خارج الحدود

حين تنتصر “البدائية” على التكنولوجيا.. طوفان الأقصى يقلب الموازين ويغير وجه العالم

لم يدر في خلد المتابعين أن ما يشاهدونه من اقتحام عناصر كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) والمقاومة في قطاع غزة صبيحة يوم 7 أكتوبر 2023 مستوطنات غلاف غزة سيفتح صفحة جديدة، ليس في فلسطين ولا المنطقة العربية، بل يمتد ليشمل العالم.

وكما قال الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس الشهيد يحيى السنوار فإن الحركة ستضع العالم في مواجهة إسرائيل للحصول على حقوقنا، فلأول مرة منذ احتلال فلسطين في العام 1948 اتهمت إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، وبات سياسيوها وجنودها مطاردين بسبب ذلك، ليس فقط من قبل الفلسطينيين ومنظمات حقوقية، بل من شخصيات رسمية وهيئات دولية.

هذا التغير ضرب السردية الإسرائيلية في الصميم، إذ لم يعد ممكنا تبرير الدمار تحت شعار “الدفاع المشروع عن النفس”.

غزة والقضية الفلسطينية

قبل 7 أكتوبر كانت القضية الفلسطينية قد بدأت بالتواري وانطفاء وهجها، خاصة مع استباحة موجة التطبيع في المنطقة العربية، وكثر الحديث عن المنافع الاقتصادية التي ستشهدها المنطقة بعد السلام مع إسرائيل.

وهو ما عبر عنه الكاتب اليساري الإسرائيلي جدعون ليفي في صحيفة هآرتس “أصبحت غزة هيروشيما، لكن روحها لا تزال حية، كانت القضية الفلسطينية قد اختفت تماما من الأجندة الدولية، وأصبح الفلسطينيون هم الهنود الحمر في هذه المنطقة، ثم جاءت الحرب ووضعتهم على رأس الأجندة العالمية، العالم يحبهم ويشعر بالأسف لأجلهم”.

وجاءت موجة الاعترافات بالدولة الفلسطينية لتظهر أثر الطوفان في وضع القضية الفلسطينية على قمة أعمال العالم، ففي ماي 2024 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 143 صوتا قرارا يدعم طلب فلسطين الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، وأوصى مجلس الأمن بإعادة النظر في الطلب.

كما أعلنت النرويج وأيرلندا وإسبانيا اعترافها بالدولة الفلسطينية، وتبعتها سلوفينيا في الشهر التالي، فارتفع عدد الدول المعترفة بها إلى 148 من أصل 193 دولة عضوة في الأمم المتحدة.

والشهر الماضي، أعلنت بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا والبرتغال اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، ليصل عدد الدولة التي اعترفت بالدولة الفلسطينية إلى 159 دولة وفقا لوزارة الخارجية الفلسطينية.

البدائية التي هزمت التكنولوجيا

“الهزيمة التي منيت بها إسرائيل في 7 أكتوبر هي الأشد قسوة وإيلاما وإهانة في تاريخها، حتى في أسوأ كوابيسنا لم نتخيل أن شيئا كهذا يمكن أن يحدث لنا”، هكذا عبر الكاتب الصحفي بن كسبيت في “معاريف” عما حدث لإسرائيل قبل عامين.

لم يأت اعتراف بن كسبيت -الذي يشاركه فيه العديد من الإسرائيليين- من فراغ، إذ كشفت معركة طوفان الأقصى الإخفاقات والتصورات الوهمية والغطرسة التي قادت إلى كارثة 7 أكتوبر، وفقا لرئيس الأركان السابق أفيف كوخافي.

وبحسب كوخافي، فإن “الهدوء النسبي في الجنوب” كان خادعا، فحماس لم تتوقف، بل بنت قوتها وتحصنت، وأصبحت تهديدا لم يتخيله أحد.

ويصف كوخافي ما جرى في ذلك اليوم العميد (احتياط) شموئيل زخاي القائد السابق لفرقة غزة بقوله “العدو الأكبر للتكنولوجيا هو البدائية، قنبلة يدوية أو طائرة مسيّرة من علي إكسبرس دمرت منظومة كلها”، مضيفا “التقنيات الفاخرة انهارت أمام وسائل بسيطة ورخيصة”.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد بدأ جيش الاحتلال عدوانه على القطاع معتقدا أن القضاء على قوى المقاومة لن يستغرق وقتا طويلا ليتفاجأ مع داعميه في العلن والخفاء أنه وبعد عامين من القتال لا تزال المقاومة صامدة وتقف على قدميها وتكبد الاحتلال مزيدا من الخسائر في الأرواح والعتاد.

جيش الاحتلال صرح من خيال

استمرار الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل أدى إلى سقوط أسطورة الجيش كقوة قادرة على اجتراح المعجزات، وبات يعاني من نقص المقاتلين والمعدات، وبالمثل تهاوت مزاعم “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”.

ووفقا لأحدث إحصاءات جيش الاحتلال، فقد قتل 1152 ضابطا وجنديا منذ 7 أكتوبر 2023، أكثر من 40% منهم تحت 21 عاما.

ومنذ شهرين فقط اعترف قسم إعادة التأهيل لدى وزارة جيش الاحتلال بمعالجة “نحو 80 ألف جندي من الجيش، منهم 26 ألفا يعانون اضطرابات نفسية”، في حين يرفض ما بين 30 و40% من جنود الاحتياط الخدمة لأسباب، بينها الإرهاق من طول الحرب، حسب إعلام إسرائيلي.

وأدى نقص عدد جنود الاحتلال إلى دفع الجيش إلى اللجوء لتجنيد النساء واليهود من خارج البلاد لسد هذا النقص.

ووفقا لموقع “والا”، فقد عمد الجيش إلى تجنيد 5 آلاف امرأة لمهام قتالية خلال العام الماضي، والسعي لتجنيد أشخاص من يهود الخارج بمعدل 700 شخص سنويا، حيث أظهرت التقديرات جيش الاحتلال وجود “نقص خطير” في القوات يتجاوز 12 ألف جندي.

كما بات يشكو من نقص يقدّر بـ300 ضابط في مناصب قادة فصائل القوات البرية، كما يواجه جيش الاحتلال صعوبة في إقناع جنوده ممن وصفتهم بذوي الكفاءة بالالتحاق بدورة الضباط.

كما خلقت الحرب أزمة ثقة “خطرة” بين المستويين السياسي والعسكري، ولا يمكن الاستمرار بهذه الطريقة كما يرى مسؤول شعبة الدراسات العملياتية في جيش الاحتلال غاي خازوت.

توترات مجتمعية وتدهور اقتصادي

ولا يُعتقد أن هوة الخلاف بين الجانبين ستتقلص مع انتهاء الحرب، ومحاولة جيش الاحتلال ترميم قدراته، إذ يعتقد العديد من المراقبين أن هذا الخلافات ستتفاقم وتزيد حدتها في قادم الأيام.

ومع استمرار الحرب على غزة تحولت إسرائيل إلى مسرح لفوضى سياسية وأمنية غير مسبوقة، ويرى خبير الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد في حديث للجزيرة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية سعى إلى السيطرة على الجيش عبر تعيين مقربين من التيار القومي والديني وإقصاء آخرين، ضمن خطة لتغيير هوية المؤسسة العسكرية بما يوافق أجندة اليمين.

ووصل الانقسام الاجتماعي إلى مستويات دفعت الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى التحذير من مخاطر الحرب الأهلية.

ولم يكن الاقتصاد ببعيد عند ارتدادات طوفان الأقصى، إذ زاد الإنفاق العسكري الإسرائيلي 65% في عام 2024 إلى 46.5 مليار دولار بفعل الحرب على غزة وتداعياتها، لتكون هذه التكلفة الحربية هي الأكبر في تاريخ إسرائيل.

وأدى ذلك إلى وقوع الاقتصاد الإسرائيلي تحت ضغوط كبرى أدت لخفض الانفاق على العديد من المجالات التي كانت تغري بالهجرة والإقامة في إسرائيل حيث دولة الرفاه التي تعتني بمواطنيها حسب التصورات الإسرائيلية.

ووفقا لتقارير اقتصادية، يُعتقد أن يتجاوز الدين العام لإسرائيل 70% من الناتج الإجمالي لعام 2025، كما توقع أن يصل عجز الموازنة الحكومية إلى نحو 16% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا طوال ما تبقى من هذا العقد.

التردي الاقتصادي تبعه خروج رؤوس الأموال من إسرائيل، إذ أشارت معطيات نقلها الإعلام الإسرائيلي إلى أن ما لا يقل عن 1700 مليونير غادروا إسرائيل العام الماضي.

من سيدني إلى لندن

“لقد طردتهم لأنهم قتلة أطفال، جيش الجريمة الإسرائيلي ليس جيش الدفاع إنما جيش الجريمة”، هذه الكلمات لخصت سبب طرد صاحبة صالون للحلاقة في العاصمة الأسترالية سيدني زبونا تبين لها أنه إسرائيلي.

موقف تلك السيدة لم يكن منفردا في البلد القارة، حيث استمرت المظاهرات تخرج أسبوعيا منذ 7 أكتوبر 2023 منددة بالعدوان على غزة وصمت العالم إزاء العدوان.

وفي غشت الماضي شهدت سيدني أكبر مظاهرة دعما لغزة، حيث شارك فيها نحو 90 ألف شخص وعبرت أشهر جسور العاصمة حيث تسببت بغضب إسرائيلي عارم.

وفي اليابان وكوريا الجنوبية وتايلند والهند وباكستان وأفغانستان وإندونيسيا والفلبين وماليزيا شهدت العديد من مدن تلك الدول مظاهرات منددة بالاحتلال وداعمة لغزة، وتعرّض فيها دبلوماسيون وسياح إسرائيليون للطرد من مطاعم وتجمعات بسبب دعمهم الإبادة وخدمتهم في جيش الاحتلال.

ولئن كانت أصداء طوفان الأقصى وما أحدثته من تغير قد تردد في شوارع آسيا وحرك شعوبا لم تكن على تماس مباشر مع القضية الفلسطينية فإن صدى الطوفان كان أوقع وأكبر وأقسى في شوارع المدن الأوروبية، حيث بات شعارا “فلسطين حرة من البحر إلى النهر”، و”الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي” مصاحبين لكافة المظاهرات التي تخرج دعما لغزة.

بدوره، يصف مراسل صحيفة معاريف الإسرائيلية آفي أشكنازي ما هو واقع “نجحت الحركة (حماس) إلى حد كبير في خطوات عدة اتخذتها، فعلى سبيل المثال لا يوجد اليوم شارع في أوروبا لا يرفرف فيه علم فلسطين على واجهة متجر أو يظهر شعار “الحرية لفلسطين”، في كل ساحة بإيطاليا وإسبانيا وإنجلترا وألمانيا واليونان شوهدت مظاهرات لمؤيدي الحركة، هنا، قدّمت الحركة درسا حقيقيا للدبلوماسية الإسرائيلية الغائبة”.

وقد وثق المركز الأوروبي الفلسطيني للإعلام (إيبال) أكثر من 45 ألف مظاهرة وفعالية في نحو 800 مدينة في 25 دولة أوروبية، وذلك خلال عامين من الإبادة الجماعية التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.

وقال رئيس المركز الأوروبي الفلسطيني للإعلام رائد صلاحات في حديث للجزيرة نت إن الجمهور الأوروبي يمثل النسبة الكبرى من المشاركين في هذه الفعاليات.

وحسب صلاحات، فإن ذلك كان له عظيم الأثر في التأثير على السياسيين الأوروبيين لاتخاذ القرارات التي تُوجت أخيرا باعتراف عدد من الحكومات الأوروبية بالدولة الفلسطينية.

وتُعد مظاهرة هولندا التي جرت في 5 أكتوبر الجاري وشارك فيها ربع مليون شخص الأكثر أثرا في إدراك التغيير الواقع في أوروبا، فقد اعتبر الباحث في مجموعة الأزمات الدولية معين رباني -الذي وُلد وعاش في هولندا- أنها كانت بلا شك أكثر دولة أوروبية مؤيدة لإسرائيل.

وأشار رباني إلى أن إسرائيل خسرت الشعب الهولندي خسارة لا رجعة فيها، وستجد الحكومات الهولندية المستقبلية صعوبة متزايدة في التمسك بموقفها نيابة عن نظام الفصل العنصري الإبادي “فنحن نعيش في عالم مختلف وسيصبح عالما أفضل”.

ولم يكتف الحراك الأوروبي بالمظاهرات والإضرابات، بل تطور ليشمل البحر، إذ انطلقت رحلات بحرية عدة لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ العام 2018، وكان آخرها أسطول الصمود.

في يوليوز 2025 تشكل الأسطول من 4 كيانات رئيسية هي الحركة العالمية نحو غزة وتحالف أسطول الحرية وأسطول الصمود المغاربي ومبادرة “صمود نوسانتارا” الشرق آسيوية بهدف كسر الحصار الإسرائيلي غير القانوني المفروض على قطاع غزة.

ورغم تصريحات المسؤولين الإسرائيليين عن نجاحهم في إيقاف الأسطول في المياه الدولية فإنه زاد حدة الغضب الشعبي تجاه إسرائيل وسياساتها، خاصة بعدما تحدث الناشطون المشاركون في الأسطول عن الطريقة التي تعامل معهم الاحتلال فيها وما مارسه ضدهم من أساليب قمعية.

ما وقع في شوارع أوروبا انعكس على أنديتها الرياضية والفعاليات الرياضية، فلم يغب جمهور تلك الأندية عن التنديد بالإبادة والعدوان، كما دعمت فرقهم هذا التوجه، الأمر الذي دفع إلى المطالبة بمنع إسرائيل من المشاركة في بطولات كرة القدم الأوروبية والدولية.

وليس أدل على أثر ما هو جار في أوروبا ما نقلته صحيفة معاريف عن نتنياهو ووصفت تصريحه بالتصعيد، إذ اعتبر أن “أوروبا أصبحت غير ذات صلة واستسلمت للإرهاب الفلسطيني”.

وأظهر استطلاع أُجري في 24 دولة في مارس/آذار الماضي أن 20 دولة منها عبر نصف السكان أو أكثر عن موقف سلبي من إسرائيل، وفي دول مثل أستراليا واليابان والسويد وتركيا وإندونيسيا وصلت النسبة إلى 75% أو أكثر، وفي بريطانيا ارتفعت نسبة غير المؤيدين من 44% عام 2013 إلى 61% عام 2025.

أميركا.. أفول السردية

وعلى الضفة الأخرى من المحيط كان تأثير الطوفان أكبر وأعمق، فما إن تفاعل طلبة الجامعات مع الحدث وبدأت مطاردة الساحرات لهم في أروقة الجامعات وفي الكونغرس كان الشارع الأميركي قد خرج في ولايات عدة بمظاهرات حاشدة مطالبة بوقف الإبادة ومطالبة أيضا بوقف تسليح الجيش الإسرائيلي والمشاركة في الإبادة.

ولم يكد ساسة واشنطن يفرغون من طلبة الجامعات ومواقفهم الداعمة لحرية الشعب الفلسطيني والمنددة بما يجري في غزة حتى استفاقوا على سردية مضادة للسردية الإسرائيلية وكان ميدانها هذه المرة تطبيق تيك توك، لتبدأ مطاردة أخرى لقمع تلك الرواية والسيطرة عليها، فكان أن اشترى لاري إليسون ثاني أثرى رجل في العالم التطبيق في الولايات المتحدة للتحكم فيما يُبث هناك ووقف تدهور صورة إسرائيل.

الانفتاح على سردية مغايرة للرواية الإسرائيلية في الولايات المتحدة ظهر في استطلاعات الرأي، فوفقا لاستطلاع لمركز بيو أُجري في مارس الماضي ظهر أن 53% من الأميركيين يحملون مواقف سلبية تجاه إسرائيل، وقد وصلت النسبة إلى نحو 60% مع بروز قطيعة متزايدة بين الاحتلال وجيل الشباب الأميركيين.

ما جرى في أميركا لم يقف عن حدود المظاهرات واحتجاجات الطلبة، فقد بات العديد من الأميركيين مقتنعين بأن اللوبي الإسرائيلي يتحكم في سياسة بلادهم وسياسييهم، وبات هذا الموضوع مادة رئيسية للحديث والنقاش، سواء من مؤيدي الحزب الديمقراطي أو الجمهوري.

كما تحدّث العديد من السياسيين المستقلين والمحللين عن جدوى عدم إسرائيل وما الفائدة التي تجنيها الولايات المتحدة من إسرائيل، الأمر الذي دفع نتنياهو إلى الخروج في منصات عدة لبرامج للحديث عن أهمية إسرائيل للولايات المتحدة.

وقال نتنياهو في حديث مع بن شابيرو -وهو أحد أبرز داعمي الرواية الإسرائيلية في أميركا- “نحن نتشارك مع أميركا في امتلاك أكثر الأسلحة الهجومية تقدما على وجه الأرض، أسلحة لا تملكها أي من القوى العظمى، طُورت في إسرائيل وتشارك مع أميركا”.

ولم تكن هوليود بمنأى عن ذلك، وهي التي يُنظر إليها على أنها إحدى وسائل النفوذ الإسرائيلي وأنها معروفة تاريخيا بأنها مؤيدة لإسرائيل، وقد تعهد أكثر من 1300 سينمائي -من بينهم بعض نجوم هوليود البارزين- بعدم العمل مع المؤسسات السينمائية الإسرائيلية المتواطئة في الانتهاكات ضد الفلسطينيين، في الوقت الذي تكثف فيه إسرائيل حربها على غزة، وهو الأمر الذي بات يقلق ساسة إسرائيل من تعميق خسارتهم لواشنطن، خاصة مع أجيال لم تعد ترى أن إسرائيل حليفة لهم.

لذا، حرص نتنياهو في زيارته الشهر الماضي للولايات المتحدة على الاجتماع مع مؤثرين لتسويق الرسالة الإسرائيلية، حيث دعاهم إلى استخدام منصتي تيك توك وإكس لتعزيز دعم إسرائيل وتحسين صورتها على وسائل التواصل الاجتماعي.

وركز نتنياهو على أهمية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لكونها “أدوات المعركة” في دعم موقف إسرائيل لتنتصر في حربها على غزة، وقال إن منصة مثل “تيك توك هي رقم واحد” في حسم موقفه العالمي، وأشار إلى التعاون مع إيلون ماسك مالك منصة إكس ووصفه بالصديق لا العدو.

وقد تسربت أنباء عن أن إسرائيل تدفع إلى كل مؤثر يدافع عن إسرائيل وينشر روايتها 7 آلاف دولار للمنشور، وهو ما بات مثار سخرية من قبل الأميركيين.

كما دفعت إسرائيل 4.1 ملايين دولار لشركة “شو فيث باي ووركس” لاستهداف المسيحيين بدعاية “مؤيدة لإسرائيل ومعادية للفلسطينيين” بشكل صريح، وذلك من خلال دعم الكنائس والقساوسة، وفقا لملفات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب التي استعرضتها وكالة الأنباء اليهودية.

صراع السردية انتقل إلى داخل “ماغا” التيار المؤيد والداعم للرئيس دونالد ترامب له، فوقفا لصحيفة وول ستريت جورنال فقد صعّدت لورا لومر خلافاتها داخل التيار المؤيد لترامب، الأمر الذي بات مثيرا للقلق في البيت الأبيض.

وهاجمت لومر -وهي صحفية مثيرة للجدل ومقربة من ترامب- علنا شخصيات بارزة في حركة ماغا، منهم المذيع والمعلق السياسي البارز تاكر كارلسون واتهمته بالتواطؤ مع جماعة الإخوان المسلمين، وذلك بعد انتقاده السياسة الإسرائيلية وطريقة تعامل نتنياهو مع المسؤولين الأميركيين.

ويتهم البعض لومر بتلقيها أموالا من إسرائيل، وهي المعروف عنها دعمها الشديد لإسرائيل، وتتهم بأنها تتعاون مع محلل الاستخبارات الإسرائيلي الأميركي يعقوب أبيلباوم في استهداف مسؤولين تعتبرهم “متعاطفين مع المسلمين”.

وقد تصاعدت الخلافات داخل “ماغا”، خاصة بعد أن طرح بعض حلفاء ترامب نظريات مؤامرة ضد إسرائيل عقب اغتيال الناشط المحافظ تشارلي كيرك.

ويمكن تلخيص المشهد الجاري في العالم الآن بما قاله الصحفي الإسرائيلي بن درور يميني إن غزة انتصرت على الساحة العالمية عبر الجامعات ووسائل الإعلام ومنصات التواصل والنقابات، وتمكنت حركة حماس من جر إسرائيل نحو الانهيار الاقتصادي والدبلوماسي.

وخلص يميني إلى أن المهمة المقبلة الأصعب هي إعادة بناء المكانة الدبلوماسية لإسرائيل، وهي مهمة طويلة الأمد.

هكذا كشفت عملية طوفان الأقصى وجه إسرائيل من دولة تسعى إلى الاندماج في المنطقة العربية وتسوّق رسالتها على أنها محبة للسلام والتعاون إلى دولة منبوذة ويطارد سياسيوها وجنودها في أرجاء العالم بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.

ولن تقف ارتدادات طوفان الأقصى عند توقف العدوان على القطاع، بل ستستمر في التأثير وبقوة على إسرائيل ومستقبلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *