفافية والمصداقية في السوق، مما ينعكس إيجابا على الاقتصاد الوطني وعلى صورة المغرب كبلد يواكب التحولات الرقمية والتشريعية الحديثة.
من جانبه، أوضح عادل معزوز، المدير القانوني ومدير الموارد البشرية بشركة صورياد–دوزيم، أن الإطار التشريعي المنظم لقطاع الإشهار في المغرب ما يزال مشتتا بين عدة قوانين ومراسيم، رغم شموليته للمبادئ العامة المنظمة لهذا المجال الحيوي.
واعتبر معزوز أن تجميع هذه النصوص القانونية في مدونة موحدة سيكون خطوة مهمة نحو تحديث المنظومة القانونية للإشهار، وضمان وضوحها وفعاليتها، مؤكدا أن هذا المقترح يجب أن يجد طريقه إلى التفعيل في المستقبل القريب، لما له من أثر مباشر على تنظيم السوق الإشهاري وتعزيز الشفافية والمنافسة الشريفة.
وأضاف أن السوق الإشهاري المغربي يتمتع بقدر كبير من التنظيم الذاتي، إذ تتكفل المؤسسات الإعلامية والهيئات المهنية بوضع ضوابط ومعايير لتدبير المحتوى الإشهاري، مما يجعل الحالات التي تثير إشكالات قانونية أو أخلاقية نادرة جدا، خصوصا في الإعلانات التلفزيونية.
وأوضح أن عملية التحكيم والمراقبة تظل قائمة في كل وصلة إشهارية تبث عبر القنوات الوطنية، سواء من حيث احترامها للقيم المجتمعية أو مطابقتها للمعايير القانونية.
وفي سياق متصل، أشار معزوز إلى أن الاجتياح الكثيف للمضامين الإشهارية في مختلف الوسائط، من القنوات التلفزيونية إلى المنصات الرقمية، يطرح تحديات جديدة تتعلق بحماية المستهلك المغربي من الممارسات المضللة أو الإعلانات غير الأخلاقية.
وأكد أن المستهلك يظل الركيزة الأساسية في هذا القطاع، باعتباره الطرف المستهدف والمستفيد في الوقت نفسه من الرسائل الإشهارية، مما يستدعي تعزيز ثقافة الاستهلاك الواعي والمسؤول، إلى جانب تقوية دور أجهزة المراقبة لحماية الحقوق الاقتصادية للمواطنين.
واعتبر المدير القانوني لشركة صورياد–دوزيم تصريحه أن الإشهار ليس مجرد وسيلة للترويج التجاري، بل أداة للتواصل الاقتصادي والثقافي، تساهم في دعم المقاولات الوطنية وتنشيط الدورة الاقتصادية، شريطة أن يظل هذا القطاع مؤطرا بقوانين واضحة، تراعي التوازن بين حرية الإبداع ومصلحة المستهلك وحماية القيم الوطنية.
اترك تعليقاً